بغداد / المدى
أمهلت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري العراق حتى آذار 2026 لتقديم إجراءات ملموسة في ملف المفقودين، بعد مرور عقد على انتهاء الحرب ضد تنظيم داعش، وسط تقديرات تشير إلى أن عدد المفقودين في البلاد يتراوح بين 250 ألفاً وأكثر من مليون شخص، في ظل استمرار الفجوة بين حجم الكارثة ومحدودية التحقيقات الوطنية.
وتقدّر اللجنة الدولية للمفقودين أن عدد المفقودين في العراق عبر العقود قد يتراوح بين 250 ألفاً وأكثر من مليون شخص، فيما تحتفظ اللجنة الدولية للصليب الأحمر بنحو 28 ألفاً و892 ملفاً مفتوحاً لأشخاص لم يُعرف مصيرهم بعد. كما يؤكد المرصد العراقي لحقوق الإنسان أن أكثر من 11 ألف عائلة قدمت بلاغات رسمية بين عامي 2017 و2022، ما يعكس فجوة كبيرة بين حجم المأساة ومستوى التحقيقات الوطنية.
تبقى قضية الصقلاوية في محافظة الأنبار الأبرز والأكثر توثيقاً، إذ اختفى 643 رجلاً وفتى في حزيران 2016 خلال عمليات استعادة الفلوجة، بعد فصلهم عن عائلاتهم عند نقاط تفتيش تابعة لفصائل من الحشد الشعبي، وفقاً لتقارير منظمة العفو الدولية التي طالبت مراراً بالكشف عن مصيرهم.
وفي كانون الأول 2022، صرح رئيس مجلس النواب الأسبق محمد الحلبوسي بأن هؤلاء «ليسوا مغيبين بل مغدورون»، داعياً إلى شمول عائلاتهم بقانون ضحايا الإرهاب. كما نقل نائب رئيس الوزراء الأسبق صالح المطلك في كانون الثاني 2025 عن رئيس الوزراء الأسبق مصطفى الكاظمي قوله: «فتشوا عنهم في نهر دجلة»، وهو تصريح أثار جدلاً واسعاً ودعوات لتحقيق قضائي مستقل.
تتركز البلاغات والشهادات الميدانية في مناطق عدة أبرزها الرضوانية والرازازة وسامراء والطوز وآمرلي وجرف النصر، وتشير تقارير حقوقية إلى أن أنماط الاختفاء تزامنت مع العمليات العسكرية ضد داعش وشملت اعتقالات ميدانية واحتجازات غير قانونية. وفي جرف النصر لم يُسمح بعودة السكان منذ عام 2014، وسط تقارير تتحدث عن مراكز احتجاز سرية تنفيها الحكومة دون تقديم دليل مضاد.
وثّقت هيومن رايتس ووتش عشرات الحالات التي وصفتها بأنها «احتجاز سري دون مسار قضائي»، فيما اعتبرت العفو الدولية أن تقاعس الدولة عن التحقيق يمثل إخلالاً جوهرياً بالتزاماتها الدولية.
وتؤكد الحكومة العراقية أن معالجة الملف تتطلب وقتاً وتنسيقاً قضائياً وأمنياً ودولياً، لكنها تواجه ضغطاً إضافياً مع تحديد موعد 9 إلى 27 آذار 2026 لعقد جلسة علنية في جنيف لمراجعة مدى التزامها بالاتفاقية الدولية التي صادقت عليها عام 2010.
تطالب لجنة الأمم المتحدة بغداد باتخاذ خطوات محددة قبل الموعد، منها تجريم الاختفاء القسري كجريمة مستقلة، وإنشاء إطار شامل للتعويض، وضمان شفافية سجلات الاحتجاز، وحفظ الأدلة الجنائية والشهادات، وتفعيل آليات رقابة مستقلة. كما شددت على أن العراق يخضع لدورة مراجعة مدتها سنتان فقط، ما يجعل تقييم آذار المقبل حاسماً في تحديد مدى وفائه بالتزاماته.
وتوصي اللجنة بإعادة هيكلة اللجنة الوطنية للمفقودين وضمان استقلال المفوضية العليا لحقوق الإنسان، مع الحفاظ على أرشيف التحقيقات الذي جمعته بعثة يونيتاد قبل انتهاء تفويضها في أيلول 2024. كما دعت إلى إنشاء آلية مركزية مستقلة للبحث عن المختفين، والتحقيق في مزاعم الإعدامات أثناء الاحتجاز، والتعامل مع المقابر الجماعية بما يحافظ على الأدلة.
وفي محور حقوق الضحايا، تطالب الأمم المتحدة بمواءمة تعريف «الضحية» مع المادة 24 من الاتفاقية، وتمكين المتضررين من المشاركة في التحقيقات، وإلغاء اشتراط شهادة الوفاة لإثبات الحالة القانونية للمختفي. وشددت على مسؤولية السلطات العراقية في حماية ذوي المفقودين من التهديد والانتقام.
كما تطلب اللجنة من العراق تقديم تقارير دورية وبيانات إحصائية دقيقة، وتعزيز التنسيق مع سلطات إقليم كردستان لتوحيد الإجراءات القانونية والمؤسسية.
وقدّم مركز جنيف الدولي للعدالة تقريره التحليلي إلى اللجنة بوصفه «تقرير ظل»، أشار فيه إلى استمرار الانتهاكات وغياب قاعدة بيانات موحدة، معتبراً أن مهلة آذار 2026 «فرصة أخيرة» للعراق لإثبات جديته قبل أن يُدرج ضمن الدول التي تفشل في الوفاء بالتزاماتها الدولية.
ويرى مراقبون أن الملف يتحرك بين محور داخلي مثقل بالاتهامات والانقسامات، ومحور دولي يتصاعد ضغطه كلما اقترب موعد جنيف، فيما تنتظر آلاف العائلات معرفة مصير ذويها، بين أمل بالعدالة ومخاوف من أن تتحول الجلسة المقبلة إلى مساءلة علنية عن سنوات من الصمت.










