السليمانية/ سوزان طاهر
أعلن حزب العمال الكردستاني سحب جميع مقاتليه من تركيا إلى العراق، في خطوة تأتي ضمن عملية السلام التي تضمنت إعلان الحزب حل نفسه وإنهاء النزاع المسلح مع أنقرة بعد عقود.
وفي 27 شباط الماضي، أطلق زعيم الحزب، عبد الله أوجلان، من محبسه الواقع في جزيرة إيمرالي جنوب بحر مرمرة غرب تركيا، الذي يقبع به منذ 26 عاماً بعد الحكم عليه بالسجن المؤبد المشدد عام 1999، نداءً عَنْوَنَه بـ«دعوة إلى السلام والمجتمع الديمقراطي». دعا فيه «حزب العمال الكردستاني» إلى عقد مؤتمر عام، وإعلان حل نفسه وإلقاء أسلحته، والتوجه إلى العمل الديمقراطي ضمن الإطار القانوني، لافتاً إلى أن التطورات في المنطقة تؤكد ضرورة هذه الخطوة وتحقيق التضامن بين الأتراك والكرد.
وفي تحول تاريخي يمهد لمرحلة جديدة من مسار السلام مع الحكومة التركية، شهدت منطقة رابرين بمحافظة السليمانية في إقليم كردستان في 11 تموز 2025 انطلاق أولى خطوات نزع سلاح مقاتلي حزب العمال الكردستاني.
وفي الحفل، قامت مجموعة من 30 شخصاً، من بينهم الرئيسة المشاركة للمجلس التنفيذي لمنظومة مجتمعات كردستان هوليا أوران التي تحمل الاسم الحركي «بسة حوزات»، بإحراق أسلحتها.
يؤكد الباحث في الشأن الأمني سعيد مصطفى أن خطوة حزب العمال الكردستاني بتحويل قواته من تركيا إلى قنديل، لا علاقة لها بعودة الحرب من مكان آخر.
ويضيف مصطفى خلال حديثه لـ(المدى) أن «هذا التحول هو جزء من تنفيذ عملية السلام التي أعلن عنها زعيم حزب العمال عبد الله أوجلان، بهدف انسحاب مقاتليه من جبال قنديل، وتأمين هذا الانسحاب».
وأشار إلى أن «عملية الانسحاب من الأراضي التركية، والتوجه إلى مناطق قنديل، هي الجزء الثالث من تنفيذ اتفاق السلام، بهدف تسليم سلاح الحزب، وتنفيذ عملية الاتفاق، بما يضمن لحزب العمال عدم الالتفاف أو المناورة التركية، كون الشكوك ما تزال قائمة».
وعملاً بنداء السلام والمجتمع الديمقراطي وقرارات المؤتمر الثاني عشر لحزب العمال الكردستاني، أعلنت حركة حرية كردستان انسحاب قواتها من تركيا في خطوة تاريخية نحو المرحلة الثانية من نداء السلام والمجتمع الديمقراطي.
ومنطقة «الدفاع المشروع» التي ذكر الحزب أن قواته ستنسحب إليها، هي مناطق شمال العراق وشرقي سوريا، وتشمل مناطق الغالبية الكردية في العراق وسوريا وإيران وتركيا، لكن المقصود بها فعلياً في البيان، الأجزاء العراقية والسورية الشمالية والشرقية، وتحديداً مناطق شرقي أربيل وشمالي دهوك وضواحي السليمانية العراقية، وإلى جانب الحسكة السورية.
وتشمل سلسلة جبال قنديل، وسوران، وسيدكان، وحفاتين، وزاخو، والعمادية، وكاني ماسي، عراقياً، بينما ترتبط سورياً بمناطق الحسكة الحدودية ذات الغالبية الكردية، ويتمتع الحزب المسلح فيها بنفوذ واسع، ولا سيما الجانب العسكري والسياسي من أنشطته، خصوصاً بالعراق الذي يعود تاريخه فيه إلى عام 1994.
ويرى الباحث في الشأن السياسي والمقرب من حزب العمال الكردستاني جمعة محمد كريم، أن حزب العمال والمنظمات المرتبطة به، نفذوا كل التزاماتهم.
وأوضح كريم خلال حديثه لـ(المدى) أن «تركيا حتى الآن، لم تظهر أي بوادر حسن النية، تجاه عملية السلام، ولم تنفذ كل بنود الاتفاق، باستثناء وقف القصف على مناطق شمال العراق، وشمال شرق سوريا، لكنها لم تطلق سراح المعتقلين، ولم تُولِ اهتماماً لحل القضية الكردية في تركيا، وما تزال تتعامل مع الكرد كمواطنين درجة ثانية».
وشدد على أن «هذه الخطوة التي أعلن عنها حزب العمال، هي جزء آخر من تنفيذ عملية الاتفاق، وهي مبادرة حسن نية أخرى، يبديها حزب العمال، ورسالة أخرى يوجهها إلى الحكومة التركية والمجتمع الدولي».
وبعد زيارات متكررة من وفد حزب «المساواة وديمقراطية الشعوب»، إلى عبد الله أوجلان في سجن إمرالي، دعا زعيم حزب العمال الكردستاني، في 27 شباط من هذا العام، حزبه إلى عقد مؤتمر، وإلقاء السلاح، وحلّ نفسه. واستجابةً لدعوة أوجلان، عقد الحزب مؤتمره الثاني عشر بين 5 و7 أيار، وقرّر خلاله حلّ نفسه وإنهاء الكفاح المسلح.
وأجرى وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في 26 كانون الثاني يناير الماضي، زيارة سريعة إلى العاصمة بغداد، هي الثانية له إلى البلاد منذ توليه منصبه في حزيران يونيو 2023، حيث تركزت على الأحداث في سوريا بعد سقوط الأسد.
وأوقفت تركيا عملياتها العسكرية في مناطق شمال العراق، بعد إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه وتسليم السلاح.
وتمتلك تركيا أكثر من 20 قاعدة عسكرية في مناطق دهوك وأربيل، وقاعدة أخرى في ناحية بعشيقة بمحافظة نينوى، تقول أنقرة إنها موجودة في العراق وفق اتفاق أمني موقع مع الحكومة العراقية لملاحقة عناصر حزب العمال.
يشير الباحث في الشأن السياسي لقمان حسين إلى أن الإعلان الأخير لحزب العمال الكردستاني لا علاقة له بعودة الحرب، وإنما هي خطوة رمزية فقط، لحث أنقرة على استمرار عملية السلام.
وذكر حسين خلال حديثه لـ(المدى) أن «حزب العمال ما زال يخشى من تراجع تركيا، ويريد منها تنفيذ خطوات وبوادر حسن نية، لذلك جاء إعلانه بالانسحاب من الأراضي التركية، والتوجه إلى ما تعرف بمناطق الدفاع، بهدف حماية قادته، الذين يتواجدون في مناطق قنديل، ومناطق شمال شرق سوريا».
وتابع أن «العراق سيكون بعيداً عن تأثير هذه الخطوة، ولا علاقة لها بعودة الحرب أو الصراع مع تركيا، فعملية السلاح فيها ضمانات دولية، ولا يمكن التنصل أو التراجع عنها».










