بغداد – تبارك عبد المجيد
تتصاعد الأزمة بين نقابة الفنانين العراقيين ولجنة الثقافة والسياحة والآثار في مجلس النواب، بعد مطالبة الأخيرة بسحب يد نقيب الفنانين الدكتور جبار جودي، على خلفية تصريحاته التي انتقد فيها أداء اللجنة وتركيبتها. القصة بدأت حين ظهر جودي في تصريح متلفز تابعته «المدى»، قال فيه إن اللجنة البرلمانية التي تحمل اليوم اسم «لجنة الثقافة والسياحة والآثار» – وكان اسمها سابقاً «لجنة الثقافة والسياحة، تخلو من أي مثقف أو فنان، مضيفاً: «قدمت اعتراضات رسمية لتعديل اسم اللجنة إلى لجنة الثقافة والفنون والسياحة والآثار، لكن لم يرد أحد عليها رغم موافقتهم الشفهية، فهذه اللجنة لا تضم مثقفاً واحداً أو شخصاً يفهم في الشأن الثقافي والفني، وهناك قطيعة بيننا لا يمكن ردمها إلا إذا فاز فنان في البرلمان.» هذا التصريح أثار حفيظة أعضاء اللجنة، الذين أصدروا بياناً طالبوا فيه بسحب يد النقيب، معتبرين أن حديثه يمثل إساءة لمجلس النواب ولجنة الثقافة تحديداً. لكن جودي لم يصمت، بل رد ببيان لاذع قال فيه إن النقابة كانت تنوي تقديم ما يثبت جهودها الكبيرة في دعم الفنانين والمثقفين، إلا أن بيان اللجنة ذاته احتوى – بحسب قوله – على 26 خطأً لغوياً وإملائياً، ما اعتبره دليلاً على صحة انتقاده. وأضاف: «ندعو السادة النواب في اللجنة إلى الالتحاق بدورات مجانية في الإملاء واللغة في مقر النقابة، وسنقترح عليهم بعد ذلك كتباً وندوات، كي يكون في لجنة الثقافة مثقفون فعلاً.» الرد لم يمر مرور الكرام، إذ أصدر رئيس اللجنة النائب فاروق حنا عتو بياناً جديداً أكد فيه أن تصريحات جودي «إهانة صريحة لأعضاء اللجنة وتجاوز غير مقبول»، مشيراً إلى أن اللجنة متمسكة ببيانها السابق وتمتلك «الوثائق الداعمة له». وبين شد وجذب، تحولت القضية من خلاف إداري حول تسمية لجنة برلمانية إلى صراع علني بين ممثلي الثقافة الرسميين ومؤسساتها النقابية، يعكس هشاشة العلاقة بين الوسطين الثقافي والسياسي، في بلد ما زال فيه الفنان والمثقف يطالبان بمقعد حقيقي داخل دوائر القرار.
من جانبه، قال الناشط أحمد الساعدي، إن ما يحدث اليوم «يكشف أزمة احترام متبادلة بين مؤسسات الدولة والوسط الثقافي»، مضيفاً أن «السلطة لا تزال تنظر إلى المثقف كصوت مزعج لا كشريك في بناء الوعي العام». وأوضح الساعدي في حديثه لـ»المدى» أن «رد لجنة الثقافة على تصريحات نقيب الفنانين كان يجب أن يكون بالحوار لا بالبيانات، لأن النقاش بين العقول لا يُحسم بالقرارات الإدارية».
وتابع قائلاً: «الفنان حين ينتقد، فإنه يفعل ذلك بدافع الغيرة على الثقافة، لا رغبة في الصدام. لكن المؤسف أن النقد في العراق يُستقبل كتهديد لا كفرصة للإصلاح». وتابع الساعدي حديثه بالقول: «ما يحتاجه المشهد الثقافي اليوم هو مساحة من الاحترام المتبادل، فالثقافة لا تُدار بالعصا، ولا تُصان إلا بحرية الرأي والتعبير».
«حين يُهان الصوت، تُهان الحرية». بهذه العبارة استهل الفنان المسرحي محمد العامري حديثه تعليقاً على ما تعرض له نقيب الفنانين العراقيين جبار جودي من اعتداء وتجاوز من قبل بعض ممثلي وزارة الثقافة والسياحة والآثار خلال اجتماع داخل مجلس النواب، في حادثة أثارت موجة استنكار واسعة في الأوساط الثقافية والفنية.
يصف العامري ما جرى بأنه «صفعة على وجه الحرية»، مؤكداً أن الحادث ليس مجرد خلاف عابر في مشهد سياسي مرتبك، بل مؤشِّر خطير على تراجع مساحة التعبير عن الرأي التي كفلها الدستور العراقي في مادته (38)، والتي نصت بوضوح على أن الدولة تكفل حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، بما لا يخل بالنظام العام والآداب. ويتساءل العامري بمرارة: «أين هي كفالة الدولة اليوم؟ وأين هو احترام الدستور؟» ويرى أن ما دفع الدكتور جودي إلى الحديث والمواجهة لم يكن موقعه كنقيب فحسب، بل إيمانه بدور الفنان كآخر قلاع الصدق في وطن تاهت فيه الأصوات الحرة وسط دهاليز السياسة ومصالح المنتفعين.
ويضيف العامري أن جودي تحدث باسم الفن لا باسم المنصب، وباسم الكرامة لا باسم الامتياز، لأنه يؤمن بأن الكلمة الشجاعة هي سلاح الفنان الحقيقي في مواجهة القمع والفساد. «الشجاع يموت مرة، والجبان يموت ألف مرة»، يقول العامري، مشيراً إلى أن التاريخ لا يخلد أسماء الجبناء، بل أولئك الذين اختاروا الوقوف إلى جانب الحقيقة مهما كان الثمن. وتابع حديثه «من يعتدي على الفنان يعتدي على العراق كله، ومن يسكت على الظلم فهو شريك فيه».
وقال رئيس لجنة الخدمات، علي الحميداوي، وهو نائب سابق في لجنة الثقافة والسياحة والآثار، إنهم في الدورة البرلمانية السابقة كانوا أربعة نواب فقط ضمن لجنة الثقافة، وكان عمل اللجنة واضحاً ومؤثراً، مشيراً إلى وجود قانون مهم عملت عليه اللجنة وهو قانون «سامراء عاصمة الحضارة الإسلامية».
وأضاف الحميداوي لـ»المدى»، أن «عمل اللجنة آنذاك كان محل إشادة من أغلب المعنيين في القطاعات الثقافية والفنية والسياحية، مبيناً أنهم كانوا حاضرين في مختلف الملفات، من بينها قضية إدراج بابل ضمن قائمة التراث العالمي، حيث قدموا الدعم والإسناد اللازمين لوزارة الثقافة في جهودها للتواصل مع منظمة اليونسكو». وأوضح الحميداوي: «لا نستطيع أن نبخس اللجنة دورها، فقد كان لها حضور ومتابعة واضحة».
وتابع حديثه بالقول إن نقابة الفنانين تحتاج اليوم إلى دعم وإسناد كبيرين للنهوض بالحراك الفني الذي يقدم على مستوى الدراما وبقية الفنون الأخرى، مضيفاً: «واقعًا، لم نلحظ أي دعم حكومي يتناسب مع قيمة الإبداع الذي نشاهده في كثير من الأعمال الدرامية». وتابع الحميداوي حديثه بالتأكيد على أن «كلما تكاتفنا كمؤسسات تشريعية مع النقابات الأخرى في مختلف القطاعات، كان ذلك نجاحاً للجميع».
ويُذكر أن جبار جودي سبق أن أثار جدلاً واسعاً في عام 202٢، حين شنت ضده لجنة تحقيقية من وزارة الثقافة بعد هجومه اللاذع على رؤساء الحكومات العراقية ووزيري الثقافة والتعليم العالي، متهماً إياهم بـ»الكذب وعدم دعم الفن»، وناقداً صرف الأموال على فعاليات وصفها بـ»التافهة» بينما تُركت المهرجانات السينمائية بلا تمويل كافٍ. هذا الحادث يعكس استمرارية التوتر بين النقابة ومؤسسات الدولة على مدى السنوات الماضية.
من الجدل الإداري إلى المواجهة العلنية: أزمة جديدة بين المثقف والسياسي!

نشر في: 27 أكتوبر, 2025: 12:38 ص









