السليمانية / سوزان طاهر
تشهد معدلات الزواج في إقليم كردستان تراجعاً ملحوظاً، متأثرة بالأزمة المالية وارتفاع أسعار الذهب، الذي يعد جزءاً أساسياً من تقاليد المهر في المجتمع الكردي.
وتنتشر ظاهرة العزوبة في كردستان بشكل متزايد في الآونة الأخيرة، كما تزداد أسبابها يوماً بعد آخر، فمن غلاء المهر إلى ارتفاع البطالة تشكلت حواجز تمنع الزواج، وتزيد من نسبة العزوف.
كما أن ارتفاع تكاليف ومتطلبات الزواج وعدم مراعاة أهالي الفتيات ظروف الشباب والبحث عن المظاهر الباذخة، مع تجاهل كيفية تأمين الشباب هذه المطالب، يشكل سبباً آخر لارتفاع نسب العزوبة، وبالتالي زيادة عدد المنتظرات للزواج.
ويُجمع الرأي العام على أن العامل الاقتصادي والضغوط المالية التي يتعرض لها الشباب بسبب البطالة أو قلة الأجور في الإقليم، هي الأسباب الرئيسية وراء العزوف عن الزواج، وهو ما يعكسه توافق الرأي بين الذكور والإناث في هذا السياق.
ويأتي هذا في وقت تشير الإحصائيات الحكومية إلى أن نسبة المتزوجين في العراق 54.01 % والعزاب 41.6 %.
الأسباب الاقتصادية
وبهذا الصدد يؤكد الباحث في الشأن الاجتماعي سيروان كمال أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي مر بها الإقليم خلال السنوات الماضية، جعلت الشباب لا يتحمسون لفكرة الزواج.
ولفت خلال حديثه لـ "المدى" إلى أنه "بحسب عدة مراكز بحوث وإحصائيات رسمية فإن إحصائية الزواج تراجعت إلى ما نسبته 20% عن الأعوام، ولأسباب مختلفة، أهمها العامل الاقتصادي، وارتفاع سعر الذهب". وأضاف أن "سعر مثقال الذهب وصل إلى مليون دينار، وأغلب طلبات العوائل الكردية كثيرة، قياساً بالمناطق الأخرى من العراق، حيث تطلب بعض العوائل مهوراً تصل إلى نصف كيلو ذهب، وهذه المغالاة، زادت من نسبة العزوف عن الزواج".
طلبات العوائل
من جانب آخر ترى المحامية والناشطة هيلين عمر أن طلبات العوائل الكردية الكبيرة، زادت من معدلات العزوف عن الزواج، فضلاً عن تفكير الشباب بالهجرة، يؤدي إلى عدم رغبتهم بالزواج في الوقت الحالي. وأوضحت خلال حديثها لـ "المدى" أن "الظروف الاقتصادية، وارتفاع سعر الذهب، والطلبات الكبيرة للعوائل الكردية، وعدم وجود فرص عمل، وغياب التعيينات الحكومية، أدى إلى انخفاض معدلات الزواج، خلال العامين الأخيرين بنسبة كبيرة".
وأشارت إلى أن "أغلب الشباب الكرد في الوقت الحالي يفكرون بالهجرة إلى أوروبا، ويعتبرون ذلك حلماً بالنسبة لهم، لأنه يريد تعديل أوضاعه المالية، ورسم مستقبله، قبل الارتباط، وتكوين عائلة، والظروف الاجتماعية والاقتصادية لا تخدمه". وبينت أن "هناك عوامل أخرى أهمها الخيانة الزوجية وعدم التفاهم، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية، والمهر الذي تحتاجه النساء إضافةً إلى تكاليف الملابس، تجعل الشاب غير قادر على تلبية هذه المتطلبات، مما يضعف إمكانية الزواج". تعود جذور الأزمة المالية في الإقليم إلى الخلاف المزمن حول آلية توزيع الثروات والتزامات الطرفين، إذ تتمسك الحكومة الاتحادية في بغداد، بموقفها الذي يربط تحويل الأموال إلى الإقليم بتسليم كامل إيرادات النفط من حقول الإقليم، فضلاً عن الجباية، والجمارك، والضرائب المحلية، باعتبارها من موارد الدولة السيادية التي يجب أن تدخل ضمن حسابات وزارة المالية.
ورغم اتفاق النفط التاريخي الأخير بين بغداد وأربيل، والذي سمح باستئناف تصدير نفط الإقليم عبر ميناء جيهان التركي، لكن أزمة الرواتب ما تزال متواصلة، حيث تشهد تأخيراً شهرياً، يضاعف من الأزمة الاقتصادية للمواطن الكردي. وبموجب قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنوات 2023–2025، خُصص لإقليم كردستان نسبة 12.67% من إجمالي الإنفاق العام، مقابل التزامه بتسليم 400 ألف برميل نفط يومياً إلى شركة التسويق الوطنية "سومو" فضلاً عن تحويل الإيرادات غير النفطية، والتي تشمل الضرائب والجباية والرسوم الجمركية المحلية. والزواج في كردستان يحمل طابعاً ثقافياً واجتماعياً متجذراً، حيث يُعد الذهب عنصراً أساسياً في المهر، ليس فقط كرمز للمكانة الاجتماعية، بل أيضاً كضمان اقتصادي للعروس.
قلة أجور العمل
وفي الأثناء قال عدد من الشباب في السليمانية إن الأزمة الاقتصادية، وإيقاف التعيينات من قبل حكومة الإقليم، أدى إلى عزوفهم عن الزواج. سالار أحمد ذكر في حديثه لـ "المدى" أن ارتفاع سعر الذهب، والمغالاة في مهور الزواج من قبل بعض العوائل، وخاصة في المناطق الريفية، أدى إلى هذا العزوف الكبير عن الزواج، وخاصة خلال العام الحالي. وشدد على أن "أجور العمال في القطاع الخاص منخفضة جداً، ولا تناسب وضع المواطن والتزاماته، يصاحبها قلة فرص العمل، وانعدامها في عدد من المناطق، وهذا ما تسبب بالعزوف".










