TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كنز العراق الضائع

كنز العراق الضائع

نشر في: 28 أكتوبر, 2025: 12:02 ص

محمد الربيعي

في مختبرات أرقى الجامعات العالمية، وفي مراكز الأبحاث التكنولوجية والطبية المتطورة، تقف عقول عراقية عظيمة وراء بعض من أعظم الإنجازات العلمية في عصرنا. إنهم رجال ونساء حملوا معهم إرث بلد كان يوماً منارة للعلم والمعرفة، ليصبحوا سفراء حقيقيين للعراق، ليس بالكلام، بل بالإبداع والابتكار. لكن وراء هذه القصص الناجحة، تكمن مأساة مريرة: مأساة التهميش والإهمال من الداخل، وإهمال مواهب كان من الممكن أن تنتشل البلاد من واقعها الصعب.
هؤلاء العلماء، الذين يشكلون ثروة وطنية حقيقية، يبدو أنهم تحولوا إلى "صادرات فكرية" يستفيد منها العالم المتقدم، بينما ترفض الجهات المعنية في بلدهم الأم حتى الإصغاء إليهم. إنه سيناريو مأساوي يتكرر يومياً: عقل عراقي يخترق المستحيل في الغرب، بينما تُرمى أبحاثه ومشاريعه ومقترحاته التي يقدمها للجهات المختصة في العراق في "سلال المهملات"، ليس بسبب عدم جدواها، بل بسبب البيروقراطية القاتلة، والفساد، أو ببساطة بسبب غياب الرؤية.
من هؤلاء الأفذاذ؟ أسماء تضيء ساحات العلم العالمية لنذكر بعض الأسماء التي أشرتُ إليها، بالطبع ليس حصراً، ولكن للتدليل على حجم الكنز المهدر من علماء لهم دور مهم بداخل العراق وأسماؤهم محفورة في سجل شبكة العلماء العراقيين في الخارج "نيسا" Members – Network of Iraqi Scientists Abroad (NISA) أذكر منهم، حكمت جميل: رائد الطب المهني والبيئة في جامعة ولاية ميشغان وحامد الرويشدي: البروفسور في هندسة الاتصالات في جامعة برونيل وجميل الخليلي: بروفسور الفيزياء في جامعة سري والمبشر لإعلام "إشراك الجمهور في العلوم" ومثنى الدهان: البروفسور في الهندسة الكيميائية والنووية في جامعة ميزوري للعلوم والتكنولوجيا ورياض المهيدي: البروفسور في الهندسة الإنشائية في جامعة سوينبورن الأسترالية ورمزي محمود : البروفسور في الهندسة البيئية وإدارة المياه في جامعة كاليفورنيا وعباس علي: البروفسور في الإدارة في جامعة إنديانا وحيدر الشكري: البروفسور في الجيوفيزياء والزلازل في جامعة أركنساس وكاظم اللامي: مكتشف الشبكية القلبية "Arteriozobe" وصباح جاسم: البروفسور في الرياضيات والحوسبة في جامعة باكينغهام وخضر وني حلو: البروفسور في التنوع البيولوجي النباتي في جامعة ولاية فرجينيا وعادل شريف: بروفسور هندسة المياه في جامعة سري ولؤي محمد: البروفسور في الهندسة البيئية والمدنية في جامعة ولاية لويزيانا ونوفل الظاهر: البروفسور في الهندسة الكهربائية في جامعة تكساس وسندس البدري: بروفسورة طب وجراحة أسنان الأطفال في جامعة ليفربول وبشير الهاشمي: بروفسور هندسة الحاسوب في جامعة لندن وضياء الجميلي: بروفسور الذكاء الاصطناعي في جامعة ليفربول جون مورز ورافد الخضار: بروفسور المياه في جامعة ليفربول جون مورز وحسين الريزو: بروفسور هندسة الأنظمة في جامعة أركنساس ومصطفى الشاوي: بروفسور الإدارة في جامعة سالفورد ومحمد الشيخلي: بروفسور العلوم النووية والإشعاع في جامعة مريلاند ومحمد الأزري: بروفسور الطب النفسي في جامعة ليستر وحسين بهية: بروفسور هندسة المواد في جامعة ويسكونسن وعبير حسين: بروفسورة علوم الحاسوب في جامعة ليفربول جون مورز ومنيرة كاظم: بروفسورة بيولوجية الأشعة في جامعة أوكسفورد بروكس وإحسان اللامي: بروفسور الحاسوب والذكاء الاصطناعي في جامعة باكينغهام وأسامة كريم: بروفسور الهندسة المدنية والبناء في جامعة تونته وحنان مهدي: بروفسورة الجيولوجيا في جامعة أركنساس وعباس مهدي: بروفسور الإدارة والمصادر البشرية في جامعة سانت كلاود وصباح مشتت: بروفسور هندسة العمارة في جامعة ولفرهامبتن وكمال رشيد: بروفسور العلوم البيوصيدلانية في كلية ألباني للصيدلة والعلوم الصحية وفراس رسول: بروفسور الهندسة البيولوجية في جامعة كوينزلاند وحيدر رضا: بروفسور الهندسة الكهربائية والحوسبة في جامعة ولاية ميشيغان وسلوى السام: بروفسورة علوم الأحياء الدقيقة في جامعة إسيكس وبروفسور نادر أحمد مخترع ومبتكر لعدة أجهزة باستخدام تقنية الأغشية الرقيقة المتقدمة وتكنولوجيا النانو.
هؤلاء مجرد أمثلة على "كنز العقول" العراقية التي لا تقدر بثمن. كل واحد منهم يمثل جامعة متكاملة، ومركز أبحاث، وحلماً لمشروع وطني يمكن أن يغير واقعاً.
لماذا هذا الإهمال؟ سؤال يبحث عن إجابة. التساؤل الذي يفرض نفسه بقوة: لماذا يحدث كل هذا؟ لماذا ترفض الدولة استقبال هذه الكفاءات والاستفادة منها؟ قد يكون الفساد الإداري والبيروقراطية وغياب الرؤية الاستراتيجية والانشغال بالصراعات السياسية وقد يكون استقدام كفاءات خارجية محايدة ومستقلة بمثابة صدمة للنظام القائم، الذي يقاوم أي تغيير قد يقلب موازين القوى. قد تكون كل هذه العوامل أسباباً للإهمال.
الحديث عن هؤلاء العلماء ليس للتباكي على الماضي، بل هو دعوة للعمل. هؤلاء ليسوا مجرد مهاجرين غادروا البلاد، بل هم ضحايا لظروف قاسية، وكل منهم يحمل في قلبه حباً عميقاً للعراق وشوقاً حقيقياً للإسهام في بنائه. كثيرون منهم حاولوا مراراً وتكراراً، ولكنهم اصطدموا بجدار من اللامبالاة.
إن الاستفادة من هذه الكفاءات لا تحتاج إلى ميزانيات ضخمة، بل تحتاج إلى:
- إرادة سياسية حقيقية تضع ملف العلماء في الخارج على رأس أولوياتها.
- إنشاء هيئة أو مجلس وطني خاص برئاسة شخصية وطنية مرموقة، للتواصل المباشر مع العلماء العراقيين في الخارج وتسهيل عودتهم أو مشاركتهم عن بعد.
- شراكات استراتيجية بين الجامعات العراقية ونظرائها العالمية التي يعمل فيها هؤلاء العلماء.
- برامج زمالة وإشراف لطلبة الدراسات العليا العراقيين تحت إشراف هذه الكفاءات.
- تسهيل الإجراءات وتقديم التقدير المعنوي والمادي اللائق.
العراق أمام فرصة تاريخية. إنه يمتلك ثروة بشرية هي الأغلى في العالم، ثروة قادرة على صنع المعجزات. كل ما هو مطلوب هو أن نمد أيدينا بصدق وإخلاص لهؤلاء الأفذاذ، ونقول لهم: نريدكم، بلدكم يحتاجكم. إن الأوان لوقف نزيف العقول، واستعادة بعض من نور كان يوماً نبراساً للحضارة الإنسانية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram