متابعة / المدى
أظهر تقرير لمجلة «CEOWORLD» الأميركية أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في العراق لعام 2026 بلغ نحو 5873 دولاراً، ليحتل المرتبة الثامنة عربياً والـ116 عالمياً، فيما يرى خبراء أن هذا التحسن الرقمي لا يعكس واقع المعيشة ولا يشير إلى تنمية اقتصادية حقيقية.
وأكد الخبير في الشؤون الاقتصادية ناصر الكناني أن التصنيف يمثل تقدماً رقمياً، لكنه لا يعبّر عن تحسّن ملموس في حياة المواطنين، موضحاً أن الاقتصاد العراقي ما زال يعتمد بنسبة تتجاوز 90% على العائدات النفطية، ما يجعله عرضة لتقلبات الأسواق العالمية من دون امتلاكه أدوات الحماية الكافية.
وتُظهر بيانات وزارة المالية أن أكثر من ثلثي الموازنة العامة يُوجَّه للإنفاق التشغيلي، في حين تبقى الموازنات الاستثمارية محدودة التأثير. ويقدَّر عدد العاملين في مؤسسات الدولة بأكثر من ستة ملايين موظف، أي ما يعادل نحو سُبع السكان، ما جعل الدولة الممول الرئيسي للدخل بدل أن يكون القطاع الخاص شريكاً في الإنتاج.
هذه البنية المالية، بحسب المختصين، خلقت نموذجاً اقتصادياً قائماً على الإنفاق لا الإنتاج، وعلى الريع لا الاستثمار، ما أدى إلى بطء النمو الحقيقي وتراجع دور القطاعات الإنتاجية إلى أقل من 7% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأشار الكناني إلى أن التحسن في التصنيف الدولي ناجم أساساً عن ارتفاع أسعار النفط، مؤكداً أن العراق يعيش منذ سنوات حالة نمو رقمي من دون تنمية حقيقية.
وفي المقارنة الإقليمية، جاءت ليبيا في المرتبة السادسة عربياً بمتوسط 6972 دولاراً للفرد، تلتها الجزائر في المركز السابع بـ5956 دولاراً، ثم العراق في المركز الثامن. أما الدول الأربع الأولى - قطر والإمارات والسعودية والكويت - فحافظت على تفوقها بفضل سياسات التنويع الاقتصادي والاستثمارات في قطاعات الصناعة والطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية.
وتُظهر المقارنة فجوة واضحة بين العراق وجيرانه، إذ تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء إلى أن نسبة الفقر في البلاد تتجاوز 22%، فيما تصل بطالة الشباب إلى أكثر من 30%، رغم ارتفاع حجم الموازنة العامة وزيادة الإيرادات النفطية.
كما لم تشهد الخدمات الأساسية - مثل الكهرباء والتعليم والصحة - تحسناً يتناسب مع زيادة الإنفاق الحكومي. ويرى مختصون أن الزيادة في الناتج المحلي تبقى محدودة الجدوى ما لم تنعكس على مستوى معيشة المواطنين والخدمات العامة، مؤكدين أن «العبرة ليست بارتفاع الأرقام بل بقدرة الدولة على تحويلها إلى نتائج ملموسة».
وتعتبر المؤسسات المالية الدولية أن لدى العراق فرصة حقيقية لإعادة بناء اقتصاده إذا استثمر فوائض النفط في تنويع مصادر الدخل الوطني وتوسيع القاعدة الإنتاجية في مجالات الزراعة والصناعة والخدمات. لكن هذه الخطط تتطلب استقراراً تشريعياً وإصلاحاً إدارياً يقلل من الهدر المالي ويحد من تغيّر السياسات الاقتصادية مع كل دورة حكومية جديدة.
ويؤكد الكناني أن الاستقرار المؤسسي شرط أساسي لأي تحسن طويل الأمد، مشيراً إلى أن تغيّر الأولويات الحكومية المتكرر يؤخر الإصلاحات الضرورية. وتشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن العراق قد يحقق نمواً سنوياً بين 3.5% و4.2% خلال الأعوام الثلاثة المقبلة إذا بقيت أسعار النفط فوق 75 دولاراً للبرميل، لكن هذا النمو يبقى هشّاً في غياب إصلاحات مالية وهيكلية تقلل من الاعتماد على النفط وتعزز الاستثمار في القطاعات المنتجة.
ويرى خبراء أن أمام العراق خيارين متناقضين: إما استثمار الفوائض النفطية في صندوق تنموي دائم على غرار تجارب دول الخليج، أو مواجهة دورة جديدة من العجز والاقتراض إذا تراجعت الأسعار. وتشير تقديرات التنمية الدولية إلى إمكانية رفع متوسط دخل الفرد إلى 8 آلاف دولار سنوياً بحلول 2028 في حال تبنّت الحكومة سياسات تنويع فعالة واستقراراً في البيئة التشريعية.
ويبقى موقع العراق في القوائم الدولية رهين قراراته الداخلية أكثر من ارتباطه بأسعار النفط، إذ إن الثروة وحدها لا تصنع الرفاه، فيما تظل الإدارة الرشيدة العامل الحاسم في تحويل الأرقام إلى واقع اقتصادي مزدهر.
العراق في المرتبة الثامنة عربياً بثروة فردية تبلغ 5873 دولاراً

نشر في: 28 أكتوبر, 2025: 12:08 ص









