بابلو لو شابلييه
ترجمة: المدى
لا ينبغي أن يكون القانون الدولي مجرد بوصلة أخلاقية، بل إطارًا عمليًا حقيقيًا للعلاقات الدولية، إذ تحدد اتفاقية مونتيفيديو أربعة معايير لقيام الدولة: وجود سكان دائمين، وإقليم محدد، وحكومة فاعلة، والقدرة على الانخراط في علاقات دولية. ومن بين هذه المعايير الأربعة، لا تستوفي فلسطين سوى اثنين منها؛ فهي تمتلك سكانًا ومؤسسات إدارية (السلطة الفلسطينية)، بالإضافة إلى وجود دبلوماسي واسع النطاق، وإن كان غير رسمي. ومع ذلك، فهي لا تسيطر على حدودها ولا على جماركها، ولا تملك أي سيادة على مواردها المائية أو الطاقة. لقد أنشأت اتفاقيتا أوسلو الأولى والثانية، إلى جانب بروتوكول باريس، اتحادًا جمركيًا غير متكافئ، حيث تجمع إسرائيل عائدات الضرائب الفلسطينية وتحولها وفقًا لتقديرها، مما يؤدي إلى أزمات مالية متكررة.
ولبناء سيادة حقيقية وتجاوز هذا الإطار البالي، يوصي الاقتصاديان آري رايش وغاي هارباز باستبدال الاتحاد الجمركي الحالي باتفاقية تجارة حرة غير متكافئة تمنح فلسطين السيطرة على سياستها التجارية الخاصة. ويمكن لأوروبا دعم هذا التحول من خلال المساعدة في إنشاء إدارة جمركية مستقلة، وتسهيل ممرات التجارة مع الأردن ومصر، وتأمين الاستثمار الخاص من خلال ضمانات عامة. إلا أن السيادة الاقتصادية وحدها لا تكفي، بل يجب أن تصاحبها استعادة الشرعية المؤسسية. وتعاني السلطة الفلسطينية من نقص في الكفاءة وضعف ثقة الجمهور، بينما تستمد حماس شرعيتها من المقاومة المسلحة. لذا، يعد تشكيل حكومة وحدة وطنية أمرًا أساسيًا؛ إذ سيساعد على استعادة صوت سياسي موحد وتمكين المفاوضات على أساس متماسك. على سبيل المثال، اقترح الباحث القانوني عمر الدجاني إنشاء إدارة دولية انتقالية للإشراف على هذه المرحلة، وضمان انتقال تدريجي نحو السيادة. وعلى الرغم من تعقيد هذه البنية، إلا أنها ستتجنب مخاطر الوصاية الأجنبية مع ضمان استقرار ومصداقية الدولة الفلسطينية المستقبلية.
وتخضع الديناميكية الإقليمية لإعادة هيكلة حذرة. ولا تزال مصر، الشريك التاريخي في مفاوضات السلام، محورًا دبلوماسيًا رئيسيًا، فقد وضعت القاهرة عدة خطوط حمراء، منها رفض أي تهجير قسري للفلسطينيين نحو سيناء، وإدانة ما وصفته بـ"أعمال الإبادة الجماعية"، مع لعب دور محوري في جهود الوساطة عبر معبري رفح وكرم أبو سالم.
في أيلول 2025، ذهب الرئيس السيسي إلى أبعد من ذلك، ملمحًا إلى أن مصر قد تعيد النظر في اتفاقيات كامب ديفيد، مع استمرار العمليات الإسرائيلية. أما الأردن، وأكثر من نصف سكانه من أصل فلسطيني، فقد استدعى سفيره بالفعل في عام 2023، ولا يزال من أكثر الدول العربية صراحة ضد الانتهاكات الإسرائيلية.
وفي ما يخص قطر، التي استهدفتها غارات جوية إسرائيلية في الدوحة في 9 أيلول 2025، فلا تزال تحافظ على دورها كوسيط رئيسي بين حماس وإسرائيل وواشنطن. وفي الخليج، صعدت الإمارات العربية المتحدة، الموقعة على اتفاقيات إبراهيم لعام 2020، من لهجتها في الأمم المتحدة، محذرة من أن أي ضم في الضفة الغربية "سيعرض التطبيع للخطر". ومن جانبها، تواصل المملكة العربية السعودية ملاحقة أجندة تتمحور حول الضمانات الأميركية في مجال الدفاع والتعاون النووي المدني، والتي انفصلت الآن عن التطبيع الفوري مع إسرائيل، في حين لا تزال تربط أي انفتاح دبلوماسي بالتقدم فيما يتصل بالقضية الفلسطينية. ولا تشير هذه التحولات إلى قطيعة، بل إلى إعادة توازن في ديناميكيات القوة الإقليمية، حيث يسعى كل طرف فاعل إلى الاستفادة من الاعتراف الدولي بفلسطين لتعزيز شرعيته الإقليمية.
ولأن نحو 70% من الفلسطينيين دون سن الثلاثين، فإن هذا الجيل، الذي شكلته الحرب والحرمان والإذلال، يمثل ثروة كامنة ونقطة ضعف خطيرة. فبعد حرمانهم من الآفاق السياسية والاقتصادية، قد يصبحون هدفًا سهلًا للروايات المتطرفة. ومع ذلك، إذا ما تم توجيههم نحو التعليم والصحة النفسية والتنقل الدولي، فقد يصبحون جوهر عملية إعادة إعمار مستدامة.
وتمتلك فرنسا والاتحاد الأوروبي أدوات قوية مثل برامج المنح الدراسية، وشراكات الشهادات المزدوجة، وشبكات المدن، والتعاون الأكاديمي والثقافي. وهذه السياسات، التي غالبًا ما تعتبر إنسانية بطبيعتها، هي في الواقع أدوات استراتيجية، فهي تساعد على بناء الاستقرار الاجتماعي وتمهد الطريق لحكم محلي مستقبلي قادر على تجسيد السيادة المعترف بها. بناء على المبادرات السابقة، يمكن لأوروبا تحويل هذا الاعتراف السياسي إلى أداة هيكلية تنظم حول خمس ركائز متكاملة.
من الناحية القانونية، قد يشمل ذلك تضمين إشارات إلى اتفاقية مونتيفيديو وإلى تسمية "الفصل العنصري" ضمن الأدوات الدبلوماسية الأوروبية، لتوفير أساس واضح لاعتماد عقوبات متدرجة. ومن الناحية الاقتصادية، يمكن للاتحاد الأوروبي الشروع في انسحاب تدريجي من بروتوكول باريس والعمل على إبرام اتفاقية تجارة حرة غير متكافئة بين فلسطين والاتحاد الأوروبي. أما مؤسسيًا، فيمكن للاتحاد الأوروبي دعم تشكيل حكومة وحدة وطنية وإنشاء إدارة انتقالية تحت إشراف دولي.
ومن الناحية الأمنية، يتمثل الهدف في ضمان تسلسل واضح يشمل إطلاق سراح الرهائن، ووقف إطلاق النار، ووصول المساعدات الإنسانية، وتجميد بناء المستوطنات، وكل ذلك تحت رقابة دولية. أما دبلوماسيًا، فيمكن لأوروبا اعتماد إطار مشروط يشمل إمكانية تتبع المنتجات، واستبعاد سلع المستوطنات، وفرض عقوبات محددة، وتعليقات انتقائية في حالات الانتهاكات الجسيمة.
في هذا الإطار، تسير فرنسا على خط فاصل؛ فاعترافها يمكنها من إعادة تموضعها في قلب الجهود الدبلوماسية للأمم المتحدة، لكنه يعرضها أيضًا لانقسام داخلي حاد. وهكذا، يصبح وضوح الخطاب السياسي بنفس أهمية الدبلوماسية نفسها، لشرح المعايير الدولية، والتمييز بين انتقاد دولة وكراهية شعب، والتذكير بأن الاستقرار في بلاد الشام مصلحة استراتيجية لأوروبا جمعاء، ولفرنسا تحديدًا.
وما يتكشف اليوم يتجاوز فلسطين بكثير؛ فلم يعد الاعتراف مجرد بادرة أخلاقية، بل أصبح اختبارًا لمصداقية النظام الدولي. فهو يعيد ترتيب الأولويات، ويعيد رسم التحالفات، ويجبر القوى الكبرى على الاختيار بين خطاب القانون وواقع سياسات القوة. وإذا استطاعت أوروبا وفرنسا توجيه هذا الزخم نحو استراتيجية متماسكة، فقد يصبح حل الدولتين عمليًا من جديد. وقد تتطور السوق الأوروبية الموحدة، التي غالبًا ما ينظر إليها كأداة اقتصادية فحسب، إلى أداة جيوسياسية. وبربط فوائدها باحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي، فإنها تفرض منطق التوازن. لذا، لا ينبغي اعتبار الاعتراف بدولة فلسطين غاية، بل بداية؛ بداية بناء سيادة، وتعزيز دولة، وإعادة بناء نظام دولي قائم على القانون والكرامة الإنسانية. وكما قال الفقيه التونسي عياض بن عاشور ذات مرة: "القانون ليس مجرد أداة؛ إنه الصوت الذي تسعى البشرية من خلاله إلى الخلاص من المعاناة". إن الاعتراف بفلسطين، إذا اقترن بعمل ملموس، يمكن أن يعيد أخيرًا معنى ذلك الصوت.










