طالب عبد العزيز
يمكننا تشبيه قضية الحكم الذي أسنده الأمريكان إلى الشيعة بعد العام 2003 و(احتفالهم) به، بمضمون القرار ذي الرقم 150 لسنة 1987 الذي اتخذه نظام صدام حسين، والذي قضى بموجبه تحويل العمّال إلى موظفين و(احتفالهم) به، لأنّ كلا القضيتين سرقة علنية واضحة، تمّ طلاؤها بشكلٍ من الأشكال، إذْ لم تنتفع القطاعاتُ الشيعية العريضة بنظام الحكم الجديد، ولم ينتفع العمّال العراقيون بالقرار ذاك.
ومعلوم أنّ القرار سيّئ الصيت انبنى على كذبةٍ ابتدَعها النظام، مفادها أنّ فئة العمّال إنما يقعون في أسفل سلّم الطبقات الاجتماعية في العراق، وهي مرتبة دونية، حيث كان القول في الطبقة هذه، من وجهة نظر اجتماعية وسياسية بعثية تحديدًا، يحطُّ من قيمتهم في المجتمع، بالقياس إلى طبقة كبار أو صغار الموظفين، لذا فالقرار يزيل الفوارق، ويساوي بين الطبقتين، ويثلج صدور زوجات العمّال، لكنه في الواقع صادر أموالَ صناديق الضمان الاجتماعي المستقطعة من أجور العمّال منذ تأسيس قانون التقاعد والضمان الاجتماعي.
وفضلاً عن ذلك، فإنّه جاء للنيل من الطبقة العاملة وتاريخها النضالي الطويل، ثم كان الضربة القاسية التي تلقّاها الحزب الشيوعي العراقي بعد حملة الاعتقالات التي طالت أعضاءه في العام 1978.
ولعلّ السؤال التقليدي الذي يمكن أن يسأله أيُّ عاقلٍ في العراق اليوم: تُرى، ما انتفاع الشيعة من نظام الحكم الجديد بعد عقدين ونصف؟
ستأتي الإجابة الموجعة: لا شيء!
فطبقة فقرائهم ازدادت فقرًا، ويشهد على ذلك جيش الأطفال والنساء الذين يبحثون في النفايات عن قوت يومهم، ولم يسلم شبابهم وشيوخهم من القتل؛ فقد اقتتلوا فيما بينهم ذات يوم، وما زالوا يتقاتلون عشائريًا، وزُجّوا في حروب الطوائف اللعينة، فترمّلت نساؤهم، وتيتم أطفالهم، أمّا السعيد، السعيد بينهم، فمن حصل على وظيفة عاملٍ في البلدية، أو جندي، أو شرطي، أو حارسٍ في مدرسة.
هذه الطبقة التي وقع عليها الحيف وسُرقت من حيث لا تعلم، هي ذاتها التي تعرّضت للسرقة على أيدي النظام السابق، لكن تمّ تغطيتها بغطاءٍ سميكٍ أسود، عنوانه (الحقُّ الشيعيّ في الحكم)، لكن باشتراط البكاء واللطم وشجّ الرأس والدموع وزيارة الأضرحة… هذا (الحقّ) الذي تمّ تسويغه على فقراء الشيعة لا يختلف عن (الحقّ) الذي تمّ بموجبه تحويل طبقة العمّال إلى موظفين.
كان أعضاءُ قيادات حزب البعث من الشيعة قد هلّلوا وصفّقوا للقرار ذاك أيضًا، وبكل وضوحٍ أنّهم ثقفوا بأهميته، ووصفوه بأنّه القرار الصائب الذي يخلّص الطبقة العاملة – جلّهم من الشيعة – من وصمة (العار الطبقي) التي لحقت بهم طويلًا.
وبمثل هذه الادّعاءات عمل رجال الدين من المشايخ والمحدّثين والخطباء على تسويق الكذبة الكبرى التي تقول بأنّ على الشيعي أن يفرح بما منَّ الله والنبي والأولياء عليه، ويسرّ بذلك لأنّه تخلّص من وصمة عار (الفلاح، والتابع الأبدي، والمستثنى من الحكم) التي وُصمَ بها دُهورًا طويلة.
فهذه دولة أمير المؤمنين علي، دولة العدل الإلهي، التي وُعِدنا بها، وعلينا أن نتمسّك بها مهما كان ويكون، وأصابنا من فقرٍ وسوء أحوال، وما جملة (أنت فقيرٌ في الدنيا؛ هذا لا يهمّ) بأقلّ فصاحةً من كل ما نقول ونكتب.










