المدى/خاص
أعلنت لجنة الخدمات النيابية، الأربعاء، عن إغلاق نحو 70 موقعاً في العاصمة بغداد كانت تبث أدخنة سامة في الأجواء ضمن إجراءات تهدف إلى تقليص معدلات التلوث وتحسين الصحة العامة للمواطنين بعد سنوات من الانبعاثات الضارة التي أثرت على نوعية الهواء في العاصمة.
وتواجه بغداد ارتفاعاً ملحوظاً في مستويات الجسيمات الدقيقة والأدخنة السامة التي تتسبب بمشكلات صحية متزايدة بين السكان.
وقال عضو اللجنة النيابية باقر الساعدي في تصريح تابعته(المدى) إن معدلات التلوث في العاصمة شهدت ارتفاعاً مقلقاً خلال السنوات الأخيرة، ما استدعى اتخاذ سلسلة من الإجراءات العاجلة التي تضمنت إغلاق الورش والمعامل غير القانونية التي كانت تحرق النفايات بطرق تقليدية مخالفة للمعايير البيئية.
وأضاف أن اللجنة المركزية وبإشراف الأجهزة الأمنية تمكنت خلال الأشهر الماضية من إغلاق نحو 70 موقعاً من هذه المواقع، الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على نوعية الهواء، وأكد أن الجهود مستمرة لإغلاق جميع المواقع التي لا تلتزم بالسياقات البيئية الصحيحة، خصوصاً تلك التي تعتمد الحرق المباشر وتصدر أدخنة سوداء كثيفة، مشيراً إلى أن الإجراءات الأخيرة أسهمت بشكل واضح في استقرار الأجواء وتحسين البيئة العامة بعد سنوات طويلة من التلوث.
ومن جانبه، قال الخبير البيئي محمد الكبيسي في حديث لـ(المدى) إن إغلاق الورش والمعامل غير القانونية يشكل خطوة أولى مهمة نحو حماية صحة المواطنين لكنه ليس كافياً بمفرده، موضحاً أن الانبعاثات الصناعية والحرق المباشر للنفايات تعتبر أحد الأسباب الرئيسة لارتفاع معدلات الجسيمات الدقيقة في الجو والتي تؤثر على الجهاز التنفسي وتزيد من الأمراض المزمنة مثل الربو وأمراض القلب.
وأضاف الكبيسي أن حل مشكلة التلوث في بغداد يحتاج إلى استراتيجية شاملة تشمل تطوير بنية تحتية لإدارة النفايات، وتطبيق تشريعات صارمة على المصانع والورش، وتشجيع استخدام التقنيات النظيفة، إلى جانب حملات توعية عامة حول مخاطر الانبعاثات الهوائية وأهمية التقيد بالمعايير البيئية.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن العاصمة بغداد تشهد مستويات مرتفعة من التلوث منذ سنوات، نتيجة عوامل متعددة تشمل النشاط الصناعي المكثف، ووجود الورش الصغيرة غير المرخصة، واستخدام وقود منخفض الجودة في المواصلات، إضافة إلى حرق النفايات الصلبة والسائلة بشكل غير منظم.
وتوضح التقارير أن معدلات الجسيمات الدقيقة (PM2.5 وPM10) في هواء بغداد تجاوزت الحدود الصحية التي تحددها منظمة الصحة العالمية، ما يزيد من مخاطر التعرض لأمراض الجهاز التنفسي والقلب والشرايين. ويأتي هذا التلوث في ظل مناخ صحراوي حار وجاف غالباً، حيث تقل معدلات الرياح التي تساعد على تبديد الغازات الضارة، ما يؤدي إلى تراكمها في الأجواء، خصوصاً خلال فصلي الخريف والشتاء.
وتعد عملية الحرق المباشر للنفايات من أبرز المصادر الرئيسية للدخان الأسود في بغداد، حيث تقوم بعض الورش بحرق مخلفات البلاستيك والمطاط والمعادن، ما يؤدي إلى انبعاث غازات سامة وجسيمات دقيقة ضارة بالصحة والبيئة.
كما تلعب الورش والمعامل غير المرخصة دوراً محورياً في زيادة التلوث، خصوصاً تلك التي تستخدم معدات قديمة وممارسات تقليدية في التصنيع والحرق. بالإضافة إلى ذلك، يُعد المرور ووقود السيارات منخفض الجودة أحد المصادر المهمة لانبعاث أكاسيد النيتروجين والكربون والجسيمات الدقيقة، خاصة في مناطق الازدحام الشديد. كما تسهم عمليات البناء والهدم غير المنظم في زيادة الغبار وجسيمات التربة في الهواء، ما يفاقم مشكلة التلوث ويؤثر على نوعية الحياة اليومية.
وقد أطلقت الحكومة العراقية بالتعاون مع لجنة الخدمات النيابية عدداً من المبادرات لمواجهة هذه الظاهرة، تضمنت إغلاق الورش غير القانونية، وفرض معايير صارمة على تشغيل المصانع والورش القانونية تشمل نظام ترخيص بيئي دوري، ومراقبة جودة الوقود المستخدم في وسائل النقل العام والخاص، وتشجيع استخدام وسائل النقل النظيفة، إلى جانب تطوير برامج إدارة النفايات الصلبة والسائلة بطريقة صديقة للبيئة. وتشير التقديرات إلى أن تطبيق هذه الإجراءات بشكل مستدام يمكن أن يسهم في خفض مستويات التلوث بشكل ملحوظ خلال السنوات المقبلة، بشرط الالتزام الكامل بالقوانين واللوائح البيئية.
وتؤكد الدراسات البيئية والصحية أن ارتفاع مستويات التلوث يرتبط بشكل مباشر بزيادة معدلات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية، بالإضافة إلى أمراض القلب والأوعية الدموية، والمشكلات العصبية، وتأثيرات سلبية على الخصوبة والنمو عند الأطفال. كما تعتبر الجسيمات الدقيقة PM2.5 أخطر الملوثات لأنها صغيرة بما يكفي للوصول إلى الرئتين والدورة الدموية، ما يزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة.
وتجارب العديد من المدن العالمية، مثل بكين ومومباي وشمال الهند، أثبتت أن الإجراءات البيئية الصارمة، مثل إغلاق المصانع غير القانونية، وتطوير أنظمة إدارة النفايات، وتنقية الهواء، تؤدي إلى تحسن ملموس في نوعية الهواء وصحة السكان. ويؤكد الخبراء أن الحلول المستدامة تحتاج إلى دمج جهود الحكومة مع مشاركة المجتمع المدني وقطاع الأعمال لضمان التزام الجميع بالمعايير البيئية.
كما يلعب المجتمع المدني دوراً محورياً في مراقبة الانبعاثات وتنظيم حملات توعية للمواطنين حول مخاطر الحرق المباشر للنفايات، وتشجيع الفرز وإعادة التدوير. وتساهم المنظمات غير الحكومية في تدريب العمال وأصحاب الورش على تطبيق أساليب الإنتاج النظيف وتقليل الانبعاثات الضارة، وهو ما يعكس الحاجة إلى تعاون مستمر بين جميع الأطراف لتحقيق بيئة صحية ومستدامة.
ويظل التحدي الأكبر في بغداد هو تحقيق بيئة نظيفة وصحية، يتطلب تضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، إلى جانب الالتزام بالقوانين البيئية والتقنيات الحديثة لإدارة النفايات وتقليل الانبعاثات. وتظل الإجراءات الأخيرة بإغلاق نحو 70 موقعاً تبث دخاناً ساماً خطوة مهمة نحو تحسين نوعية الهواء، لكنها مجرد بداية لبرنامج طويل وشامل يهدف إلى حماية صحة العراقيين وضمان مستقبل بيئي مستدام للعاصمة، بما يشمل تطوير البنية التحتية، وضبط المصادر الصناعية والمرورية، ورفع الوعي المجتمعي حول أهمية الحفاظ على البيئة كحق أساسي من حقوق المواطنين.










