ذي قار/ حسين العامل
يحتفل ابناء طائفة الصابئة المندائيين يوم غد الجمعة بعيد (الدهفة حنينا)، اذ يحتفون بازدهار الأرض وتقييد عالم الشر بأداء طقوس التعميد وتقديم وجبات طقسية (اللوفاني) على ارواح المتوفين واقامة مأدبة افطار جماعية من التراث المندائي والفولكلور العراقي القديم.
وفي يوم (الدهفة حنينا) يأخذ الصابئة المندائيون ومنذ ساعات الصباح الاولى بالتوافد على مركز عبادتهم (المندي) وهم يرتدون ملابسهم الدينية البيضاء (الرسته) التي تتكون من خمس قطع هي (الكسويا – القميص) و(الشروال - السروال) و(البرزنقا- العمامة) و(النصيفة - الوشاح) و(الهميانة – الحزام) وهذه الأخيرة عبارة عن حزام من الصوف يتكون من 61 خيطا وهو أقدس جزء في الرسته.
وتقام في الـ (الدهفة حنينا) طقوس التعميد واداء الصلوات وعمل الثوابات (اللوفاني) على ارواح المتوفين فضلا عن مأدبة افطار جماعية لأبناء الطائفة وضيوفهم في مركز عبادة الصابئة المندائيين (المندي).
عن عيد الدهفة حنينا، يقول ممثل طائفة الصائبة المندائيين في ذي قار، سامر نعيم في حديث لـ(المدى)، إن "ابناء طائفة الصابئة المندائيين يحتفلون يوم الجمعة بعيد الدهفة حنينا وهي مناسبة دينية للاحتفاء بازدهار الارض وانتعاش الحياة بحسب المعتقد المندائي"، مشيرا الى ان "المندائيين يستهلون صباح يوم العيد بتقديم وجبة من التراث المندائي قوامها الرز واللبن (الروبة) والتمر والبيض المقلي والسمن الحيواني (الدهن الحر)"، منوها الى ان "اختيار هذه المفردات الغذائية جاء لتوفرها في البيئة العراقية في السابق والحاضر".
واوضح نعيم ان "هذه الوجبة الصباحية هي جزء من الفولكلور والتراث العراقي القديم ولا تدخل ضمن الطقوس الدينية للطائفة"، مشيرا الى ان "الطقوس الدينية في الدهفة حنينا وبقية الاعياد المندائية تشتمل على التعميد (الاغتسال بالماء الجاري) وفق تعاليم الدين المندائي وتحت اشراف رجل الدين واداء الصلوات وتقديم طعام (الذخرانا) لاستذكار المتوفين عبر عمل الثوابات (اللوفاني)".
وأشار الى، ان "طعام الذخرانا بحسب المعتقد المندائي يمنح الطاقة لأرواح المتوفين عند عروج النفس الى عوالم النور حيث يستغرق هذا العروج امد طويل قد يمتد لألاف السنين"، لافتا الى ان " حضارات وديانات الشرق عموما تؤمن بتواصل الارواح عبر طعام الثوابات الذي يقدمه الاحياء تكريما ووفاءً لأرواح الاسلاف ".
وتحدث ممثل طائفة الصائبة المندائيين في ذي قار عن تفاصيل اخرى عن الدهفة حنينا والبدايات الاولى لازدهار الارض اذ جرى تطهيرها وتقييد قوى الشر على يد الملاك (هيبل زيوا) مبارك اسمه"، مبينا ان " تطهير الارض وازدهارها بالنباتات والثمار هو ما جعلها ممهدة وصالحة لخلق ادم، بحسب الاعتقاد المندائي".
وتشير المصادر المندائية الى ان (الدهفة حنينا) يأتي في الثامن عشر من شهر(تورا) المندائي، ويسمى احيانا (عيد الازدهار) ، فكلمة دهفة في اللغة المندائية تعنى مناسبة اما كلمة حنينا فتعني الازدهار، والعيد هو عيد الازدهار كون الحياة قد دبت في الارض في مثل هذا اليوم وازدهر العالم المادي بحسب الاعتقاد المندائي ، الا ان رجال الدين المندائيين غالبا ما يفضلون اطلاق تسمية عيد الانتصار على الدهفة حنينا كون الملاك (هيبل زيوا) انتصر في مثل هذا اليوم على قوى الشر في العالم السفلي وتمكن من تقييدها واخضاعها لطاعة الخالق بعد سيطرته على اسرارها المتمثلة (بالسكين دولة)، وبهذا مهد لتصلب الارض وهيئها لازدهار الحياة.
وتبدأ الاستعدادات (للدهفة حنينا) منذ ساعات الفجر الاولى اذ يؤدي المندائيون الصلاة وقراءة الادعية والتراتيل الدينية ولا سيما دعاء الرحمة (نياني رهمي) كما يقومون بالإعداد والتحضير لمأدبة جماعية في المندي يقدمونها كوجبة فطور بعد شروق الشمس. كما يتهيؤون لطقوس التعميد التي تعتبر طقسا دينيا رئيسا لتطهير النفس والجسد.
ويؤدي الصابئة المندائيون طقوس التعميد (الارتماس في الماء) في المناسبات الدينية وايام الاحاد فقط وبحضور رجل دين بدرجة (ترميذة) على اقل تقدير. كما يعتبر يوم الاحد من اقدس الايام في الديانة المندائية فهو يوم تكوين الخليقة وهو اول ايام الاسبوع المندائي.
وتوضح المصادر التاريخية القديمة ان الارتماس في الماء وكجزء من الطقوس الدينية كان يجري في العراق قبل ولادة المسيح بآلاف السنين مع اختلاف واضح في مضمون الصلوات المصاحبة لطقس التعميد اذ كانت الصلوات تختلف من دين لآخر.
ويحتل الاحتفاء بالدهفة حنينا الذي يستمر ليوم واحد بحسب التعاليم الدينية وثلاثة ايام بحسب الطقوس الاجتماعية، موقعاً خاصاً في نفوس المندائيين سواء من الناحية الدينية او الاجتماعية حيث يعد فرصة للتواصل الاجتماعي وزيارة العوائل المتعففة من ابناء الطائفة وتقديم الدعم المادي والاغذية المختلفة، كما يحرص المندائيون في مثل هذه المناسبة على تقديم التعازي للأسر التي فقدت احد افرادها في الايام التي سبقت العيد.
ويعد عيد (الدهفة حنينا) واحداً من أهم أربعة أعياد سنوية لدى الصابئة المندائيين الذين يبلغ تعدادهم نحو 100 ألف نسمة في جميع أنحاء العالم ، والأعياد المندائية هي العيد الكبير «دهوا ربا»، ويوم التعميد الذهبي «الدهفة ديمانه»، وعيد الازدهار «الدهفة حنينا»، فضلاً عن عيد الخليقة (البنجة) ، كما يحتفل المندائيون سنوياً داخل العراق وخارجه، بثلاث مناسبات دينية أخرى، هي «أبو الفل»، و«أبو الهريس»، و«شيشان عيد».
والصابئة المندائيون من اقدم سكان بلاد الرافدين، وديانتهم من أقدم الديانات الحية في العراق، وأول ديانة موحِدة في تاريخ البشرية، وبحسب مصادر تاريخية مختلفة فإنها نشأت في جنوبي العراق، وما يزال أتباعها يتواجدون في المحافظات الجنوبية، بالإضافة إلى إقليم الأحواز في إيران، كما يوجد الآلاف منهم في الولايات المتحدة ودول أوروبية أبرزها النرويج وأستراليا والسويد وهولندا، حيث هاجروا إليها واستقروا فيها في غضون العقدين الماضيين.
ويعتبر الصابئة يحيى عليه السلام نبيهم، ويحتفظون بكتاب مقدس يعرف باسم "الكنزا ربا" وكتب وأسفار أخرى. وللصابئة خمسة معابد في بغداد والعمارة والناصرية وكركوك وأربيل (شمال) وسادس بمدينة الديوانية (جنوب) ، وقد ورد ذكرهم في ثلاث آيات قرآنيه هي البقرة والمائدة والحج
ويستخدم الصابئة في صلواتهم اللغة المندائية، وهي لغة سامية قديمة لم تعد مستخدمة للتواصل اليوم إلا في نطاق محدود جدا، وحلت مكانها العربية، لكن المندائية بقيت مستخدمة بالطقوس الدينية.
وتعد اللغة المندائية من اللغات المهددة بالانقراض وفق معايير منظمة اليونسكو التي تعتبر اللغة التي لا يرتقي عدد المتحدثين بها الى 1000 شخص لغة مهددة بالانقراض . اذ ان عدد المتحدثين في اللغة المندائية من الصابئه المندائيين البالغ عددهم نحو 100 الف نسمة في جميع انحاء العالم لا يتجاوز الـ 100 شخص. يشكل رجال الدين نسبة 40 % تقريبا منهم بحكم ان الطقوس الدينية المندائية التي يجريها رجال الدين تتم باللغة المندائية. فيما لا يتحدث بالمندائية في ذي قار سوى 5 اشخاص جميعهم من رجال الدين.










