TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حق مناقشة خلافة القائد السياسي: ضرورة ديمقراطية أم موضوع حساس؟

حق مناقشة خلافة القائد السياسي: ضرورة ديمقراطية أم موضوع حساس؟

نشر في: 30 أكتوبر, 2025: 12:01 ص

محمد علي الحيدري

يبقى سؤال خلافة القائد السياسي من أكثر القضايا حساسية في أيّ نظام حكم، مهما بلغت درجة استقراره. فالتفكير في اليوم التالي لأيّ زعيم ليس تجاوزاً للولاء ولا انتقاصاً من مقامه، بل هو تعبير عن وعيٍ مؤسسيٍّ يهدف إلى صون الدولة وضمان استمرارية مؤسساتها من دون فراغٍ أو اضطراب. فالدول التي تُخطِّط مبكّراً لانتقال القيادة تُثبت أنّها تمتلك نظاماً يقوم على المؤسسات لا على الأشخاص، بينما يُعَدّ تجاهل هذا النقاش مجازفةً بمستقبل الاستقرار الوطني.
في الحالة الإيرانية، يتجدّد هذا النقاش مع تقدُّم عمر المرشد الأعلى السيّد علي خامنئي، بعد أكثر من ثلاثة عقودٍ قضاها في موقع القيادة. ويرى كثيرون أنّ لإيران مؤسساتها الدستورية التي أُنشئت خصيصاً لضمان استمرارية القيادة، وفي مقدّمتها مجلس الخبراء، الجهة المخوّلة دستورياً بانتخاب المرشد الأعلى الجديد. ويستند هذا الرأي إلى تجربة عام 1989، حين نجح النظام الإيراني، بعد وفاة الإمام الخميني، في انتخاب خليفةٍ له بسرعةٍ وبقدرٍ كبيرٍ من الانضباط، ما جنّب البلاد فوضى سياسية أو صراعاً على السلطة. وبناءً على هذا السجل، يعتقد مؤيدو هذا الطرح أنّ المؤسسات الإيرانية تمتلك من الخبرة والتماسك ما يكفي لتكرار التجربة بنجاح.
لكن في المقابل، يطرح آخرون تساؤلاتٍ واقعيةً حول مدى قدرة هذه المؤسسات اليوم على ممارسة دورها بالكفاءة والحرية نفسيهما اللتين أظهرتهما قبل أكثر من ثلاثة عقود. فمع توسّع نفوذ الحرس الثوري وتزايد الترابط بين مراكز القرار السياسي والعسكري والاقتصادي، باتت عملية الاختيار مرهونةً بتوازناتٍ دقيقةٍ بين قوى متعددة داخل النظام، بعضها يتجاوز الإطار الدستوري التقليدي. وهذا التعقيد يجعل من الصعب التنبؤ بما إذا كانت آلية الخلافة ستسير وفق الإجراءات المقرّرة أم ستخضع لتفاهماتٍ غير معلنةٍ بين النخب النافذة.
ويتفرّع عن هذا النقاش سؤالٌ آخر يطرحه بعض المراقبين بإلحاح: لماذا لا تُبادر المؤسسات الإيرانية، وفي حياة القائد الحالي، إلى اختيار نائبٍ أو مساعدٍ له يمكن أن يتولّى المهامّ في حال حدوث أيّ طارئ؟ يرى مؤيدو هذا الطرح أنّ وجود نائبٍ للمرشد قد يُسهم في ضمان انتقالٍ منظّمٍ وسلسٍ للسلطة، ويقلّل من احتمالات الصراع أو الفراغ. لكن وجهة النظر الأخرى ترى أنّ هذا الخيار قد يفتح الباب أمام تنافسٍ مبكّرٍ داخل دوائر السلطة، وربما يُفسَّر كإشارةٍ إلى ضعف القيادة أو اقتراب نهايتها، وهو ما تحرص الدولة على تجنّبه حفاظاً على استقرارها الداخلي.
إنّ تباين هذه الرؤى يعكس طبيعة العلاقة المعقّدة بين رمزية القيادة وفعالية المؤسسات في النظام الإيراني. فالنظام الذي نجح في بناء مؤسساتٍ قويةٍ تابعةٍ للقيادة، يجد نفسه اليوم أمام تحدّي أن تتحوّل هذه المؤسسات إلى إطارٍ حقيقيٍّ للانتقال المنظّم للسلطة لا مجرد أداةٍ لضمان استمرار الوضع القائم.
من هنا، فإنّ النقاش حول خلافة القائد، سواء في إيران أو في أيّ نظامٍ آخر، لا ينبغي أن يُفهم بوصفه محاولةً للمساس بالقيادة أو التشكيك في شرعيتها، بل بوصفه ضرورةً سياسيةً ووطنيةً تعكس حرصاً على استقرار الدولة واستدامة مشروعها. فالمؤسسات التي تملك شجاعة التفكير في المستقبل في ظلّ القائد، هي نفسها التي تضمن استمرار نهجه بعد غيابه. إنّ الحديث الهادئ والمسؤول عن آليات الانتقال ليس مساساً بالرموز، بل احترامٌ لجوهر الدولة، التي تبقى هي الثابت الأسمى فوق كلّ الأشخاص والأسماء.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram