ترجمة المدى
حذّرت وكالة الأمم المتحدة لمكافحة الألغام (UNMAS) من استمرار مخاطر المخلفات الحربية غير المنفلقة التي ما تزال موجودة بعد إعلان وقف إطلاق النار في غزة، مع تحرّك مئات الآلاف من النازحين والعاملين في المجال الإنساني، حيث وثّقت مقتل 52 فلسطينيًّا وإصابة 267 آخرين بسبب هذه الذخائر منذ أكتوبر 2023، في وقتٍ قدّر فيه رئيس وكالة (يونماس) لوك إيرفينغ، أن يكون هذا الرقم أقلَّ بكثيرٍ من الواقع، مشيرًا إلى أنّ العديد من الأشخاص أُصيبوا أو قُتلوا جرّاء الذخائر المنتشرة في غزة على مدار العامين الماضيين.
أسقطت إسرائيل عشرات الآلاف من الأطنان من القنابل، معظمها أمريكية الصنع، على غزة، أكثر من مجموع ما أُسقط على لندن ودريسدن وهامبورغ في الحرب العالمية الثانية. وحذّرت (يونماس) أنّ من بين 5 - 10٪ من الأسلحة التي أُطلقت على غزة لم تنفجر، مما حوّل القطاع فعليًّا إلى حقل ألغام.
وأفادت صحيفة The Marker الإسرائيلية بأنّ سلاح الجو الإسرائيلي كان على علمٍ بما لا يقل عن 3,000 قنبلة غير منفجرة في غزة حتى أبريل 2025. حتى الآن، تمكّنت (يونماس) من تحديد ما لا يقل عن 560 ذخيرة غير منفجرة في المناطق التي تمكّنت من الوصول إليها. وقال إيرفينغ: “لكنّنا لن نعرف مدى التلوّث الكامل في غزة حتى يُجرى مسح شامل. المخاطر ستزداد مع تحرّك الناس، وخاصة عند بدء عمليات البناء وإعادة الإعمار.” في مدينة غزة يوم الثلاثاء، كانت جرافة واحدة تعمل على إزالة أكوام الأنقاض من شارع النصر لتسهيل المرور، تدفع الحطام إلى الجانبين قبل تحميله على شاحنة. استخدم السكان المكانس لإزالة قطع الخرسانة الصغيرة من أمام المباني القليلة القائمة. وبدأ الرجال في البحث وسط الأنقاض عن الحطب أو أي شيء يمكن إنقاذه.
قال محمد مشتة، أحد النازحين الذين عادوا بعد وقف إطلاق النار: “بصراحة، صُدمنا من حجم الدمار بين النزوح الأول والثاني. بعد النزوح الثاني كان الدمار كاملًا. المنطقة بدت مخيفة، مثل مشهدٍ من فيلم رعب. الشوارع كانت كلها مسدودة… مشينا حتى وصلنا إلى المنزل. كان صعبًا بسبب الصخور والمعادن. كان هناك أيضًا أشياء مثل المتفجرات أو بقايا لم تنفجر، فكنّا خائفين من السير — خائفين مما قد يكون على الطرق.”
إلى جانب استمرار القصف اليومي، منعت إسرائيل الحدَّ الأدنى من المساعدات الإنسانية والمعدات والموارد من دخول غزة، بما يخالف الاتفاق، مما يجعل من شبه المستحيل البدء في التعامل مع كميات الذخائر غير المنفجرة التي حوّلت جغرافيا غزة إلى منطقة قاتلة.
قال محمود بصل، المتحدث باسم الدفاع المدني: “نتحدث عن 71,000 طن من المتفجرات موجودة حاليًّا في قطاع غزة. هذه المتفجرات ما زالت موجودة، وفي أي لحظة قد تنفجر.” وأضاف: “قد يحدث ذلك عند تعامل الأطفال معها، أو أثناء عمل فرق الدفاع المدني لاسترداد الجثث. أي اصطدام قد يؤدي إلى انفجار.” فرق الدفاع المدني ليست مهمتها إزالة الذخائر غير المنفجرة، لكنها تساعد في جهود التنسيق وتعمل على استرجاع الجثث المدفونة تحت الأنقاض. وقال بصل: “الاحتلال الإسرائيلي قتل 90٪ من كوادر الهندسة الذين كانوا يعملون في غزة ودمّر الموارد اللازمة لنقل بقايا القنابل من منطقة لأخرى. الطلب الحالي هو تشكيل فرقٍ متخصصةٍ للتعامل مع هذه المشكلة، ويجب تزويدها بالمعدات والقدرات والمركبات اللازمة لنقل هذه الصواريخ الكبيرة والمتفجرة المتبقية في غزة.” وأضاف: “من غير المقبول وجود هذه المتفجرات داخل القطاع. إلى جانب الجثث والأنقاض… هناك متفجرات تهدّد حياة السكان، وهذا بالفعل مشكلة كبيرة في القطاع.”
ورغم انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فإنّ الحرب لم تغادر أرضه بعد؛ فالموت لا يزال يختبئ تحت الركام، في بقايا الصواريخ والقذائف والقنابل التي لم تنفجر، ليحوّل القطاع إلى حقل موتٍ مفتوح، ما تركه الاحتلال من مخلفاتٍ متفجرة صار تهديدًا يوميًّا لحياة السكان، خاصة الأطفال الذين يجدون في قطع الحديد الصدئة لعبة أو فضول اكتشاف، قبل أن يتحوّل المشهد إلى فاجعةٍ جديدة، يبقى الغزيون يطالبون بالحياة الآمنة، وبأن تتوقف الحرب فعلًا، ليس فقط على الورق، بل في باطن الأرض أيضًا. عاد محمد نور مع عائلته من خان يونس إلى مدينة غزة في 13 أكتوبر، بعد ثلاثة أيام من دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، مع آلاف الفلسطينيين الآخرين. قال نور لموقع (Drop Site): “بمجرد إعلان الهدنة، عدنا فورًا. ومنذ لحظة فتح مدينة غزة، كنا من أوائل العائدين بسبب كل ما عانيناه في الجنوب.”
أقام أفراد العائلة خيمة خلف مستشفى الشفاء، في منطقة كانت مثل معظم أنحاء المدينة مليئة بأكوامٍ كبيرةٍ من الأنقاض والحطام نتيجة القصف الجوي المكثف والقصف المدفعي الإسرائيلي. قال نور: “كانت حوالي الساعة العاشرة أو الحادية عشرة صباحًا، وقلت للأطفال: ‘اذهبوا لجلب بعض الكرتون والخشب وبعض البلاستيك لنشعل النار.’ أردنا طهي شيءٍ للأطفال.” ذهب ابنه البالغ من العمر 11 عامًا، وابن أخيه وابن أخته وطفلان آخران، على بُعد حوالي 10 أمتار من الخيمة، وبدؤوا البحث وسط الأنقاض. “بمجرد أن أمسك أحد الأطفال قطعة خشب، انفجر شيء. انقلب الأطفال في الهواء جميعهم”، قال نور. “رأيت فجأة أشخاصًا يطيرون — لم أدرك أنهم أطفالنا. ركضت نحوهم ووجدت ابني متشبثًا بالسياج، وابن أختي وابن أخي — جميعهم متشبثون هناك. حالتهم كانت مروعة، مروعة.”
أسرع شقيق نور، غدير الأنقار، إلى الخارج عند سماع الانفجار. قال الأنقار: “عندما خرجت من الخيمة، كان ابني يركض ويصرخ. لم أستطع التعرّف عليه — كان مغطّى بالكامل بالشظايا. جسده كله مقطّع بالشظايا، ووجهه مسودّ بالرماد والحطام، لم أستطع التعرّف عليه، والطريقة الوحيدة لمعرفته كانت من خلال لون قميصه الأزرق.” حملوا الأطفال وأوصلوهم إلى مستشفى الشفاء. عند وصولهم إلى المستشفى، كان قميص ابن نور، زين، ممزقًا بفعل الانفجار، وأحد أرجل بنطاله ممزقًا، وفق فيديو صوّره أحمد حطاب. كانت ملابسهم مغطاة بالدم، وساقا زين بهما جروح كبيرة. وجه ابن الأنقار جود مسوّد بالغبار، وأمام قميصه الأزرق كان مبللًا بالدم، وجزء من ساقه ممزق. لم يصرخوا أو يبكوا وهم يُحملون إلى المستشفى — كانوا في حالة صدمة. وأيضًا، تم نقل ثلاثة أطفالٍ آخرين أُصيبوا بجروح أقل خطورة، ووضعتهم فرق المستشفى على الأرض أو على أسرّةٍ معدنيةٍ بدون فرشٍ أو أغطية.
أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، حذّر من الخطر الحقيقي الذي تمثّله مخلفات الحرب والألغام والعبوات الناسفة التي خلّفها الاحتلال الإسرائيلي في مختلف مناطق قطاع غزة، مشيرًا إلى أنّها أصبحت عائقًا كبيرًا أمام جهود الإغاثة الإنسانية وعودة السكان إلى مناطقهم.
عن صحفٍ ووكالاتٍ عالمية










