هادي عزيز علي
توزيع المياه بين الدول المتشاطئة والانهار العابرة للحدود ودول المنبع ودول المصب وغيرها من مواضيع شغلت البشرية منذ اوقات مبكرة من حياتها ولا زالت وكان لشراح وفقهاء القانون الدولي دور مشهود في تناول تلك المواضيع دراسة وتحليلا ومقترحات افضت الى وضع نظريات عدة للمعالجة تغيرت مضامينها واحكامها استجابة للمسيرة التاريخية وحكم التطور واول تلك النظريات نظرية (السيادة الاقليمية المطلقة) المعروفة بنظرية (هارمون) التي بنيت مضامينها على حق الملكية بمفهومها الروماني،
وهي ان يتصرف المالك بما يملك تصرفا مطلقا وان افضى ذلك الى الحاق الضرر بالاخرين وبما ان النهرينبع من اراضيها فهوجزء لا يتجزأ من ملكيتها لذا فهي يحق لها بشكل مطلق اقامة المنشآت المائية في اراضيها ضمن حدودها الاقليمية ولها ايضا تحويل المجري داخل اقليمها ولها ان تستهلك مياهه كافة دون ان يكون لدول المصب الاخرى حق الاعتراض جاء هذا الفهم في بدايات القرن التاسع عشر عن طريق اجتهاد قضائي للقاضي (مارشال) في القضية المعروفة بقضية (تبديلات شومر) 1812 التي كانت منظورة من قبل المحكمة العليا للولايات المتحدة الامريكية وتعزز هذا الاجتهاد من قبل النائب العام (هارمون) خلال النزاع الأمريكي المكسيكي على المياه 1895اذ سميت هذه النظرية باسمه .
هذه النظرية النازعة نحو التصرف الكامل بالمياه من دون الالتفات الى حقوق الدول المتشاطئة والمستند الى مبدأ السيادة المطلقة ما هو الا تفسيرخاطىء لمفهوم السيادة لمساواتها الأرض التي هي عنصر ثابت والمياه التي هي عنصر متحرك وبالتالي تخضعهما الى حكم قانوني واحد وهو السيادة الإقليمية المطلقة من دون الاخذ بالاعتبار للطبيعة المختلفة بينهما فضلا عن انها تتعارض واحكام القانون الدولي المتعلقة بمسؤولية الدول عن الأفعال المرتكبة في أراضيها واثارها المضرة للدول الأخرى أضافة الى ذلك فان هذه النظرية تعد وجها من وجوه التعسف في استعمال الحق ومتعارضة من مبدأ حسن الجوار ولموقفها السلبي هذا فأنها لم تجد لها اثرا في الاتفاقات الدولية ولم تحكم لصالحها المحاكم في النزاعات النهرية وتعد نظرية فردية في الاجتهاد القانوني وعليه فقد نبذتها الدول التي كانت متبنية لها .
على انقاض هذه النظرية وللانتقادات العديدة الموجهة لها ظهر مفهوم اخر مفاده : (ان مجرى النهر يشكل من منبعه الى مصبه وحدة إقليمية بغض النظر عن الحدود السياسية) وهذه هي نظرية التكامل الإقليمي المطلق (الوحدة الإقليمية المطلقة) المستندة الى القانون الانكلوسكسوني في الحقوق النهرية وهي وان حدث كثيرا من غلواء نظرية السيادة الاقليمية المطلقة الا انها انتقدت بسبب محاباتها دول المصب مما دفع الاجتهاد الفقهي للقانون الدولي بالقول : (لزوم الإقرار لكل دول الحوض بالحق الشرعي والولاية على المياه العابرة للحدود والمتدفقة عبر أراضيها بشرط ضمان حصة كافية من المياه لدول الحوض الأدنى) وهذا ما قالت به نظرية (السيادة الإقليمية المقيدة) اذ حظيت هذه النظرية باهتمام كبير ودخلت في العديد من المعاهدات واحكام القضاء وتعد هذه النظرية انقلابا على كل الاحكام الواردة في نظرية (هارمون).
يعاب على هذه النظرية هو ان القيود التي فرضتها على السيادة هي قيود طوعية ولكي تكون هذه القيود ملزمة فان الامر يتطلب بالضرورة عقد اتفاقية ناظمة لذلك واضافة الى هذا العيب فان ثمة عيب اخر يتمثل في خلوها من الحلول في حالة التعارض في الانتفاع فضلا عن خلوها من الادارة المشتركة المطلوبة وغير ذلك هذا الوضع وبحكم التطور افضى الى اجتهاد جديد مفاده : (المجرى المائي الدولي من منبعه الى مصبه مشترك بين جميع الدول التي يجري فيها فحقوقها متساوية ومتكاملة فلا تنفرد احدهما من دون موافقة الدول الاخرى في اقامة المشاريع للانتفاع بالمياه في اقليمها والمؤثرة على تدفق النهر زيادة او نقصانا وهذه هي نظرية (المنافع المتوازية) او بما يطلق عليها نظرية (الانتفاع المشترك) وهي تستند على مبدأ (التقسيم المنصف) فضلا عن عدم جواز قيام أي دولة في منع تدفق المياه او تحويل مجرى النهر اوان تستخدمه باسلوب يشكل خطرا على الدول المتشاطئة الاخرى .
المحطة الاخيرة لهذا الجهد البشري الذي وجد من منذ القدم ليستقر عند محطته الاخيرة (الاتفاقية الدولية لأستخدام المجاري المائية الدولية في الاغراض غير الملاحية 1997) المستندة الى قانونها المقر من قبل الامم المتحدة في 9 كانون الاول 1994 التي تضمنت : 1 – استخدام المياه بطريق تحقق المنفعة المشتركة (الاستخدام المنصف والمعقول) 2 – تجنب احداث ضرر كبير للدول الاخرى جراء استخدامها للمجرى المائي 3 – التعاون المستمر بين الدول المتشاطئة 4 – الاخطار المسبق بالمشروعات ذات الاثر المحتمل 5 – مبدأ تبادل المعلومات 7 – مبدأ التسوية السلمية للمنازعات 8 – مبدأ الادارة المشتركة للمجاري المائية . صادق العديد من الدول على هذه الاتفاقية منها العراق وتعد تركيا من الدول الممتنعة على التصديق على هذه الاتفاقية .
لم يتمكن هذا المنجز الفقهي الكبير والصيغ التشريعية المتماهية مع احكام القانون الدولي المقترن في حالات عديدة بالقواعد القانونية الدولية الآمرة من تليين العقلية التركية وجعلها منسجمة مع احكامه اذ انها ادارت ظهرها لهذا الجهد الدولي النبيل مفضلة التمسك بنظرية منقرضة هي نظرية السيادة الاقليمية المطلقة (هارمون) رافضة مصطلح (النهر الدولي) مغردة خارج السرب وكأثر لهذا الموقف المتصلب كان العراق الضحية لهذا الموقف متمثلا في حالة شح المياه التي يشهدها العرافق حاليا والاثار المدمرة المترتبة عليها .










