علي حسين
يريد تحالف “لا تضيّعوها” أن يبدأ مرحلة جديدة لـ ”قيادة البلاد وحفظ مصالح العباد”. وهذا كلام من حقه دون جدال، لكن على جماعة “لا تضيّعوها” أن يشرحوا للعراقيين من كان يقود البلاد خلال الـ22 سنة الماضية، وبأي طريقة كانت تُراعى مصالح العباد؟ فيما يصر تحالف “نحن أمة” على إيهام الناس بأنّ المشكلة ليست وطنية وإنما طائفية ليغيب العراق ويرتفع شعار “سنة وشيعة”.
في أيام فائقة الخطورة، يتذكر البعض أنهم “منقذو البلاد” بينما المواطن يتذكر بحسرة ما فقده: التنمية وضياع المستقبل، ويُضاف لها مئات المليارات من أموال النفط؛ كلها تبخرت بين خطب ملوك الطوائف الذين لا يتذكرون الشعب إلا أيام الانتخابات. بعد 22 عاماً من التغيير يظل حلم ساسةساسةِنااء برلمان “طائفي”، والإعلان عن تسوية تاريخية بين الكتل السياسية، يتم بموجبها توزيع الكعكة العراقية بالتراضي.
بدءًا من انتخابات 2005 وانتهاءً بانتخابات 2021 التي جرى تخطيطها وتصميمها طائفيًا، اكتشف الناس ولو متأخرين أن سياسيّي الطوائف لم يقدموا خلال هذه السنوات الماضية سوى أداء كاريكاتيريًا مضحكًا، وأن مرشحيهم كانوا يُخبّئون دول الجوار تحت ثيابهم، وظلوا حتى هذه اللحظة شركاء في تدمير الوطنية العراقية.
لم يعد للدولة وجود في العراق، فهي ممزقة بين كتل سياسية تقود معركة كسر العظم، وجماعات مسلحة تريد أن تفرض حضورها حتى ولو بالصواريخ.
على أصحاب شعار “لا تضيّعوها” ومعهم رافعو رايات “نحن أمة” ألّا يواصلوا لعبة الاستمتاع بمصطلحات الجعفري وإعادة تزويقها وتسويقها للناس، فمهمتهم اليوم هي أن يقرأوا الأحداث كما هي مرسومة بعيون جميع العراقيين: سنّة وشيعة، عربًا وكردًا، مسلمين ومسيحيين، صابئة وإيزيديين. على الائتلاف أن يدرك أن مسؤوليته الحقيقية هي أن يكون ائتلافًا لكل العراقيين وليس ناطقًا باسم الزعيمة حنان الفتلاوي، والشجاعة تقتضي مواجهة الجميع بالحقائق لا التخفّي تحت أغطية عاطفية أو ملابس طائفية سرعان ما نكتشف أنها منتهية الصلاحية.
يقول المؤرخ الماركسي أريك هوبزباوم إنه لا يمكن فهم خراب الأمم من غير أن نفهم أوهام قادتها؛ يقصد طبعًا أوهام الزعامة والتفرّد والتسلّط. اليوم العراقيون لا يحلمون بأكثر من بديهيات العيش الآمن الكريم؛ حُرموا أولًا وأخيرًا من حقّ بناء دولة مؤسسات. فماذا تنفع التسوية التاريخية، إذا كنا لا نحظى برجال يستحقّون أن يدخلوا التاريخ مرفوعي الهامات؟
يعيش ساسةِنا ضمن ما يسمّيه علم النفس “فنّ اقتناص الفرص”. ما هي الفرصة؟ هي أن تربح دائمًا وأبدًا، وأن تستغل موقعك السياسي والوظيفي دائمًا، وألّا ترحم أحدًا.
المواطن هو الأمن والمستقبل في الدول الديمقراطية. حيث لا يتعلم الشعب الديمقراطية ولا الوطنية من تجمعات طائفية، وخطب وأناشيد عن نصرة “المذهب” وهتافات “أخذنا وياك للموت".









