علي لفتة سعيد
بعد عامين من القتال أو الحرب أو المواجهات، تتوقف عمليات الإبادة التي يقوم بها الكيان الصهيوني بمقترحٍ أمريكيٍّ (ترامبويّ) تحديدًا. وكأنّ الأمر يُظهر أن ترامب لم يكن بمقدوره أن يفعل شيئًا حين تسلّم الحكم في عودته الثانية إلى الرئاسة الأمريكية، والجميع يعلم أنّه الرئيس الوحيد الذي نقل سفارة بلاده إلى القدس، في تحدٍّ كبيرٍ للمنظومة والأعراف الدولية.
لكن السؤال الذي ينطلق بعد رؤية الفلسطينيين وهم يرقصون فرحًا لوقف القتال: هل سيصمد هذا القرار؟
الإجابة ربما تكون أنّه لا أحد يمكنه الجزم بموقفٍ نهائيّ، لكن هناك تفكيرين مهمّين في هذا السياق:
الأول أنّ هناك عوامل تدعم احتمالية صموده، والثاني أنّ هناك عوامل أخرى تدعم احتمالية أن يواجه القرار عراقيل قوية، وقد لا يصمد طويلًا، وذلك وفق اعتباراتٍ جيوسياسيةٍ وطبيعة التعامل بين الجانبين الفلسطيني في غزة والكيان الصهيوني في تل أبيب.
ولو نظرنا إلى احتمالية صموده، على الأقل خلال الأشهر المقبلة ، كما كان يحصل في المواجهات السابقة بعد أيّة انتفاضةٍ فلسطينية، فإنّ ترامب بات محور العالم الذي يريد صناعة السلام والعمل على إيقاف حروب العالم، وإن كان ذلك وفق ما تريده المصالح القومية الأمريكية. فهو حتى الآن لم يتدخل في حرب السودان، ولم يُفضِ تدخّله إلى إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية، ولم يُحقّق النجاح الكلي في سوريا، ولم ينهِ الصراع مع إيران أو يُحدّد موقفًا نهائيًا من العلاقات الصينية وغيرها.
ومع ذلك، سيدعم ترامب استمرار وقف الحرب إذا التزمت الدول الضامنة بدعم الاتفاق ومراقبة تنفيذه، لأنّ ذلك يرفع من فرص الثبات. فضلًا عن الحاجة الإنسانية والضغط الشعبي في فلسطين وداخل الكيان، والمظاهرات في أغلب دول العالم التي خنقت الكيان الصهيوني، وهو ما جعل ترامب يمارس الضغط على نتنياهو الخائف مما بعد الشهر الأول من وقف القتال، ومواجهة المعارضة التي تتربّص به لإحالته إلى المحاكم. لذا فإن ديمومة السلام مرهونة بالتزام الأطراف فعليًا، ووجود مصلحة مشتركة في الهدنة، فقد تتم بين فترةٍ وأخرى صيانةٌ لوقف إطلاق النار.
أمّا العوامل التي تُقلّل احتمالية استمرار الاتفاق، أو عودة المواجهات من جديد، وإنْ ليس في زمنٍ بعيد، فهي كثيرة، منها التوتّرات السياسية الداخلية في الكيان الصهيوني، ووجود خلافاتٍ قوية داخل حكومة نتنياهو، خصوصًا بين التيار اليميني المتشدّد الذي يعارض أيّ تنازلٍ يسمح ببقاء حماس أو إعادة السيطرة الفلسطينية على غزة.
كما أنّ البحث عن أيّ طريقةٍ لتجنّب وقوع نتنياهو تحت مطرقة المحاكمة قد يدفعه إلى إشعال حربٍ جديدة، سواء مع إيران أو غزة نفسها أو في مكانٍ فلسطينيٍّ آخر، وربما في لبنان.
يُضاف إلى ذلك أنّ الاتفاق مع حماس وحدها قد لا يمنع فصيلًا فلسطينيًا آخر من الدعوة إلى استمرار المقاومة حتى تحرير فلسطين، لأنّ وقف الحرب بهذه الطريقة يعني – من وجهة نظرهم – موت المقاومة.
وقد لا ترضخ بعض فصائل المقاومة لشرط تسليم السلاح، أو تسليم السلطة نفسها في غزة التي انفصلت عن حكم الدولة الفلسطينية منذ سنوات، وهو ما يمنح نتنياهو ذريعةً للعودة إلى جولةٍ جديدةٍ من الإبادة الجماعية.
إنّ الاتفاقية بحد ذاتها – كما في أيّة اتفاقياتٍ عالمية – لا تخلو من وجود (شيطانٍ في التفاصيل)، خصوصًا في ما يتعلّق بآليات التنفيذ، وهو ما يغيب عن هذه الخطة، لأنّه لا يوجد رادع حقيقي أمام التعصّب الصهيوني. وإنْ تضمنت الخطة وجود قوّةٍ لحفظ السلام أو لتطبيق الاتفاقية، فإنّ خرقها قد يبرز من أيّ طرفٍ يرى في التنفيذ استسلامًا للطرف الآخر، ما يعني – كما يرى بعض المحللين – أنّ سقوط الالتزام تدريجيًا أمرٌ ممكن.
ولهذا، فإنّ الترقّب سيبقى قائمًا وفق السؤال: كم سيصمد الاتفاق؟ وكم ستصمد الصراعات الداخلية – سواء في الداخل الفلسطيني أو في الكيان الصهيوني – أمام الضغوط؟ وهل سيتحرّك شيطان التفاصيل وفق هذه التحديات؟
ولكن السلام ممكن لو أنّ هناك:
1- التزامًا فعليًا من الكيان الصهيوني وحماس ببنود الاتفاقية التي تُعد المخرج الوحيد لوقف الإبادة.
2- نشر قوّة حفظ سلام دولية تساعد على الحفاظ على الأمن وضمان الامتثال للاتفاق.
3- استمرار الدعم الدولي وضمان ديمومة السلام.
4- إدخال مساعداتٍ إنسانيةٍ واسعة وتخفيف المعاناة، ما يُقلّل من التوتر الشعبي ويمنع تجدد الصدامات.
5- تحويل التهدئة إلى تسويةٍ سياسيةٍ تدريجية حول الحكم في غزة، عبر الانتقال من سيطرة حماس إلى سلطةٍ فلسطينيةٍ أو جهةٍ محايدة تُدار بالتعاون الدولي.
6- استمرار دول العالم في المطالبة بحلّ الدولتين، وهي الفرصة الأكبر للجناح الفلسطيني لتحقيق ذلك بعيدًا عن لغة السلاح، عبر الضغوط السلمية.
7- إعادة إعمار غزة بطريقةٍ مختلفةٍ عن كل الحملات السابقة، لإظهار أنّ العالم مهتمّ فعلًا بالفلسطينيين وحياتهم، مع تسهيل عودة المشردين وحركة السكان.
لكنّ هذه الاتفاقية قد تتعرض لخروقاتٍ محتملة، منها:
1. التزامٌ جزئيّ من الأطراف، مع خروقاتٍ متكررة وصراعاتٍ حول التفاصيل.
2. ضعف آليات الرقابة الدولية، أو محدودية فاعليتها على الأرض.
3. بروز جماعاتٍ مسلّحة ترفض البنود الأكثر صرامة في الاتفاق، وتقوم بهجماتٍ محدودة.
4. وقفٌ متقطع أو هدناتٌ متكررة، مع استعادة التوترات بشكلٍ دوريّ.
5.مفاوضاتٌ جزئية حول تبادل الأسرى، مع تصاعد التوترات داخل الطرفين.
6. تراجعٌ صهيونيٌّ جزئيّ في بعض المناطق، مع الحفاظ على مواقع أمنيةٍ استراتيجيةٍ بحجة «المناطق الآمنة».
7. وجود مخططٍ لتجدد الصراع بعد تسليم الأسرى لعائلاتهم، لتخفيف الضغط عن حكومة نتنياهو.
إنّ الموقف في الصراع الفلسطيني الصهيوني لم ينتهِ بعد، فكلّ طرفٍ يعتقد أنّه صاحب الحق، وأنّ الضغوط الأمريكية (الترامبوية) قد لا تكون فعّالة بما يكفي، أو أنها لن تُفضي إلى قيام الدولة الفلسطينية، لأنّ ذلك يعني، من وجهة نظر فصائل المقاومة، نهاية سلاحها، وهذا أمرٌ مستبعدٌ في المنظور الفلسفي للمقاومة.










