TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ست سنوات على انتفاضة 25 تشرين: إرادة الشباب العراقي بين الأمل والمعاناة المستمرة

ست سنوات على انتفاضة 25 تشرين: إرادة الشباب العراقي بين الأمل والمعاناة المستمرة

نشر في: 4 نوفمبر, 2025: 12:20 ص

عصام الياسري

أطلت علينا قبل أيام ذكرى ست سنوات على انطلاق انتفاضة 25 تشرين الأول 2019 في العراق، الانتفاضة التي شكلت منعطفا مهما في تاريخ الشعب العراقي الحديث، وأطلقت شرارة مطالب جماعية واسعة تتجاوز أي حسابات سياسية ضيقة. خرج آلاف الشباب العراقي إلى الشوارع في بغداد ومدن الجنوب والشمال، حاملين شعارات الحرية والعدالة والمحاسبة، مطالبين بحقوقهم الأساسية في حياة كريمة، فرص عمل، خدمات عامة عادلة، ونظام سياسي يعكس إرادة الشعب.
لكن تلك المطالب لم تمر بلا ثمن. فقد تعرّض العديد من شبان الانتفاضة لملاحقات سياسية وقمعا أمنيا منذ الأيام الأولى وحتى اليوم، مع استمرار الاعتقالات والملاحقات القانونية والاجتماعية ضدهم، ما جعل من الدفاع عن الحقوق تحديا يوميا.
تميزت الانتفاضة بشموليتها: كان الشباب من مختلف الفئات العمرية والخلفيات الاجتماعية جزءا أساسيا من الحركة. لم يقتصر حضورهم على رفع الشعارات فحسب، بل كانوا قوة التغيير الفعلية، يقودون التحركات الشعبية وينسقون الاعتصامات والمظاهرات، متحدين العنف والقمع الأمني. كانت الشوارع تمتلئ بالهتافات والأمل، وتصبح ساحات الاحتجاج مسرحا لتعبير جماعي عن الغضب المشروع من الفساد المستشري، والفشل المتواصل في تلبية احتياجات المواطنين.
كانت شوارع بغداد وبقية المدن العراقية مسرحًا لملايين المتظاهرين من مختلف الطبقات والفئات العمرية، متحدين التحديات الأمنية والسياسية، حاملين شعارات "نريد وطن" تطالب "بالحرية والعدالة ومحاسبة الفاسدين". ورغم العنف والقمع الذي واجهتهم، بقيت روح الانتفاضة حية في الوعي العراقي، شاهدة على إرادة شعب رفض الانكسار. ومع مرور ست سنوات، تبقى ذكرى 25 تشرين رمزًا لشجاعة الشباب العراقي وصمودهم، أيضا تذكر بالأعباء التي يتحملها من خرجوا للشارع طالبين الحرية والعدالة، وبحاجة العراق المستمرة إلى إصلاحات حقيقية وشاملة تلبي طموحات شعبه.
لكن الطريق لم يكن سهلاً. فقد واجه الشباب الذين خرجوا للشارع منذ اللحظة الأولى ملاحقات أمنية وسياسية، شملت الاعتقالات التعسفية، المضايقات القانونية والاجتماعية، وحتى التهديد المباشر بحياتهم. بعضهم فقد حياته خلال التظاهرات، وبعضهم لا يزال يعيش تحت ضغط الملاحقة المستمرة، فيما اضطر آخرون إلى الهجرة أو الانعزال عن المجتمع لحماية أنفسهم. هذه المعاناة المستمرة تُظهر الثمن الباهظ الذي دفعه الشباب العراقي للدفاع عن حقوقه المشروعة، وهي شهادة على شجاعة وإصرار جيل رفض الانكسار أمام نظام متأزم.
وبينما استمرت الأصوات المطالبة بالتغيير، بقيت الأزمات في العراق تراكمية ومتداخلة. على المستوى السياسي، شهد العراق صراعات مستمرة بين القوى الحاكمة، وتأجيلات متكررة للإصلاحات، مما أدى إلى فراغ سياسي وإحباط شعبي متزايد. وعلى المستوى الاقتصادي، يعاني المواطنون من البطالة المرتفعة، تدهور قيمة العملة، وغلاء المعيشة، فيما يظل الفقر والحرمان من الخدمات الأساسية واقعا يوميا يعيشه الكثيرون.
الخدمات العامة، من صحة وتعليم وبنية تحتية، ما زالت في وضع هش، إذ تعاني المستشفيات من نقص المعدات والأدوية، والمدارس من اكتظاظ الصفوف وضعف الموارد التعليمية. هذا الواقع يعكس فشل السلطات في تلبية أبسط احتياجات المواطنين، ويزيد من شعورهم بالظلم والإهمال. أما الحقوق العامة والحريات المدنية، فهي لا تزال محدودة، مع استمرار القيود على حرية التعبير والتجمع، وتعرض الناشطين لشبح الملاحقة الدائم.
رغم كل هذه المعاناة، بقيت ذكرى 25 تشرين مصدر إلهام للشعب العراقي، ورمزا لشجاعة وإرادة الشباب الذي رفض الانصياع للظروف القاسية. الانتفاضة لم تكن مجرد احتجاج مؤقت، بل حركة مجتمع مدني المستمرة، تحفر طريقها ببطء نحو التغيير، وتضع الأسس لمستقبل أفضل. إنها تذكير دائم بأن صوت الشعب لا يمكن تجاوزه، وأن المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة ستظل حاضرة مهما طالت التحديات.
اليوم، بعد ست سنوات، يحتاج العراق أكثر من أي وقت مضى إلى الإصلاح الحقيقي والشامل، إلى معالجة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق العدالة للشباب الذين تحملوا المخاطر في سبيل مستقبل أفضل. كما يحتاج إلى ضمان بيئة آمنة تسمح للمواطنين بالمطالبة بحقوقهم دون خوف من القمع أو الملاحقة. إن الإرث الذي تركته انتفاضة 25 تشرين ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل دعوة صريحة لمواصلة النضال والمثابرة، وإصرار الشعب العراقي على تغيير واقعه المؤلم نحو حياة كريمة ومستقبل أكثر إشراقا.
في الختام، ست سنوات على 25 تشرين هي ست سنوات من التحدي والمعاناة، لكنها أيضًا ست سنوات من الأمل والإصرار. إنها شهادة على أن الشباب العراقي، رغم كل الصعوبات، ما زال يحتفظ بحلمه في الحرية والعدالة، وأن صوتهم سيظل حاضرًا، يطالب بمستقبل يليق بشعب طالما انتظر العدالة والكرامة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram