علي حسين
منذ صدور مذكرات الحاج إبراهيم الجعفري “تجربتي في الحكم”، والذي أطلق على نفسه فيها لقب “النجاشي” تشبهاً بملك الحبشة، وهو “ملك لا يُظلم عنده أحد”، في الوقت الذي اجتاح العراقَ أخطرُ موجة عنفٍ طائفي أيامَ تولي صاحب المذكرات رئاسةَ الوزراء،
والناس تسأل: ترى ماذا لو كتب باقي الساسة والمسؤولين مذكراتهم؟ ولأنني مغرم بمتابعة أحوال السياسيين، فقد تلقيت بفرحٍ غامر صدور مذكرات السيد نوري المالكي، وديوان شعر محمود المشهداني، وأنتظر بلهفة قراءة مذكرات مثنى السامرائي، عسى أن يعرف المواطن العراقي أين ذهبت أموال الكتب المدرسية، وننتظر كتاب أيهم السامرائي، وأتمنى أن يكون عنوانه “كيف تحصل على مليار دولار بأربعة أسابيع”. لكني، الحمد لله، اقتنيت كتاب السيد حسين الشهرستاني، الذي أصدر كتاباً بعنوان “تجربة حياة”، والذي يروي من خلاله إنجازاته في وزارات النفط والكهرباء والتعليم العالي، بدليل أننا استطعنا أن نصدر الكهرباء إلى الصين، وفاضت أموال النفط حتى إن المواطن العراقي يشكو من التخمة. ولا أريد أن أعدِّد منجزات السيد الشهرستاني في وزارة التعليم العالي، فالكل يعرفها ويدرك كيف أنه، وبشطارته، استطاع أن يتخلص من الكفاءات الجامعية.
وأنا أنظر إلى غلاف كتاب حسين الشهرستاني تذكرت كيف أقسم الرجل على أنه سيجعل العراق في مقدمة البلدان المصدِّرة للنفط، وأطلق تصريحه الشهير عن ثمار الزيادة في صادرات النفط، ثم طور الأمر فقال: “إن العراقيين يعيشون أزهى عصورهم”. طبعاً الفقراء في العراق لا يشغلهم كم تبلغ نسبة النمو، وهل زاد العجز أم حدث انكماش، ولا تشغلهم تعبيرات الشهرستاني عن ثمار التنمية، كل ما يشغلهم أن يعرفوا أين ذهبت عشرات المليارات التي أُهدرت على مشاريع وهمية، وهل يملك الرجل الشجاعة ويتحدث عن الخراب الذي أصاب البلاد، والأموال التي نُهبت، والصفقات التي عُقدت في الغرف المظلمة، وحجم الأموال التي يمتلكها لحظة صدور كتابه “تجربة حياة”؟
تمنيت أن يقرأ جميع الساسة العراقيين مذكرات اثنين ممن صنعوا تاريخ بلادهم، ونستون تشرشل وشارل ديغول، فسوف يتبين لهم بوضوح معنى الحكم، فقد كان لدى الرجلين الفهم الحقيقي لمعنى الشعور الوطني. ديغول نفى نفسه إلى قرية في الجنوب، بعد أن خرج الطلبة يتظاهرون ضده وهم يحملون لافتات كُتب عليها: “ديغول ارحل”، الرجل الذي أنقذ فرنسا من سطوة هتلر، ووضعها في مصاف الدول العظمى، لم يجد غير جملة واحدة قالها لمساعديه: “سأرحل، لا شيء أهم من فرنسا مستقرة”.
أما تشرشل الضخم، فكان يعيد كتابة التاريخ من وسط سريره المحاط بالوسائد وطيوره المفضلة من فصيلة الببغاء وقطته، ليسطر هذه الكلمات: “المتعصب هو شخص لا يريد أن يغيّر رأيه، ولا يريد أن يغيّر الموضوع”.
تُكتب المذكرات عادة من أجل قول الحقيقة، فيما أصر كبير مفكري العراق باقر جبر الزبيدي على أن يسير على خطى الجعفري فيضع عنوان “تجربتي” لمذكراته، تاركاً لنا أن نتذكر ماذا كانت هذه التجربة؟









