علاء جواد كاظم
هل يمكن ان يصبح الذكاء الاصطناعي زميلك في قاعة الدرس؟ في الوقت الذي يتزايد فيه حضور الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI) في قاعات الدراسة والبحث العلمي، يواجه التعليم العالي تحديًا جوهريًا: كيف يمكننا فهم التعلم عندما يصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا فعليًا في عملية بناء المعرفة، وليس مجرد أداة مساعدة؟ تخيل ان زميلك في الصف الدراسي ليس طالبا بل خوارزمية، كيف سيتغير شكل التعليم؟
منذ عقود، اعتمد التعليم على نظريات تقليدية مثل السلوكية والمعرفية والبنائية لتفسير كيف يتعلم الأفراد، وهذه النظريات ساعدتنا على تصميم مناهج فعالة وتطوير استراتيجيات تعليمية ناجحة، لكن مع دخول أدوات الذكاء الاصطناعي القادرة على التفاعل، التحليل، والتكيف مع كل طالب، لم تعد هذه النظريات كافية لتفسير هذا النوع الجديد من التعلم.
في البيئات الرقمية الذكية، لا يتعلم الطالب وحده، بل يتعاون مع أنظمة رقمية تتعلم هي الأخرى منه، والذكاء الاصطناعي أصبح "شريكًا معرفيًا" يشارك في انتاج المعرفة والتحليل، والتصحيح، وتقديم التغذية الراجعة فوريا، وهذا بدوره يخلق نموذج "تعلم دائريًا" بدلاً من النموذج الخطي التقليدي، يبدأ بالانتباه، ثم الفهم، ثم بناء المعرفة، فالتطبيق، وأخيرًا التقييم والتعديل، وهي دورة لا تنتهي.
من هنا تبرز الحاجة إلى ما أسميه "نظرية تعلم جديدة" وهي إطار جديد يدمج بين الإنسان والآلة في عملية التعلم، وهذه النظرية لا ترفض ما سبقها، بل تبني عليه، وتعيد تفسير مبادئ مثل "التفاعل"، و"التعزيز"، و"البناء المعرفي" في ضوء الذكاء الاصطناعي التوليدي.
هنا نضع بعض الامثلة:
• من السلوكية تستعير فكرة التغذية الراجعة الفورية، التي يطبقها الذكاء الاصطناعي من خلال التقييم الذكي والمكافآت الرقمية.
•ومن البنائية تأخذ فكرة التعلم من خلال التجربة، عبر بيئات محاكاة رقمية تتيح للطالب استكشاف المفاهيم عمليًا.
•ومن المعرفية توظف تحليل البيانات لفهم الحمل المعرفي لكل طالب وتكييف المحتوى وفق قدراته.
لكن ما يميز هذه النظرية الجديدة هو بعدها الإنساني، فهي لا تسعى إلى استبدال المعلم، بل إلى تمكينه من فهم أعمق لكيفية بناء المعرفة في عصر الذكاء الاصطناعي، وكما تدعو إلى تطوير سياسات تعليمية تُوازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي والحفاظ على المهارات الاساسية مثل التفكير النقدي والهوية الإنسانية في التعلم.
الجامعات اليوم بحاجة إلى نموذج نظري جديد يوجه تصميم المناهج، التدريب المهني والأكاديمي، وسياسات التعليم الرقمي في عصر الذكاء الاصطناعي، والعدالة في الوصول الى التكنولوجيا خصوصا في الدول ذات الدخل المحدود. فالتحدي لم يعد في "إدخال التكنولوجيا إلى الصف الدراسي"، بل في "فهم كيف تغيّر التكنولوجيا طبيعة التعلم ذاته».
تدعو نظرية التعلم الجديدة الجامعات إلى إعادة التفكير في سياساتها التعليمية بحيث تنتقل من التركيز على "نقل المعرفة" إلى "بناء المعرفة التفاعلي" بين الإنسان والالة. فهي تؤكد أن دور المؤسسات الأكاديمية لم يعد يقتصر على توفير المحتوى، بل على تصميم بيئات تعلم ذكية تُوظِّف أدوات الذكاء الاصطناعي لتعزيز التخصيص والتفكير النقدي معًا، ومن منظور سياساتي، يعني ذلك تطوير أطر جديدة للاعتماد الأكاديمي، وتدريب أعضاء هيئة التدريس على استخدام الذكاء الاصطناعي كمُيسّر للتعلم لا كبديل عن المعلم. وكما تتطلب النظرية وضع ضوابط أخلاقية وتنظيمية تضمن الاستخدام المسؤول للتقنيات الذكية داخل الفصول الدراسية لتحقيق الاهداف التربوية العامة والخاصة، وبهذا، تمثل هذه النظرية جسرًا بين الابتكار التكنولوجي والسياسات التعليمية المستدامة التي تحافظ على الطابع الإنساني للتعليم العالي.
وفي نهاية المطاف، إعادة التفكير في نظريات التعلم التقليدية ليست ترفًا أكاديميًا، بل ضرورة سياسية وتربوية، إذا أردنا أن تظل جامعاتنا قادرة على إعداد أجيال تفكر وتبتكر في عالم تحكمه الخوارزميات، فعلينا بناء نظريات تعلم تواكب الواقع الذكي الذي نعيش فيه.










