TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > أميركا توسّع استثماراتها في العراق.. حجر واشنطن يستهدف إيران والصين معاً

أميركا توسّع استثماراتها في العراق.. حجر واشنطن يستهدف إيران والصين معاً

قطاع الطاقة تحت أنظار ترامب!

نشر في: 9 نوفمبر, 2025: 12:08 ص

بغداد/ يمان الحسناوي
في ظلّ التغيّرات المتسارعة في المشهدين السياسي والاقتصادي، يشهد العراق تحوّلاً في طبيعة علاقاته مع الولايات المتحدة، حيث بات قطاع الطاقة يشكّل المدخل الأبرز لإعادة صياغة هذه العلاقة.
التوجّه الجديد لا يقتصر على توقيع العقود النفطية وتوسيع الاستثمارات، بل يرتبط بمحاولات واضحة لإعادة التموضع الأميركي في العراق من خلال الشركات، بعيدًا عن الأدوات التقليدية للنفوذ السياسي المباشر.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر دبلوماسية أميركية أنّ مارك سافايا، المبعوث الأميركي الجديد إلى العراق، كُلّف بملفٍّ حساس يتمثّل في عدم تجديد عقود شركات الطاقة الصينية العاملة في حقول النفط العراقية، وتهيئة الأرضية لعودةٍ واسعة للشركات الأميركية، بما يعكس تحوّلًا استراتيجيًّا في إدارة العلاقة بين بغداد وواشنطن.
من جانبه، أكّد عضو لجنة النفط والغاز النيابية، صبحي صباحي، أنّ العلاقات العراقية – الأميركية تمرّ بمرحلة إعادة تموضع، ترتكز على البُعد الاقتصادي كوسيلة لإعادة النفوذ الأميركي إلى الساحة العراقية.
وقال صباحي خلال حديثه: إنّ الولايات المتحدة بدأت تتعامل مع العراق بمنظور جديد يتجاوز الأطر السياسية التقليدية، ويركّز على الاستثمار والتأثير الاقتصادي، خصوصًا في ظلّ إدارة ترامب التي تنظر إلى العراق كبوابة استراتيجية للتوسّع في الشرق الأوسط.
وأشار إلى أنّ تعيين القائم بالأعمال الأميركي الجديد يتماشى مع هذا التوجّه، حيث تمّ إحياء مشاريع مؤجّلة، مثل مشروع الغاز العائم في الخليج، الذي يمثّل خطوة إيجابية نحو تقليل الاعتماد على الغاز الإيراني.
وفي وقتٍ سابق، رأى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّ العراق يواجه تحدّيات في إدارة ثروته النفطية الهائلة.
وقال ترامب: "لدينا العراق، بلد يمتلك الكثير من النفط، لديهم كميات هائلة لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون بها".
وأضاف في تعليقٍ دقيق: "وهذا بحدّ ذاته مشكلة كبيرة، عندما تملك الكثير ولا تعرف كيف تتصرّف به".
وجاءت هذه التصريحات خلال "قمة السلام" في القاهرة التي انعقدت بحضور عددٍ من القادة العرب والدوليين، بينهم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.
وعلّق صباحي على التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن النفط العراقي قائلًا: "هذه التصريحات غير مدروسة، فالعراق لا يملك فائضًا نفطيًّا كبيرًا، ويسعى إلى زيادة إنتاجه في إطار سقف منظمة أوبك لتغطية ديونه المتصاعدة".
وختم بالإشارة إلى أنّ "النفوذ الأميركي في المشهد السياسي العراقي، لا سيّما في ملفّ تشكيل الحكومة، سيبقى حاضرًا وربّما يتزايد، في ضوء المعايير التي تفرضها واشنطن على اختيار الشخصيات الوزارية، خصوصًا المرتبطة بالعقوبات أو ملفات الفساد".
بالإضافة إلى شركة "إكسون موبيل"، أعلنت "جنرال إلكتريك GE Vernova" الأميركية وغيرها من الشركات إبرام عقدٍ مع العراق لتوليد نحو 24,000 ميغاواط من الكهرباء، ضمن اتفاقية استراتيجية مع واشنطن، بالإضافة إلى مشروع طاقة شمسية.
وفي تموز/ يوليو 2025، وقّعت "شلومبرجير" الأميركية مع العراق لتطوير إنتاج حقل عكاز في الأنبار، حيث تستهدف زيادة الإنتاج إلى نحو 100 مليون قدمٍ مكعّبٍ قياسي يوميًّا، من هدفٍ نهائي يصل إلى 400 مليون قدم.
وفي آب/ أغسطس 2025، عقدت "شيفرون" الأميركية اتفاقًا مبدئيًّا مع بغداد لتطوير حقول استكشاف في ذي قار، مع هدفٍ أولي لإنتاج نحو 600 ألف برميلٍ يوميًّا خلال سبع سنوات.
ومنذ نيسان/ أبريل، استقبلت بغداد أكبر وفدٍ تجاري أميركي ضمن جهود تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية واستكشاف مجالات التعاون والاستثمار. وقال مستشار رئيس الوزراء للشؤون الفنية محمد الدراجي آنذاك: إنّ "زيارة الوفد التجاري الأميركي إلى العراق تمثّل نقطة تحوّلٍ مهمّة في العلاقات الاقتصادية بين بغداد وواشنطن"، مشيرًا إلى أنّ "الوفد يُعدّ الأكبر من نوعه من حيث عدد الشركات، ممّا يعكس الرغبة الأميركية الجادّة في التعاون الاقتصادي وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين".
من جهتها، شدّدت النائبة انتصار حسن، عضو لجنة النفط والغاز، على ضرورة أن تبقى العقود النفطية في إطارها الاقتصادي البحت، بعيدًا عن أيّ توظيفٍ سياسي أو اصطفافاتٍ إقليمية.
وقالت الجزائري: إنّ "العراق يصدر أكثر من 4.5 ملايين برميلٍ يوميًّا، وهذه الكميات تستدعي شراكاتٍ احترافية مع شركاتٍ عالمية مثل (سومو) والشركات الأميركية المعروفة بكفاءتها، ولكن بشرط ألا تكون هذه العقود غطاءً لأجنداتٍ سياسية".
وأضافت: "نرحّب بالشركات الأميركية شريطة ألا تكون لها ارتباطاتٌ تخالف ثوابت الدولة العراقية، خصوصًا من حيث العلاقات مع إسرائيل أو أطراف ذات أجندةٍ صدامية مع مصالحنا".
وأكدت أنّ العراق دولةٌ ذات سيادة، وعلاقاته مع إيران ودول الجوار مبنية على الاحترام والتفاهم، وليس من المنطقي تفسير كلّ خطوةٍ اقتصادية بأنّها موجّهة ضدّ طرفٍ إقليمي بعينه، مشيرةً إلى أنّ الحكومة العراقية تعمل على تعزيز بيئةٍ اقتصاديةٍ مستقلّةٍ تدعم السوق المحلي بعيدًا عن المحاور السياسية.
ويشير تقرير "مناخ الاستثمار في العراق لعام 2024" الصادر عن الخارجية الأميركية إلى أنّ البلاد "ما تزال بيئةً عالية المخاطر للاستثمار الأجنبي بسبب البيروقراطية، والفساد، وضعف تنفيذ القوانين التجارية، وانعدام الشفافية في العقود".
وتُعدّ شركة "إكسون موبيل" (ExxonMobil) النموذج الأبرز لتقلّب علاقة المستثمر الأميركي بالعراق. ففي عام 2009 دخلت الشركة بقوةٍ من خلال عقد تطوير حقل غرب القرنة/1، لكنها واجهت خلافاتٍ مع وزارة النفط حول شروط التعاقد وآليات استرداد النفقات، لتعلن انسحابها رسميًّا عام 2023.
لكن في الشهر الماضي، كشفت تقارير "بلومبيرغ" و"رويترز" عن عودة الشركة إلى التفاوض مع الحكومة العراقية من بوابة حقل مجنون في البصرة، حيث وقّع العراق رسميًّا اتفاقًا مع "إكسون موبيل" الأميركية في عودةٍ للشركة إلى العراق بعد انقطاعٍ دام عامين. وحسب "رويترز"، يشمل الاتفاق تطوير البنية التحتية لتصدير النفط العراقي في الجنوب، إضافةً إلى اتفاقٍ لتقاسم أرباح تجارة النفط الخام والمنتجات المكرّرة.
بدوره، اعتبر خبير الطاقة كوفند شيرواني أنّ التقارب المتزايد مع الشركات الأميركية يعكس رغبةً حكومية في تصحيح مسار العقود النفطية السابقة التي غلبت عليها الشركات الآسيوية، لا سيّما الصينية.
وأشار شيرواني إلى أنّ هناك انتقاداتٍ عديدة طالت وزارة النفط بسبب تركّز العقود وجولات التراخيص السابقة بيد الشركات الصينية، ممّا أضعف مبدأ التنوع في الشراكات. واليوم، يبدو أنّ العراق يتّجه إلى فتح المجال أمام الشركات الغربية، وعلى رأسها الأميركية.
وأضاف أنّ العقود الموقّعة مؤخرًا مع شركاتٍ مثل "شلومبرجير" و"شيفرون" تتيح للعراق الاستفادة من التقنيات المتطورة، وتُرسل في الوقت نفسه رسائل سياسية تعكس رغبةً في تلطيف العلاقات مع واشنطن التي شابها الفتور في السنوات الأخيرة.
وأشار إلى أنّ غياب التواصل الرفيع بين بغداد وواشنطن، واقتصار العلاقات على اتصالاتٍ محدودة، جعل من الضروري إعادة تنشيط هذه العلاقات من خلال الشراكات الاقتصادية التي قد تُسهم في إعادة بناء الثقة.
مهمة أميركية لتقليص النفوذ الصيني
وفقًا لمصادر دبلوماسية أميركية، فإنّ المبعوث الجديد إلى العراق، مارك سافايا، كُلّف مباشرةً بالإشراف على ملفّ الطاقة، مع توجيهٍ خاصٍّ من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعدم تجديد عقود الشركات الصينية، وعلى رأسها "تشونغمان" و"تشنهوا" و"جيو جيد".
وتُقدّر الاستثمارات الصينية في القطاع النفطي العراقي بأكثر من 51.3 مليار دولار حتى عام 2024، متوزعةً على الحقول الجنوبية الكبرى مثل حقل مجنون في البصرة وحقول ميسان، التي شهدت انسحاب شركاتٍ أميركية سابقة مثل "إكسون موبيل" و"شل".
لكن في خطوةٍ لافتة، عادت "إكسون موبيل" إلى التفاوض مع بغداد، ووقّعت اتفاقًا جديدًا في حقل مجنون لتطوير البنية التحتية لتصدير النفط، إلى جانب اتفاقٍ لتقاسم أرباح تجارة الخام والمشتقات.
وبحسب المصادر، فإنّ الإدارة الأميركية قلقة من خطة الصين لرفع صادرات النفط العراقي إلى 500 ألف برميلٍ يوميًّا بحلول 2030، ما دفعها لتحريك أدوات الضغط الاقتصادي لإعادة تموضعها في العراق عبر أدوات "النفوذ الناعم".
وفي أول بيانٍ له، أكّد سافايا أنّ "مستقبل العراق يجب أن يكون بيد دولةٍ ذات سيادةٍ كاملة"، داعيًا إلى توحيد القوات المسلحة ومنع أيّ نشاطٍ مسلحٍ خارج سلطة الدولة، في إشارةٍ واضحة إلى الفصائل المدعومة من إيران.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram