متابعة / المدى
رغم تخصيص تسعة مقاعد نيابية للأقليات في البرلمان العراقي، يؤكد مختصون أن مشاركتها تبقى رمزية وغير فاعلة، في ظل تراجع أعدادها داخل البلاد وهجرة معظم أفرادها إلى الخارج، ما أدى إلى ضعف تأثيرها السياسي واهتزاز الثقة بينها وبين المكونات الأخرى.
ويبلغ عدد مقاعد البرلمان العراقي 329 مقعداً، منها تسعة مخصصة للأقليات، توزعت على خمسة للمسيحيين في بغداد ونينوى وكركوك ودهوك وأربيل، ومقعد واحد للإيزيديين في نينوى، وآخر للصابئة المندائيين في بغداد، ومقعد للشبك في نينوى، وآخر للكرد الفيليين في واسط. ورغم أن الأقليات تمثل نحو 5 إلى 10 بالمئة من السكان وفق تقديرات غير رسمية، فإن مشاركتها السياسية لا تعكس هذا الوزن.
يرى الدكتور سعد سلوم، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية والمتخصص في شؤون الأقليات، أن بعض المقاعد المخصصة للأقليات تفوق حصتها الحقيقية بسبب الهجرة الواسعة. ويقول إن نحو 90 بالمئة من بعض المكونات تعيش خارج البلاد، مضيفاً أن «مشاركة الأقليات في البرلمان رمزية وغير فعالة، وإذا حسبنا تأثير من يعيش منهم في الخارج ستبدو الصورة مختلفة تماماً».
ويحذر سلوم من «بتر هذا الجزء المهم من المجتمع العراقي»، مؤكداً أن ضعف تمثيل الأقليات في صنع القرار الوطني يحرمها من الدفاع عن حقوقها الأساسية مثل الحريات الدينية والهوية والسيطرة على أراضيها التاريخية.
يشير سلوم إلى أن الديمقراطية لا تُقاس بحكم الأكثرية فقط، بل بقدرتها على حماية الأقليات، مستشهداً بالفيلسوف السياسي جون رولز الذي اعتبر ذلك من شروط العدالة السياسية. ويضيف أن المقاعد «اليتيمة» المخصصة لبعض الأقليات مثل الشبك والصابئة والإيزيديين لا تمثل تنوعهم الداخلي، في حين أن تمثيل المسيحيين بخمسة مقاعد يتيح مساحة أوسع لتعدد طوائفهم البالغ عددها أربع عشرة طائفة معترفاً بها قانوناً.
من جهة أخرى، حذرت منظمات دولية ومحلية من خطورة تراجع التنوع في العراق نتيجة الحروب والاضطرابات منذ عام 2003، وما تبعها من تهجير بسبب الحرب الأهلية في 2006 وسيطرة تنظيم داعش على مناطق واسعة في 2014. ويشير سلوم إلى أن «80 بالمئة من المسيحيين و90 بالمئة من الصابئة و30 بالمئة من الإيزيديين يعيشون اليوم في الخارج».
ويصف سلوم الأقليات في الخارج بأنها تمارس ما يسميه «دبلوماسية الدياسبورا»، إذ أسهم كثير من أفرادها في المنتديات الدولية وصنع القرار في الدول التي هاجروا إليها، ما جعلهم امتداداً ثقافياً لوطنهم الأم.
بعد اجتياح تنظيم داعش للموصل عام 2014، ظهرت فصائل مسلحة من أبناء الأقليات للدفاع عن مناطقهم، منها «كتائب بابيلون» الكلدانية ضمن الحشد الشعبي بقيادة ريان الكلداني، و«اللواء 30» من أبناء الشبك. غير أن هذه الفصائل لم تتخل جميعها عن السلاح بعد هزيمة داعش، إذ احتفظ بعضها به لدواعٍ سياسية أو اقتصادية، في ظل غياب الثقة بين المكونات العراقية.
ويقول سلوم إن «الثقة المجتمعية تعرضت لضربات بسبب داعش ولم تُرمم بعد، والثقة بين الفرد والسلطة غائبة أيضاً»، مشيراً إلى أن «العزوف عن الانتخابات يعكس هذا الانعدام في الثقة». ويؤكد أن إعادة بناء هذه الثقة تمثل التحدي الأكبر أمام الاستقرار السياسي والاجتماعي في العراق.
تتوزع الأقليات في أنحاء العراق، إذ يسكن المسيحيون تاريخياً في سهل نينوى وأربيل ودهوك والموصل وكركوك، إضافة إلى بغداد والبصرة وميسان. وتُقدّر البطريركية الكلدانية عددهم بنحو نصف مليون نسمة، رغم أن النسبة الأكبر منهم غادرت البلاد إلى أوروبا والولايات المتحدة.
أما الصابئة المندائيون، فهم من أقدم الديانات في بلاد الرافدين، ويُقدَّر عددهم المتبقين في العراق بين 40 و50 ألفاً، موزعين على محافظات الجنوب والوسط والشمال، بينما يعيش نحو 300 ألف منهم في الخارج.
الكرد الفيليون، وعددهم نحو مليون ونصف المليون، يتحدثون الكردية ويتبعون المذهب الشيعي، ويتركزون في بغداد وديالى وواسط والسليمانية وحلبجة. وقد تعرضوا خلال حكم البعث للتهجير القسري والاعتقال بدعوى أنهم من أصول إيرانية.
أما الشبك، فهم أقلية لغتها خاصة وثقافتها مميزة عن العرب والكرد والتركمان. يعيشون في سهل نينوى، ويمثل الشيعة نحو 80 بالمئة منهم والبقية من السنة.
الإيزيديون، الذين يعدّون من أكثر الأقليات تعرضاً للاضطهاد، عانوا مأساة كبرى مع اجتياح داعش لمناطقهم عام 2014، حيث تعرّضوا للقتل والسبي، واعتبر البرلمان الألماني ما جرى لهم إبادة جماعية. ويبلغ عددهم نحو مليون نسمة نصفهم تقريباً في العراق، خصوصاً في سنجار ودهوك، ويتحدثون الكردية بلهجتها الكرمانجية.
رغم تنوع الأقليات في العراق وتاريخها العريق، فإنها تواجه اليوم تحديات الوجود والتمثيل والهوية، في ظل استمرار ضعف الدولة المركزية وغياب العدالة السياسية التي تضمن المساواة الفعلية في الحقوق والفرص.
عن DW










