TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ثلاثة تحديات تواجه رئيس الحكومة العراقية القادم

ثلاثة تحديات تواجه رئيس الحكومة العراقية القادم

نشر في: 10 نوفمبر, 2025: 12:03 ص

د. فالح الحمــراني

يتوجه العراقيون غدًا الثلاثاء 11 تشرين الأول إلى صناديق الاقتراع للتصويت في انتخابات مجلس النواب، لكن استطلاعات الرأي تتوقع أن نسبة إقبال الناخبين ستكون منخفضة بشكلٍ قياسي، مما قد يُعقّد تشكيل الحكومة. وكما يشير محللون مهتمون بالشأن العراقي، فإن هذه الانتخابات تختلف عن الانتخابات السابقة؛ فقد انسحب السيد مقتدى الصدر من الساحة السياسية، وتخوض منظمة بدر التي يتزعمها السيد هادي العامري الانتخابات بشكلٍ مستقل، وضعفت كتائب حزب الله. ورغم التوترات المستمرة في المنطقة، فإن الوضع داخل العراق ذاته مستقر نسبيًا. وكانت فترة ولاية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أكثر هدوءًا من فترة أسلافه، وانتهت دون فضائح أو خيبات أمل، لكن نقص الكهرباء كان مصدر قلق لإدارته، التي أعلنت عن مشاريع بنية تحتية واسعة النطاق. ينتج العراق حاليًا ما بين 24,000 و28,000 ميغاواط من الكهرباء، وقد وقّع مؤخرًا عقدًا مع شركة جنرال إلكتريك الأمريكية لإضافة 24,000 ميغاواط بحلول عام 2028. ووقّعت شركتا الطاقة الأمريكيتان العملاقتان شيفرون وإكسون موبيل مؤخرًا اتفاقيات استكشاف وتطوير. ووصف سايمون واتكينز من موقع OilPrice.com عودة إكسون موبيل إلى العراق بأنها "تحول جيوسياسي كبير يُشير إلى تجدد المشاركة الغربية". ومن المرجح أن تضع هذه التطورات إيران على رأس جدول أعمال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لم يلتقِ السوداني بعدُ في بغداد أو واشنطن. وسيواجه رئيس الوزراء العراقي القادم، أيًّا كان من سيتولى المنصب، ثلاثة تحديات حرجة: أزمة المياه، والعلاقات مع الولايات المتحدة، والتفاعل الإقليمي مع إيران.
التغلب على أزمة المياه
تُعدّ مشكلة العراق الأكثر إلحاحًا هي نقص المياه، إذ يحصل العراق على ما يقرب من 75 % من مياهه العذبة من تركيا وإيران عبر نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من أعالي النهرين. يُحذر تورهان المفتي، مستشار السوداني لشؤون المياه، من أن ضعف العراق ينبع من هذه التدفقات العابرة للحدود. في غضون ذلك، تراجعت تدفقات المياه من تركيا إلى نهر دجلة خلال عامين. في أكتوبر 2025، توصلت بغداد وأنقرة إلى اتفاقية أولية لتقاسم المياه، تتضمن إعادة تأهيل البنية التحتية من قبل الشركات التركية، وإنشاء مجموعة استشارية دائمة لتنسيق قرارات تقاسم المياه المستقبلية. ومع ذلك، كان عام 2025 هو العام الأكثر جفافًا في العراق منذ عام 1933، بسبب قلة هطول الأمطار وبناء السدود في تركيا وإيران، وانخفضت مستويات المياه في نهري دجلة والفرات بنسبة 27٪. تحتوي الخزانات حاليًا على أقل من 8 مليارات متر مكعب من المياه، وهو أدنى مستوى لها منذ ثمانية عقود. أوقفت الحكومة في أيلول زراعة القمح بسبب نقص المياه. ويواجه جنوب العراق، وخاصة البصرة التي يقطنها 3.5 ملايين نسمة، أزمة إنسانية متزايدة، حيث يعتمد السكان على المياه المستوردة. أهوار بلاد ما بين النهرين، التي كانت شاسعة في السابق والمدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، تتراجع، مما يهدد التنوع البيولوجي ويؤدي إلى نزوح السكان.
ويُلحق ارتفاع الملوحة الضرر بالمزارعين ومربي الماشية. وتُفيد المنظمة الدولية للهجرة بأن تسرب المياه المالحة يُدمّر الأراضي الزراعية وبساتين النخيل والحمضيات. ويُهدد هذا التدهور البيئي بعدم الاستقرار الاقتصادي والاضطرابات الاجتماعية، لا سيما في المناطق الريفية.
قد يتمثل أحد الحلول في استئجار الأراضي الزراعية في الخارج، على غرار المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتين تُزرعان محاصيل في أفريقيا للحفاظ على موارد المياه المحلية. ومع ذلك، قد يُفاقم هذا الأمر المشكلات الداخلية في العراق ويؤدي إلى نزوح المجتمعات الزراعية المكافحة.
موازنة العلاقات مع الولايات المتحدة
انسحبت القوات الأمريكية من العراق عام 2011، لكنها عادت عام 2014 لمحاربة تنظيم داعش. ووعدت واشنطن بتحقيق "الهزيمة الدائمة" بداعش، وهي مهمة تُبرر استمرار مرابطة القوات الأمريكية لأمدٍ طويل. وبموجب اتفاقٍ أُبرم مؤخرًا، بدأت القوات القتالية الأمريكية الانسحاب في أيلول 2025، ومن المتوقع انسحابها الكامل بحلول أيلول 2026. ومع ذلك، ستبقى وحدات صغيرة في كردستان العراق وفي قاعدة عين الأسد الجوية للمشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب. ودعا وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في تشرين الأول السيد محمد شياع السوداني إلى "نزع سلاح" قوات الحشد الشعبي، وهي قوة قوامها 240 ألف جندي شُكِّلت لمحاربة داعش بميزانية سنوية تُقدَّر بحوالي 3.5 مليارات دولار. وضغطت الولايات المتحدة على المشرعين العراقيين للتخلي عن مشروع قانون كان من شأنه أن يضع قوات الحشد الشعبي تحت السيطرة الحكومية الكاملة، ورغم الانقسامات الداخلية لعبت أيضًا دورًا في فشل مشروع القانون. وصرّح السيد محمد شياع السوداني مؤخرًا أن الجماعات المسلحة أمام خيارين: الانضمام إلى الأجهزة الأمنية الرسمية أو الانتقال إلى النشاط السياسي بدون سلاح.
لقد كلف غزو العراق واحتلاله الأمريكيين أكثر من 4400 قتيل وأكثر من 3 تريليونات دولار. وتواجه الولايات المتحدة الآن "فخ التدخل" - حلقة مفرغة يُسبب فيها التدخل مشكلاتٍ جديدة يُجبر صانعو السياسات على التعامل معها بلا نهاية. لا يزال العراق عالقًا في هذه الحلقة المفرغة: واشنطن تريد المغادرة، لكنها لا تستطيع المخاطرة بذلك.
كيفية إبعاد العراق عن الصراع الأمريكي الإيراني
التحدي الثالث الذي تواجهه الحكومة العراقية الجديدة هو تجنّب التورط في التنافس طويل الأمد بين الولايات المتحدة وإيران. سعت واشنطن بعد الثورة الإسلامية عام 1979 إلى تصحيح ما اعتبرته إذلالًا وطنيًا: الإطاحة بحليفها، شاه إيران، وأزمة الرهائن التي تلت ذلك واستمرت 444 يومًا، والتي يُقال إنها أثرت في نتيجة الانتخابات الرئاسية عام 1980. وشنّ الجانبان على مدى عقود حربًا سرية - من العقوبات والهجمات الإلكترونية إلى الاغتيالات والعقوبات الاقتصادية. تُعتبر صواريخ إيران الباليستية وطائراتها المسيّرة وبرامجها النووية الآن مبررًا للولايات المتحدة لمواصلة سياسة الاحتواء. في يونيو 2025، استهدفت الغارات الجوية الأمريكية ثلاث منشآت نووية إيرانية، وزعم الرئيس دونالد ترامب أن العملية "دمّرت" البرنامج النووي الإيراني، على الرغم من أن الاستخبارات العسكرية الأمريكية كانت أقل يقينًا. في غضون ذلك، أفادت التقارير بأن إسرائيل، أقرب حليفٍ للولايات المتحدة في المنطقة، تواصل عمليات الاغتيال والعمليات السرية ضد العلماء والمنشآت الإيرانية.
يُواجه العراق خطر أن يصبح ساحة معركة بالوكالة. دعا النائبان في مجلس النواب الأمريكي جو ويلسون (جمهوري عن ولاية كارولاينا الجنوبية) وجريج ستيوب (جمهوري عن ولاية فلوريدا) في أيار 2025 إلى فرض عقوبات على العراق كجزء من حملة "الضغط الأقصى" على إيران. ودعوا إلى فرض عقوبات صارمة على الحرس الثوري الإسلامي، ومعظم القطاعين المصرفي والنفطي العراقيين، ووزير المالية، و"أنصار إيران في العراق"، ورئيس المحكمة الاتحادية العليا في العراق، ورؤساء الوزراء السابقين - في هجومٍ على اقتصاد العراق وسيادته.
إن شعار المشروع السياسي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني هو "العراق أولًا"، لكن بالنسبة لواشنطن، العراق أداة للضغط على إيران، وكل الأموال التي تُنفق والجنود الذين يُقتلون تُبرر حق استعمال القوة. بيد أن هذه الديناميكية تهدد الاستقرار الوطني للعراق. وسيتعين على رئيس الوزراء القادم التوفيق بين الولايات المتحدة وإيران المجاورة للحفاظ على استقلال العراق الهش. وسيُصبح وضع قوات الحشد الشعبي القضية الأكثر إثارة للجدل في العلاقات الأمريكية العراقية، إذ نسي الأمريكيون ما سيحدث في البلاد عندما تُسرَّح من دون تخطيط وبصورة عاجلة مجموعة كبيرة من الرجال المسلحين جيدًا.
ورغم الهدوء النسبي والاستثمارات الأجنبية الجديدة الكبيرة في عهد السيد محمد شياع السوداني، لا يزال العراق يُواجه نقصًا في المياه، وإصلاحاتٍ أمنية غير مكتملة، وتهديدًا مستمرًا بالانجرار إلى صراعاتٍ إقليمية ودولية، ويعود ذلك أساسًا إلى السياسة الحمقاء للنظام الدكتاتوري السابق، بالإضافة إلى العقوبات الغربية والهجمات العسكرية. ولن تُحدد نتائج الانتخابات مستقبل العراق بصورةٍ مباشرة، بقدر ما سيُحدده التوازن بين الحاجات الحيوية الداخلية والضغوط الخارجية، ولا سيما من الولايات المتحدة وإيران.
تعود الأفكار والمعطيات الواردة في المقال إلى دراسة نشرها معهد الشرق الأوسط بعنوان "بصدد مشاكل العراق المعاصر".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram