طالب عبد العزيز
مع أنَّ الخلطة غير المتجانسة هي الصفة العامة للمرشحين في الدورة الانتخابية الحالية، فهي نسيج غريب، ينطبق عليه المثل العراقي (من كل زيج رَكَّه)، أو هي (زبالة الخيّاط)، إلا أنه وبعد ست دورات انتخابية، يُفترض أن يكون الناخب العراقي أكثر دراية ومسؤولية، وأنَّ مستقبل البلاد يتوقف على صندوق الاقتراع، لا على العواطف والميول، فهناك زمن يتخلق خارج أزمنة الولاء والعواطف الدينية الفارغة.
أنتجت العملية السياسية في العراق، ومنذ عام 2004، أسوأ أنواع الحكومات وأكثرها تخلفاً؛ عبر ترسيخ الطائفية والمحاصصة الحزبية والزبائنية وغيرها، وهذه الصفات باتت عرفاً، ثم تحولت (قانوناً) لا يجرؤ أحدٌ على المساس به، لأنَّها خصيصة وصنيعة كل الأطراف السياسية، في شبه عقد اجتماعي، شعارهم (هذه لي وهذه لك)، حتى غدا المشهد برمته لا يعمل تحت مبدأ أو يافطة الفئة والحزب والطائفة، إنّما الانتفاع والقدرة على إبقاء الحضور في الموقع الفلاني من أجل ثراءٍ أكثر وهيمنةٍ على هذه الوزارة وتلك، فلا مراعاة لمصلحة عامة، ولا تفكير بانتقالة أفضل، لأنَّ الوطن والمواطن والمستقبل بحسابهم سلعةٌ تُباع وتُشترى بحسب مشيئة خارجية، وعلى وفق معادلة (أمريكا = إيران).
لكنَّ هذا لا يعني خلوّ المشهد من عناصر الخير والمهمومين بشأن البلاد، من الذين يؤرّقهم أنَّ العراق تحوّل إلى ساحة صراعات وخيبات متتالية، وهناك عشرات الأمثلة الحزبية والشخصية التي تسعى، وبقدرات مختلفة، إلى صنع موضع قدمٍ لها، وإن كانت بحجومٍ متواضعة، إذْ لم يترك الحيتان لهم المساحة الممكنة للتحرك، فالمال والجاه والسلاح والعراق ملكٌ عضوض عند هؤلاء الحيتان، ولا تبرئة هنا للمواطن الناخب، هذا الذي تم استثماره عند الكتل الحزبية بوصفه (وظيفة) متحركة، تنتقل بين يدي هذا وذاك، لا يفكر بأبعد من ذلك، لأنَّه يعتقد بأنَّ اسمه في بودرة الراتب بوزارة المالية كموظف، وإنْ بدرجة (كنّاس)، هو الضامن الوحيد لمعيشته، وهكذا تم التحكم به.
ويبدو أنَّ ما أسّس له هؤلاء ما زال قائماً حتى انتخابات 2025، وما نلاحظه على صفحات كبار المرشحين من وعود يشير ويؤكد ذلك، الأمر الذي أفقر العديد من القوائم المخلصة والحقيقية، والتي تسعى لتكون قادرةً على المنافسة، لكنْ أنّى لها ذلك؟ فالمواطن العراقي يريد الذي يملأ كيسه بالنقود وإن كانت أحلاماً وأوهاماً، بعد أن باتت الوعود لديه أعلى مرتبة من كرامة ومستقبل البلاد! ما يحدث في العراق لا يمكن تغييره في صندوق الانتخابات، ومن يعوّل على الصندوق كمن (ينتظر من بارح مطراً). لهذا، يبحث العراقيون عن معجزة؛ لن تأتي بها الصناديق أبداً، فقد أثبتت التجارب الانتخابية الخمس مصداق ما نقول به، لأنَّ الأمر بيدٍ خارجيةٍ كبيرة، والمؤشرات كلها تشير إلى أنَّ الرئيس القادم لن تُفرزه مخرجات الصناديق.
من حيث المبدأ، يتمحور الوضع العراقي حول منصب رئيس الوزراء، أما رئاسة الجمهورية والبرلمان فلا أثر لهما في المتغيرات، ولعله من حسن حظ العراقيين أنَّ أحزاب الإسلام السياسي، المسلحة وغير المسلحة، الفصائل والميليشيات، باتت بلا قيمة وطنية تُذكر، فلسنا في جنوب لبنان لكي نقاتل إسرائيل، ولسنا في تقاتلٍ طائفيٍّ داعشيٍّ مع سوريا، فالأخيرة حسمت أمرها، وباتت تحت المظلة الأمريكية! ولن نحارب إيران أو الأردن أو الكويت أو السعودية، لهذا ستجد الفصائل نفسها محرجةً، فهي إمّا أن تتخلى عن سلاحها وتندمج في الحراك السياسي، وإمّا تواجه رفضاً داخلياً شعبياً ونقمةً خارجيةً – أمريكية على وجه التحديد. لهذا، وبحسب المعطيات مجتمعةً، لن يكون الرئيس القادم مسلّحاً، وإنْ جمع أصوات العراق كله.










