TOP

جريدة المدى > عام > أدب الطفل في العراق: من غياب المنهج إلى سؤال الفلسفة

أدب الطفل في العراق: من غياب المنهج إلى سؤال الفلسفة

نشر في: 12 نوفمبر, 2025: 12:02 ص

عبدالكريم يحيى الزيباري
جلسة نقدية خاصة بأدب الطفل. اتحاد الأدباء والكتّاب في العراق. عصر الأربعاء 5 تشرين الثاني 2025، بإدارة «لؤي أمين»، وبحضور عدد من الباحثين والنقاد المهتمين بتأصيل منهج كتابة أدب الطفل. والعنوان اختاره « طالب كاظم» لورقته «اختلاف الرؤية وغياب المنهج». لم يوضّح المقصود بالمنهج، التربوي أم النقدي أم التأليفي، ولم يُحلِّل البنية الثقافية التي أسهمت في غياب المنهج.
بين نزوعه إلى الصرامة ونفوره من الوعظ، يتأرجح «كاظم» على خيطٍ دقيق يفصل المنهج كقانونٍ وإطار ضبطي لتقنين الفوضى، يتقاطع مع استثارة الأسئلة والتجريب كحريّة. فحين يتشدّد المنهج يذبل الخيال، وحين ينفلت التجريب يضيع المعنى. المنهج الحيّ يصوغ النظام من داخل الحرية، لا ضدّها. والمطلوب ليس منهجًا يُوجّه الأدباء، بل منهجًا يتيح للطفل أن يُوجَّه الأدب نحوه.
قدّم أدبَ الطفل بوصفه مسارًا تعليميًا يُعنى بالتلقين، لا كمساحة لابتكار العالم، فتعامل مع الطفل كمتلقٍّ ينتظر التوجيه لا ككائنٍ وجوديٍّ فاعلٍ يصوغ لغته ورؤيته الخاصة. الطفل ذاتٌ مبدعة قارئة تُنتج المعنى عبر التجربة واللعب. تقاطع «عمر السراي» (كلنا أطفال أمام الجمال). فلسفة اللعب والخيال تقوم على إشراك الطفل في التأليف والاكتشاف والاختبار، لا على عزله خلف جدار الحماية، غياب المبدأ الإنساني يضعف الوثيقة ويُفرغها من بعدها الإبداعي.
ينطلق التصوّر من فرضيةٍ أخلاقية، ترى في أدب الطفل أداةً للتقويم لا مجالاً للتأمل، إذ تُختزَل الطفولة إلى موضوعٍ تربويٍّ تُلقى عليه القيم من الخارج. غير أنّ القيمة الجمالية لا تُستمدّ من التلقين بل من التجربة، والأدب لا يُنتج الأخلاق عبر الوعظ، بل بإثارة التساؤل، حيث يصبح الجمال طريقًا إلى الخير لا نقيضًا له. فكلّ تجربة فنية حقيقية هي تمرين على الحرية، والحرية شرط إنساني أول للفعل الأخلاقي.
ويغلب التعميم المفرط والأحكام غير الموثقة (غالباً نحن نكتب وفق الذائقة السائدة) و(ما زلنا نكتب كوعّاظ) بدون أمثلة ولا إحصاءات ولا أسماء نصوص. وقفزة من التشخيص إلى الوعظ (يجب أن نصنع منهجًا علميًا). من دون توضيح الإطار المفاهيمي لهذا المنهج أو آلياته.
« د. رضا كامل الموسوي» تحدث عن «المرتكزات السبع للمنهجية الوطنية في كتابة أدب الطفل في العراق».
المرتكزات متوازنة نظريًا، بلغةٍ خِطابية مباشرة تؤكد الحاجة الملحّة إلى إطار وطني ينهض بأدب الطفل، لكنها تفتقر إلى آليات تنفيذ ومعايير قابلة للقياس وتتبّع الأثر. فكل مرتكز يتطلب أن تقابله مؤشرات: ففي المرتكز اللغوي، نسبة المفردات المألوفة وطول الجملة وتكرار الإيقاع. وفي المرتكز الجمالي، حجم الصفحات المصوّرة ووضوح التباين البصري ونتائج اختبارات سهولة القراءة.
وافتقارها إلى إحصاءات، كما نوّهت «د. فاتن الجراح» إلى أهمية الأرقام والإحصائيات، واستدرك «كاظم» حديثًا شيَّقًا عن تاريخ مجلة (مجلتي) وأسماء القامات التي اشتركت في تحريرها من الأدباء والفنانين.
وأذكر من جانبي تجربة مجلبة «كَبر»، وتأثر «د. ياسر حسن» أستاذ الأدب الحديث في جامعة دهوك، بمجلة (مجلتي) وفخره بنصوصه التي نشرتها المجلة منذ أكثر من ثلاثة عقود، وتأثيرات المجلة على توجهاته الأدبية.
الجمال ليس زينة للنص، هو طريقة للمعرفة. يحتاج أدب الطفل إلى تصور واضح لعلاقة الصورة بالمعنى، كذلك الإيقاع واللعب السردي أدوات لتوسيع خبرة الطفل ومخيلته لا لتزيينها.
المرتكز المؤسسي، يغامر بإنتاج بيروقراطية ثقافية، إنْ لم يقترن بآليات شفافية ومساءلة ومشاركة مجتمعية. ينبغي تحديد معايير تضارب المصالح. دور النقابات المهنية. تمثيل المناطق غير المركزية. مشاركة المعلمين والأهالي والأطفال.
وإذا كانت ورقة كاظم قد طرحت الإشكالية من زاوية غياب المنهج، فإنّ المداخلات وسّعت النقاش إلى أفقٍ فلسفي أعمق: «د. عارف الساعدي»، (إذا لم تخصص موازنة محترمة لأدب الطفل قريبة من موازنة الأمن الوطني والقومي، سيظل أدب الطفل يتعثر». «علي حسن الفواز»، (الهوية في أدب الطفل، ينبغي أنْ تظلَّ بعيدة عن الشحن، قابلة للحوار، فالانتماء بوصفه أفقاً للتعاطف والعدالة والقدرة على رؤية المختلف، أفضل من «صور الانتماء إلى مركزيات دينية وطائفية وأبوية وعائلية وأيديولوجية، التي تلقي تبعاتها على المناطق الرخوة في الهوامش الاجتماعية كالمرأة والطفل). «عمر السرَّاي» أكَّد دعم اتحاد الأدباء، واستعداده لنشر سلسلة كتب في أدب الأطفال، وتشكيله لجنة لتقييم الكتب.
القضية تتجاوز غياب المنهج إلى غياب رؤيةٍ فلسفية تجعل أدب الطفل مشروعًا لبناء الإنسان، لا ترفًا جماليًا، فضعف البنية المؤسسية والتربوية وتهميش التنوع اللغوي يكشف عجز السياسات الثقافية والاقتصادية عن إدراك أدب الطفل كاستثمار في المستقبل.
أدب الطفل العراقي يتأثر بالبيئة المأزومة: العنف، الفقر، النزوح، الخطاب الطائفي، الانقسام اللغوي. لم يشر الباحث إلى هذه العوامل التي تشكّل وعي الطفل وتحدد أفق النص.
د. «زينب عبدالأمير»، تحدثت عن الأخلاق التربوية والأخلاق التقريرية، وكانت تميل إلى التحوّط والمنع، من جانب تربوي نفسي أكاديمي، في تقاطع مع تحوطات «د. رضا الموسوي». لكن حماية الطفل لا تعني تطهير العالم من تعقيده بل تهيئة الطفل لفهمه، والتربية الجمالية والأخلاقية تقوم على خبرة موجهة لا على رقابة شمولية.
أدب الطفل هو اختبارٌ لفلسفة الإنسان العراقي في النظر إلى الطفولة لا لمهارة الكتابة وحدها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

بروتريه: فيصل السامر.. قامة شامخة علماً ووطنيةً

موسيقى الاحد: 250 عاماً على ولادة كروسيل

الحكّاء والسَّارد بين "مرآة العالم" و"حديث عيسى بن هشام"

في مجموعة (بُدْراب) القصصية.. سرد يعيد الاعتبار للإنسان ودهشة التفاصيل الصغيرة

شخصيات اغنت عصرنا.. الملاكم محمد علي كلاي

مقالات ذات صلة

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة
عام

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

أدارت الحوار: ألكس كلارك* ترجمة: لطفية الدليمي يروى كتابُ مذكرات لي ييبي Lea Ypi ، الحائز على جائزة، والمعنون "حُرّة Free" تجربة نشأتها في ألبانيا قبل وبعد الحكم الشيوعي. أما كتابُها الجديد "الإهانة indignity"...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram