TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > شاب من السماوة يحوّل حبه للتمور إلى مصدر رزق يفاخر به

شاب من السماوة يحوّل حبه للتمور إلى مصدر رزق يفاخر به

نشر في: 13 نوفمبر, 2025: 12:02 ص

 السماوة / كريم ستار

 

في ظل تراجع فرص العمل وارتفاع نسب البطالة في محافظة المثنى، تمكن الشاب محمد علي من مدينة السماوة من تحويل شغفه بالتمور إلى مشروع متكامل أصبح مصدر رزق دائم له ولعائلته، ومثالاً على الإصرار والابتكار في مواجهة التحديات الاقتصادية.

 

يروي محمد علي، وهو في العشرينات من عمره، قصته بحماس قائلاً: «التمور مهنة توارثناها من أجدادنا، لكنها بالنسبة لي لم تكن مجرد مهنة تقليدية، بل شغف حقيقي. منذ طفولتي وأنا أرافق والدي إلى بساتين النخيل على ضفاف نهر الفرات، وهناك تعلّمت أسرار العناية بالنخيل وجني التمر وتخزينه».
يقع محل محمد في قلب مدينة السماوة، على الشارع العام الذي يربط الصوب الصغير بالصوب الكبير عند تقاطع القشلة. ورغم بساطته، أصبح المحل مقصداً لعشاق التمور بأنواعها، حيث يعرض محمد أصنافاً عراقية أصيلة مثل «البرحي» و«المكتوم» و«البلگة» و«البرين»، ويعتني بعرضها في علب أنيقة وصناديق مزخرفة بألوان زاهية تعكس روح التراث العراقي.
يقول محمد: «بدأت عملي ببساطة، كنت أبيع كميات صغيرة من التمر الذي نقطفه من بساتين العائلة، لكن مع الوقت طورت أسلوبي في التغليف والعرض. تعلمت كيف أجهز التمور بطريقة حديثة وصحية وأقدمها بما يليق بذوق الزبائن. اليوم لدي زبائن من السماوة والنجف والديوانية، بل وحتى من بغداد».
ويضيف أنه لا يكتفي بالبيع المباشر، بل يقدم خدمة التوصيل بنفسه قائلاً: «أحرص على أن تصل البضاعة إلى الزبون كما لو كان يشتريها من المحل. أزيّن التمور في صناديق فاخرة وأرسلها عبر سيارات مرآب السماوة الموحدة. أحب أن أضع لمستي في كل علبة، لأني أعتبرها رسالة حب من السماوة إلى بقية المحافظات».
تمر عملية إعداد التمور بمراحل دقيقة وطويلة، تبدأ من جني الثمار في شهور الصيف الحارة من تموز فصاعداً، ثم تنظيفها من الشوائب وتجفيفها، لتأتي مرحلة «الكبس» التي تُعبأ فيها التمور بإحكام في أكياس وعلب خاصة لتصبح جاهزة للعرض والبيع. ويقول محمد: «العمل يبدأ من البستان وينتهي في المحل. نحن نعتني بكل تفصيل، من لحظة قطف التمر حتى عرضه للزبون. وهذا ما جعلنا نكسب ثقة الناس ورضاهم».
عبد الله حسين، أحد الزبائن الدائمين، يقول: «أحب شراء التمور من محل محمد لأنني أجد فيها نكهة الأصالة. التمر طازج ونظيف ومعبأ بعناية. الأهم أن التعامل معه راقٍ وصادق، وهذا نادر اليوم».
أما حسن مطر، أحد الزبائن الدائمين أيضاً، فيرى أن مثل هذه المبادرات الفردية تمثل بارقة أمل، مضيفاً: «في ظل قلة الفرص الحكومية، نحتاج إلى تشجيع الشباب على العمل الحر. ما يقوم به محمد علي نموذج جميل يستحق الدعم، خاصة أنه يجمع بين التراث والعمل الحديث».
تعد محافظة المثنى من أهم المحافظات المنتجة للتمور في العراق، إذ تنتشر بساتين النخيل على ضفاف الفرات، إلا أن ضعف التسويق وغياب الدعم الحكومي جعلا كثيراً من المزارعين يهملون هذه الثروة. ويرى عبد الزهرة عواد، أحد أصحاب البساتين، أن تجربة محمد يجب أن تكون ملهمة، قائلاً: «هذا الشاب ذكّر الناس بقيمة التمر العراقي. نحن بحاجة إلى من يربط بين المزرعة والسوق ويقدم التمور بطريقة تليق بسمعتها التاريخية».
ويطمح محمد علي إلى توسيع مشروعه وافتتاح متجر إلكتروني لتسويق التمور خارج حدود المحافظة، مؤكداً: «أحلم أن أصل بمنتجي إلى كل بيت عراقي، بل حتى خارج العراق. التمر ثروة وطنية، وإذا عملنا بجد يمكن أن نصنع منه علامة تجارية ترفع اسم السماوة».
وفي ختام حديثه، ينظر محمد إلى رفوف محله المزيّنة بعلب التمور بعينين يغمرهما الفخر، قائلاً بابتسامة: «هذه ليست مجرد تجارة، إنها قصة حب بيني وبين النخيل، وبين السماوة وتراثها».
بهذه الروح المفعمة بالعزيمة، يثبت الشاب محمد علي أن النجاح لا يحتاج إلى رأس مال كبير بقدر ما يحتاج إلى الإصرار والشغف، وأن العمل اليدوي إذا أُنجز بإخلاص يمكن أن يتحول إلى قصة نجاح تُروى بفخر على ضفاف الفرات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram