ترجمة: المدى
وفقاً لمنظمة “مجموعة عمل حماية الطفل CP AoR” فإنه بعد عامين من تصاعد الأعمال العدائية في غزة، وانهيار أنظمة التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، إضافة إلى النزوح والصدمة المتكررة، فقد تآكل شعور الأطفال بالاستقرار والأمان، وهم بحاجة إلى جهود مستدامة وطويلة الأمد للتعافي.
حيث تم إنشاء ثلاثمئة وثلاثة مرافق مؤقتة في غزة بدلاً عن المدارس التي دُمّرت، وذلك لتقديم التعليم للأطفال. وتوفّر مساحات التعلّم المؤقتة (TLS) التعليم لـ154 ألف طفل. ورغم أن ذلك يمثل أقل من ربع عدد الأطفال في سن الدراسة في غزة، فإنها تُعتبر كبداية. التعليم يحظى بقيمة عالية لدى الفلسطينيين. كما يعمل 4 آلاف و300 معلم في هذه المرافق المؤقتة.
وعقب وقف إطلاق النار الساري منذ 10 أكتوبر (تشرين الأول)، أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ووزارة التربية والتعليم العالي عن استئناف العملية التعليمية تدريجياً.
وتشير الأرقام إلى حجم الكارثة؛ حيث دُمّرت أكثر من 179 مدرسة حكومية بشكل كامل، وتضررت مئات أخرى، بينما قُتل ما يزيد على 18 ألف طالب وطالبة.
وتقوم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أيضاً بتوفير خدمات تعليمية رقمية؛ إذ يستخدم 7,600 معلّم التكنولوجيا لتقديم دروس في اللغة العربية والرياضيات لحوالي 294 ألف طفل. كما أن جامعتين تعملان حالياً على تقديم بعض المحاضرات الحضورية.
يُعتبر التعلّم واللعب أمرين ضروريين لإعادة قدر من الاستقرار إلى حياة الأطفال الذين تغيّرت حياتهم بالكامل قبل أكثر من عامين. لقد أُبيدت مجتمعات بأكملها. وتحت أنقاض منازلهم السابقة ترقد بقايا بشرية وذخائر غير منفجرة.
لقد تعرّض أطفال غزة لصدمة عميقة جراء تدمير كل ما كان مألوفاً لديهم، وشهدوا أموراً لا ينبغي لأحد، وخصوصاً الأطفال، أن يراها.
وفي تقييم أجرته منظمة حماية الأطفال (CP AoR) في أيلول 2025، كانت الأعراض الأكثر انتشاراً بين الأطفال هي السلوك العدواني بنسبة 93%، والعنف تجاه الأطفال صغار السن بنسبة 90%، والكآبة بنسبة 86%، واضطراب النوم بنسبة 79%، والابتعاد عن التعليم بنسبة 69%.
كما قال مقدّمو الرعاية إنهم يشعرون بالإرهاق وغير قادرين على توفير الدعم العاطفي الكافي. واستناداً إلى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد وُجد أيضاً أن الفتيات والأطفال ذوي الإعاقة يواجهون مخاطر متزايدة من العنف والإهمال، ومن الوصول غير الآمن إلى مرافق المياه والصرف الصحي (WASH)، خصوصاً في الملاجئ المكتظة ومواقع النزوح غير الرسمية.
وقد فُصل العديد من الأطفال عن عائلاتهم. فمن بين 1,344 طفلاً كانوا يتلقون الرعاية، تم لمّ شمل 166 طفلاً مع أفراد أسرهم، وتم وضع 215 طفلاً في رعاية بديلة مؤقتة.
سيحمل الأطفال آثار إبادة غزة خلال العامين الماضيين ليس نفسياً فقط، بل جسدياً أيضاً. فمن أصل 6,000 عملية بتر أُجريت منذ بدء القصف الإسرائيلي، يشكّل الأطفال ربع العدد — أي 1,500 طفل فقدوا طرفاً واحداً أو أكثر.
ورغم كل هذه الفظائع، فقد اجتمع أهل غزة معاً لدعم بعضهم البعض. قامت الأمهات والشباب بإنشاء مجموعات تعليم ولعب غير رسمية لتوفير أنشطة تلبي احتياجات الأطفال الذهنية والعاطفية. إنه مشهد هائل من الصمود في مواجهة دمار لا يمكن تخيّله، ووحشية تُنزلها الغارات الإسرائيلية عليهم.
في مدارس مثل “الحساينة” بالنصيرات و”دير البلح” الأساسية، يفترش التلاميذ الأرض في صفوف مكتظة تفتقر لأبسط المقومات من مقاعد وكتب. ورغم ذلك، تبدو السعادة على وجوههم وهم ينسخون دروسهم من ألواح قديمة.
يمثل وجود النازحين في المدارس التحدي الأكبر والأكثر تعقيداً. ففيما تحاول إدارات المدارس تخصيص فترات صباحية للتعليم، تتحول هذه المباني مساءً إلى مأوى لعشرات العائلات التي فقدت منازلها. هذا الواقع المزدوج يخلق بيئة غير مستقرة، حيث يختلط ضجيج الحياة اليومية للنازحين بمحاولات المعلمين لخلق جو دراسي.
وتعكس شهادات الطلاب حجم الإصرار والرغبة في التعلّم. تقول الطالبة رؤى عبود: “ما نحتاجه الآن هو الدفاتر والكتب والأقلام. نريد أن نستعيد حياتنا”. أما زميلتها أسيل حنونة فتضيف: “نريد أن نتعلم ونلعب، وأن ندرس كل المواد كما كنا من قبل. الآن ندرس فقط العربية والإنجليزية والرياضيات”. هذا الاختصار في المناهج هو أحد الحلول المؤقتة التي لجأت إليها السلطات التعليمية للتعامل مع نقص الكوادر والموارد.
في مواجهة هذه الكارثة التعليمية، تتحدث وزارة التربية والتعليم عن تحديات غير مسبوقة. يؤكد الدكتور مجدي برهوم، الناطق باسم الوزارة، أن الجيش الإسرائيلي تعمّد استهداف العملية التعليمية بكل مكوناتها، مما أدى إلى حرمان 650 ألف طالب من التعليم لعامين كاملين، وخروج أكثر من 95% من المدارس عن الخدمة.
ويضيف برهوم أن الوزارة تخوض ما أسماها “حرباً أخرى” عبر تطبيق بدائل طارئة. ويوضح: “لقد أطلقنا نقاطاً تعليمية في خيام النزوح، ووفرنا التعليم عن بعد عبر منصات لمن يملكون القدرة على الوصول إليها، كما أنشأنا مدرستين افتراضيتين لضمان تكافؤ الفرص”. ورغم نجاح الوزارة في عقد امتحانات الثانوية العامة إلكترونياً بنتائج فاقت التوقعات، يقر برهوم بأن هذه الحلول لا يمكن أن تعوّض التعليم الوجاهي، لكنها محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وتبذل “الأونروا” جهوداً لدعم استئناف التعليم والتعامل مع الأزمة الإنسانية المتفاقمة. وأعلن المستشار الإعلامي للوكالة، عدنان أبو حسنة، عن خطط لاستئناف تعليم نحو 300 ألف طالب عبر مزيج من التعليم الوجاهي المحدود والتعليم الافتراضي، في وقت تستضيف فيه الوكالة نحو 75 ألف نازح داخل مئة مأوى طارئ.
بينما تتعالى ضحكات الأطفال في ساحات المدارس مجدداً، يبقى مستقبل التعليم في غزة هشاً ومحفوفاً بالمخاطر. يؤكد الخبراء أن أي حلول حالية هي مؤقتة، وأن العودة الحقيقية إلى مسار التعليم الطبيعي مرهونة بإعادة إعمار المدارس، وتوفير بدائل سكنية آمنة للنازحين، وتقديم دعم نفسي شامل للطلاب والمعلمين الذين عانوا من صدمات الحرب. فالمعركة الحقيقية اليوم ليست فقط ضد الدمار المادي، بل ضد محو ذاكرة جيل كامل وخطر تركه “جيلاً ضائعاً”.
لا يزال وقف إطلاق النار سارياً رسمياً، لكن الضربات العسكرية الإسرائيلية مستمرة. إذ تحتل القوات الإسرائيلية أكثر من نصف غزة. كما يتم اعتقال الصيادين الفلسطينيين في البحر حيث يُحظر الوصول. ومنذ وقف إطلاق النار، قُتل 245 فلسطينياً، وأُصيب 627، وتم استخراج 532 جثة من تحت الأنقاض. يشمل ذلك 104 فلسطينيين قُتلوا بين 28 و29 أكتوبر. وزاد هطول الأمطار الغزيرة من حجم الكارثة، إذ أغرقت المخيمات العشوائية بالمياه الملوثة والحطام الناجم عن الحرب.
عن صحف ووكالات عالمية










