محمد علي الحيدري
ما جرى في البيت الأبيض بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع لا يمكن وصفه بتحالف، بل هو بداية شراكة مشروطة، أقرب إلى اختبارٍ سياسيٍّ متبادلٍ منه إلى تقاربٍ استراتيجيٍّ متين. فالولايات المتحدة لم ترفع العقوبات، بل جمّدتها مؤقتًا، وهو ما يعني أن العلاقة لا تزال في مرحلة “المراقبة المعمّقة”، لا في مرحلة الثقة.
تقرأ واشنطن المشهد السوري بعين المصلحة الباردة: نظام الأسد انتهى، لكن لا بد من بديلٍ يمكن ضبطه، لا بد من “سوريا يمكن التعامل معها” من دون أن تعود إلى حضن موسكو أو طهران. أمّا أحمد الشرع، فيدرك أن بقاءه السياسي مرهونٌ بقدرته على إقناع الأمريكيين بأنه ليس خصمًا عقائديًا، ولا تابعًا كاملًا، بل رجلٌ يمكن التفاهم معه ضمن حدودٍ مقبولة.
العقوبات المجمدة هنا ليست مجرد أداة ضغطٍ اقتصادية، بل آلية تحكمٍ سياسيٍّ تُبقي القرار السوري في حالة تعليقٍ دائم، ريثما تتضح ملامح التوجّه الداخلي للحكومة الجديدة. فالإدارة الأمريكية تعلم أن رفع العقوبات يعني منحه شرعيةً دوليةً كاملة، وهي ورقة لن تُمنح مجانًا. لذلك جاءت الخطوة على شكل “مهلة مراقبة” تمتد لـ180 يومًا، تختبر خلالها واشنطن التزامات دمشق في ملفات الإرهاب والحدود والعلاقات الإقليمية.
في المقابل، لا يخلو سلوك الشرع من دهاءٍ سياسيٍّ؛ فالرجل، الخارج من ظلال جماعاتٍ متشددة، يحاول أن يقدّم نفسه نموذجًا لـ”التحوّل الواقعي”، مستفيدًا من رغبة واشنطن في طيّ صفحة الحرب السورية عبر شريكٍ محليٍّ قوي. لكنه يدرك أيضًا أن الانفتاح الأمريكي مشروطٌ بإضعاف نفوذ إيران وروسيا، أي إن تحالفه الجديد قد يفتح له الباب نحو واشنطن لكنه يغلقه أمام حلفاء الأمس.
بهذا المعنى، ليست العلاقة الراهنة تحالفًا، بل صفقةٌ مُراقَبة، يتبادل فيها الطرفان الأدوار: أمريكا تمنح الاعتراف الجزئي، وسوريا تقدّم الطاعة الجزئية. كل طرفٍ يراقب الآخر وهو يبتسم أمام الكاميرات.
إنها مرحلةٌ انتقاليةٌ دقيقةٌ في العلاقات بين البلدين، قد تفتح الباب أمام انخراطٍ حذرٍ ومتدرّج، أو تنتهي بتبدّد الثقة الهشّة عند أول اختبارٍ ميدانيٍّ أو سياسيٍّ. وما بين الرغبة في الانفتاح والخوف من الانزلاق، تبقى العلاقة بين واشنطن ودمشق شراكةً تحت المراقبة—تجمعها المصالح وتفرّقها الذاكرة.










