 متابعة المدى

أقام بيت المدى الثقافي في شارع المتنبي جلسة استذكار للشخصية الوطنية العراقية جعفر أبو التمن، حيث احتشد باحثون ومثقفون في بيت المدى ببغداد اليوم الجمعة، لاستذكار الزعيم الوطني جعفر أبو التمن، فقد رحل في مثل هذا اليوم قبل 80 عاماً، وودعه العراق باحترام كبير من مختلف الأطراف، فوريث الأسرة التجارية البارزة بدأ حياته ثائراً ضد الإنكليز، ثم نائباً في برلمان الملك فيصل عُرف بخطبه المجلجلة، ومساهماً في تأسيس نواة الحركة السياسية الحديثة والصحافة في البلاد، فضلاً عن دوره في إطلاق حملات محو الأمية ونشر التعليم منذ العشرينات. وقال المتحدثون إن أبو التمن نموذج لرأس المال الوطني الذي قاتل من أجل العدالة الاجتماعية للفقراء، والحريات السياسية والصحفية.

قدّم للجلسة الزميل رفعت عبد الرزاق الذي قال: تمر هذه الأيام ذكرى ولادة جعفر أبو التمن، والحديث عن أبو التمن يتناول جوانب عديدة. وأضاف: لقد كتب عن هذا الرجل الشيء الكثير، ولم يغفل عنه أي من الكُتّاب الذين اختصوا بتاريخ العراق، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى التيار الديمقراطي.
ثم قرأ المقدم جانباً من سيرته حيث أشار: محمد جعفر أبو التمن (1881 - 20 نوفمبر 1945) هو سياسي عراقي ورجل دولة، يُعتبر أحد أبرز أعلام الحركة الوطنية العراقية وأكثرهم تأثيراً وإشكالية في العصر الملكي في العراق. كان زعيماً برلمانياً ومفكراً استراتيجياً جمع بين ثقافة التاجر البغدادي الأصيل وفطنة السياسي المحنّك، فقاد ثورة العشرين بماله وروحه، وحوّل مجلس النواب إلى منبر للمقاومة السلمية ضد الانتداب البريطاني. عُرف بمواقفه الصلبة والمتسقة تجاه الاستقلال الوطني، مما جعله هدفاً دائماً للقوى الاستعمارية والأنظمة الحاكمة، وانتهى به المطاف ضحية اغتيال غامض في ذروة صراعه ضد التبعية السياسية.
البداية كانت مع د. عماد الجواهري الذي قال: أتحدث عن شخصية جبارة، ومن المواهب الاستثنائية أنها كانت متوجّهة نحو قضايا عدة، ومنها المعرفة. وكان المجلس الذي ينظمه كل أربعاء ذا دور مهم في التوعية الاجتماعية والسياسية. وأشار: في جانب المعرفة كان أبو التمن عضواً في مجلس المعارف وأحد الأعضاء المؤسسين للمدرسة الجعفرية، واشتغاله في هذا دفعه لتأسيس نادي الإصلاح التي صدرت عنها جريدة الإصلاح. وأضاف: إن المسألة الأخرى التي أود الإشارة إليها هي ترؤسه للجنة مكافحة الأمية سنة 1934، وهذا جانب مهم من الجوانب، وهو اهتمامه بالمعرفة. فأبو التمن عمل في الجانب المعرفي وكأنه يؤكد أن ذلك عنصر مهم للثقافة، فوظيفة المثقف هي القدرة على اتخاذ موقف في الوقت والزمان المناسبين لإشاعة الوعي الاجتماعي. كما عمل أيضاً في الجانب الاقتصادي، كونه من عائلة تعمل بالتجارة، وكُلّف بالعمل السياسي فقد تسنّم عدداً من الوزارات.
وأشار الدكتور الباحث علي الرفيعي إلى أن جمهور هذه الندوة يجب أن يكون من الشباب، أو من الجيل الجديد لكي يتعرفوا على هذه الشخصية ودورها في تاريخ العراق. جعفر أبو التمن نشأ بروحية وطنية استلهمها من عائلته، مشيراً إلى أن جعفر أبو التمن قد أسهم في تأسيس الكثير من الأحزاب والصحف، وكانت مواقفه مشهودة بذلك. وتشير بعض التقارير البريطانية إلى دوره السياسي والتحريضي ضد الانتداب الإنكليزي. وأشار إلى أن الإنكليز عند دخولهم إلى بغداد حاولوا الاستعانة ببعض الشخصيات للعمل كمستشارين لديهم، وكان من ضمن هؤلاء جعفر أبو التمن الذي رفض هذا العمل باعتباره يسيء إلى وطنيته المعروفة.
وأضاف: تلقى أبو التمن تعليمه في مدرسة الإمام أبي حنيفة، ثم في المدارس الدينية البغدادية، حيث تشرب قيم العدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني. امتلك حنكة تجارية فائقة، فوسع أعمال العائلة التجارية حتى أصبح من أثرى تجار بغداد.
وتحدث السيد نبيل عبد الكريم عن المحلة التي ولد فيها جعفر أبو التمن مشيراً إلى العديد من رجالات العراق من سياسيين وعلماء وأدباء ووزراء نشأوا في هذا المكان. وأضاف أن بغداد انتعشت في حضورها المدني والحضاري، من قبل إسهامات عدد من البيوت ومن بينها بيت جعفر أبو التمن. وأضاف عبد الكريم بعدها عن عمل أبو التمن في التجارة التي أفاد منها كثيراً في التعامل مع الناس، وهي أيضاً ساعدته في العمل بالحركات الإصلاحية مع السيد محمد سعيد الحبوبي.
أما المؤرخ محسن العارضي فقال: يعد جعفر أبو التمن شخصية محورية في التاريخ العراقي المعاصر منذ عام 1919، وكان يُعد — إضافة إلى يوسف السويدي، وعلي بازركان، وأحمد الشيخ داود — من أكثر أعضاء جمعية حرس الاستقلال نشاطاً. ولأنهم كانوا يحشدون الجماهير من أجل المطالبة بالحرية والاستقلال ورفض الانتداب، حاولت سلطة الاحتلال أن تلقي القبض عليهم عام 1920. وأضاف: إنها لم تتمكن إلا من اعتقال أحمد الشيخ داود وتسفيره إلى البصرة ومن ثم إلى الخليج العربي. وأشار إلى أن جعفر أبو التمن كان بمثابة ضابط الارتباط بين الحركة الاستقلالية في بغداد والكاظمية وجمهرة العلماء في كربلاء والنجف.
وقال الأكاديمي المختص بالتاريخ د. عبد الله العتابي بعد شكر مؤسسة المدى في استذكار هذا الرمز السياسي والاجتماعي العراقي: أشار أنه قبل أيام جرت انتخابات شارك بها عدد من (الزعماء). وأنا لا أقول ليسوا زعماء، لكنهم زعماء طوائف ومناطق، وليسوا زعماء وطنيين بالمعنى الحقيقي. مشيراً أنه أكاديمي ومختص بالتاريخ المعاصر، لكنه لم يعثر في تاريخ العراق سوى على اثنين يستحقان تسمية زعيم: هما جعفر أبو التمن، وكامل الجادرجي. مؤكداً أن هذا رأيه.
وتحدث د. ماهر الخليلي قائلاً: إن جعفر أبو التمن هاجر مرتين واعتزل العمل السياسي مرتين وتولى الوزارة مرتين. وأضاف: إن هذا الرجل ولد وطنياً قبل أن تولد الوطنية، مشيراً إلى أنه في فترة الحرب العالمية الأولى لم يكن هذا المفهوم مترسخاً بشكل واضح، فالحرب كانت بين أمم متحاربة، وكان الصراع بين إمبراطوريات. وبعد انتهاء هذه الحرب برزت نزعة الوطنية، لذلك نقول إن جعفر أبو التمن كان وطنياً قبل أن تولد الوطنية.