TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > مراقبون: غياب الإدارة العلمية يسرّع انهيار المدن الأثرية العراقية!

مراقبون: غياب الإدارة العلمية يسرّع انهيار المدن الأثرية العراقية!

الحرارة والتصحر تلتهمان ذاكرة العراق القديمة

نشر في: 16 نوفمبر, 2025: 12:15 ص

 بغداد / تبارك عبد المجيد

تتعرض المواقع الأثرية في العراق اليوم لمخاطر كبيرة بفعل التغيرات المناخية والتلوث والنشاط الصناعي غير المستدام، ما يهدد استدامتها وهويتها الحضارية. ويشير خبراء التراث والبيئة إلى أن ارتفاع درجات الحرارة، والفيضانات، والعواصف الغبارية، وتدهور الغطاء النباتي، كلها عوامل تؤدي إلى تشقق المباني الأثرية وتآكلها، داعين إلى تبني إجراءات حماية عاجلة للحفاظ على هذا التراث الوطني الفريد.

إدارة متخصصة للآثار!
تقول خبيرة التلوث البيئي، إقبال لطيف جابر، إن التحديات التي تواجه المواقع الأثرية في العراق اليوم كبيرة ومعقدة، موضحة أن الوضع البيئي والتراثي مرتبط بعوامل متعددة، منها الحروب، الإهمال الحكومي، والتغيرات المناخية العالمية. وقالت جابر إن آثار العراق، مثل الزقّورات، والنواعير، و”الأعراس الرطبة”، تتأثر بشدة بهذه الظروف، مؤكدة أن الإهمال بعد عام 2003 زاد من هشاشة هذه المواقع.
وأوضحت جابر لـ”المدى”، أن التغيرات المناخية، مثل ارتفاع درجات الحرارة عن المعتاد، وارتفاع مستوى سطح البحر، والفيضانات، وهطول الأمطار الغزيرة في مناطق معينة مقابل قلة الأمطار في مناطق أخرى، تؤثر بشكل مباشر على جميع المواقع، بما فيها الأثرية. وأشارت إلى أن المواد الداخلة في بناء الآثار تتأثر بالحرارة الشديدة، ما يؤدي إلى جفافها، وتغير تركيبها الكيميائي، وصولًا إلى تغير ألوانها وتشققها. كما حذرت من تأثير الأشعة فوق البنفسجية على هذه المواقع، مؤكدة أن تعرض الأشجار لهذه الأشعة يزيد الضرر، فكيف بالآثار المصنوعة من مواد أكثر هشاشة؟ ولفتت جابر إلى أن ارتفاع مستوى سطح البحر يؤدي إلى فيضانات تغمر بعض المواقع الأثرية، محملة بالأملاح والمعادن السامة التي تجرفها الأمطار، وهو ما يشكل كارثة حقيقية على التراث. وأضافت أن تراكم الطحالب أو الرطوبة على هذه الآثار يؤدي إلى أضرار إضافية، خاصة في حال عدم الصيانة المستمرة، مشيرة إلى أن الفيضانات قد تؤدي إلى غمر المياه حتى مستوى المياه الجوفية، ما يجعل المواقع عرضة لتهديدات مائية مستمرة. لذلك، أكدت ضرورة صيانة الآثار بشكل مستمر، عبر معالجة المياه مباشرة بعد الأمطار، وحمايتها من مياه الصرف الصحي ومن الفيضانات. كما تطرقت إلى تأثير التلوث الجوي على المعالم الأثرية، موضحة أن الأمطار الحامضية الناتجة عن الكبريتات وحمض الكبريتيك وحمض النيتريك تؤدي إلى تآكل المباني وتغيير المعادن الداخلة فيها. وأشارت أيضًا إلى دور الرياح العاتية في تهدم المواقع الأثرية، خاصة في المناطق المفتوحة، مشيرة إلى أن معظم الآثار العراقية تقع في أماكن مكشوفة، ما يجعلها أكثر عرضة لهذه المخاطر. وحول الحلول، شددت جابر على أهمية إقامة “حزام أخضر” حول المواقع الأثرية، يضم أشجارًا عالية ونخيلًا مرتّبة هندسيًا، لما لها من دور في فلترة الهواء، وحماية الآثار من الأشعة فوق البنفسجية، وامتصاص المياه الزائدة الناتجة عن الفيضانات، وتقليل تأثير الرياح، بما يحمي المواقع من التشققات والتآكل ويطيل عمرها.
وأكدت أن الحل لا يقتصر على الأشجار فقط، بل يتطلب إدارة قوية وممولة بشكل كافٍ، مع خبراء مختصين في الآثار، لضمان الصيانة الدورية والفحص المستمر. وأشارت إلى أهمية وجود طاقم متنوع التخصصات يشمل جيولوجيين، وكيميائيين، وخبراء بيئة، لمتابعة تأثير العوامل المناخية والكيميائية على المواقع. وتابعت بالقول إن هذه الإجراءات ليست رفاهية، بل ضرورة للحفاظ على التراث الحضاري العراقي، الذي يمثل حضارة البلد ويعكس تاريخه العريق أمام العالم، مؤكدة أن حماية هذه الآثار تعكس أيضًا سمعة العراق ومكانته التاريخية على الصعيد الدولي.

تأثير الأنشطة الصناعية!
حذّر م.م. مصطفى الغزي، تدريسٍ في جامعة واسط وممثل الجامعة لشؤون التراث الثقافي، من المخاطر الكبيرة التي تهدد المواقع الأثرية في العراق نتيجة التغيرات المناخية. وأوضح الغزي أن الأسباب الرئيسة لهذه الظاهرة تتعلق بالنشاط الصناعي والاستخدام غير الكفء للطاقة، إلى جانب تراجع الزراعة وإزالة الغطاء النباتي، فضلًا عن التلوث البيئي، ما يؤدي إلى اضطراب توازن العناصر المناخية، مثل ارتفاع درجات الحرارة، وتذبذب الأمطار والرطوبة، والتبخر، والعواصف والغبار العالق. وأشار الغزي لـ”المدى”، إلى أن هذه العوامل تسبب تداعيات خطيرة على الآثار، بما في ذلك عمليات التجوية والإذابة والأكسدة والتميؤ والتكربن والتعرية، إضافة إلى حدوث هبوط في التربة، وتشققها، وزيادة نسب الملوحة، وزحف الكثبان الرملية، وهو ما يهدد اندثار معالم المواقع الأثرية. ونوّه الغزي إلى أن هذه التغيرات أضرت بالعديد من المواقع الأثرية الشاخصة في العراق، مثل مدينة أوروك، مدينة أور، مدينة بابل، آثار عقرقوف، طاق كسرى، مدينة واسط الأثرية، وسامراء. وأضاف أن الإهمال وعدم مواكبة التطور العلمي في ابتكار الحلول لمواجهة هذه التحديات يسهم بشكل مباشر في تهالك وانهيار هذه الآثار ذات القيم الاستثنائية.
وأكد الغزي ضرورة أن تجعل الجهات المختصة قضية التغيرات المناخية وتأثيرها على الآثار أولوية ضمن السياسات التنموية، مشددًا على دور الهيئة العامة للآثار والتراث في التنسيق مع الجهات الحكومية والمنظمات الدولية والجامعات المتخصصة لتوفير الحماية لهذه المواقع، من خلال تطبيق الإجراءات العلمية والتقنية المتقدمة، وإجراء أعمال الصيانة والترميم والتهيئة، للحفاظ على الهوية الثقافية والتراثية للعراق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

الفصائلُ تُصعِّد ضد السوداني وتهدد حياة موظفين بعد

الفصائلُ تُصعِّد ضد السوداني وتهدد حياة موظفين بعد "خطأ الوقائع"

بغداد/ تميم الحسن تحوّلت ما عُرف بـ"فضيحة الوقائع" إلى منصة للهجوم على رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد شياع السوداني، وإلى ذريعةٍ متداولةٍ لمنعه من الترشح لولاية ثانية. واعتبرت فصائلُ مسلّحة وقوى سياسية - بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram