متابعة / المدى
أكد الخبير في الموارد المائية، تحسين الموسوي، أن الأمطار الغزيرة التي هطلت يوم أمس السبت لم تسهم إلا بزيادة محدودة في الخزين المائي للسدود لا تتجاوز 30 سنتيمتراً مكعباً، موضحاً أن الجزء الأكبر من الأمطار تساقط خلف السدود نتيجة ضعف التخطيط وعدم إنشاء سدود صناعية جديدة في مناطق الوسط والجنوب. وأوضح الموسوي في تصريح لوكالة «المعلومة» أن «ضعف التخطيط الحكومي على مدى عقود» أدى إلى هدر كميات كبيرة من مياه الأمطار خلال المواسم المطرية، مضيفاً أن العراق بحاجة إلى إنشاء ما لا يقل عن 40 سداً صناعياً لضمان الاستفادة من الأمطار. ودعا الحكومة إلى توفير التخصيصات المالية اللازمة، معتبراً أن هذا الملف «ذو طابع وجودي».
وشهدت بغداد وعدد من المحافظات هطول أمطار غزيرة خلال الساعات الماضية، فيما تشير توقعات الأنواء الجوية إلى استمرار تأثير المنخفض الجوي خلال اليومين المقبلين.
وفي سياق موازٍ، تشهد الساحة العراقية جدلاً واسعاً حول الاتفاقية المائية الموقعة بين العراق وتركيا مطلع الشهر الجاري، والتي أثارت انقساماً داخلياً بين أطراف مؤيدة تعدّها خطوة تنظيمية ضرورية، وأخرى معترضة تصفها بأنها تنازل عن ملف حيوي يمس الأمن القومي. وترافقت هذه المواقف مع حملات شعبية على منصات التواصل تطالب بقطع العلاقات التجارية مع أنقرة واستخدام الورقة الاقتصادية للضغط على الأخيرة بشأن حصص العراق المائية.
ووصف مظهر محمد صالح، مستشار رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية، الاتفاق بأنه «ذو أهمية استراتيجية»، مشدداً على أنه يمثل «فوزاً مشتركاً» للبلدين. وأوضح أن أحد أهداف الاتفاق يتمثل في تنظيم حصة العراق المائية عبر ربط جزء من عائدات النفط المصدّر إلى تركيا بتنفيذ مشاريع حيوية في السياسة المائية، من بينها إنشاء سدود حصاد وتنظيم عمليات الري واستصلاح مساحات زراعية واسعة، إضافة إلى مشاريع تدوير المياه. واعتبر أن الاتفاق يفتح الباب أمام تعاون اقتصادي ومائي أوسع، وأنه يشكل «خارطة عامة» لمشاريع يجري تحديد تكاليفها لاحقاً بين الوزارات المعنية. في المقابل، وصف خبير الاستراتيجيات والسياسات المائية رمضان حمزة الاتفاق بأنه «إجحاف رسمي» يكرس الهيمنة التركية على الموارد المائية العراقية، مبيناً أن مفهوم «النفط مقابل الماء» الذي تعززه الاتفاقية يعرض الاقتصاد العراقي للمقايضة المباشرة مقابل الإطلاقات المائية. وأشار إلى أن هذه الهيمنة تمتد – بحسب وصفه – إلى تشغيل السدود والمنشآت الهيدروليكية العراقية ضمن المشاريع التركية، ما يسمح بدخول شركات تعمل بمعايير رديئة قد تسبب مشكلات مستقبلية في الصيانة والتنفيذ. ورأى حمزة أن حملات مقاطعة البضائع التركية «ضعيفة جداً»، داعياً إلى تبنّي آلية «ربط التجارة بالمياه» عبر مؤشرات امتثال واضحة تضمن التزام أنقرة بحصص العراق. أما الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي، فأكد أن الاتفاقية جاءت نتيجة «تفاقم طبيعي لأزمة المياه» التي يواجهها العراق، مبيناً أن البلاد تدفع «كلفة عالية ومتوقعة» نتيجة غياب الاستراتيجيات الفاعلة بعد عام 2003، والذي أدى إلى ضياع فرص كانت كفيلة بإبرام اتفاقيات أكثر توازناً. واعتبر الهاشمي أن العراق، في ظل استمرار تدفق المياه من تركيا بمستويات غير مسبوقة في الانخفاض، «لا يملك حلاً حقيقياً سوى القبول» باتفاق من هذا النوع، مشيراً إلى أنه «صعب وذو كلفة مرتفعة لكنه ضرورة» لمواجهة أزمة تُعدّ الأشد منذ تسعين عاماً. وأوضح أن الاتفاق، رغم أعبائه، قد يمنح العراق مكاسب مهمة من بينها زيادة الإطلاقات المائية والدعم الفني والهندسي والاقتصادي.
وفي الجانب القانوني، يرى الخبير حميد السعدي أن الاتفاقية تمثل «خطوة جيدة ومهمة»، مؤكداً أنها تختلف عن مذكرات التفاهم السابقة. وشدد على ضرورة مصادقة البرلمانين العراقي والتركي عليها وإيداعها في الأمم المتحدة وفق المادة 102 من ميثاق المنظمة، لتشكيل مرجعية قانونية في حال الإخلال بأي من بنودها. وأشار السعدي إلى أهمية تحديد سقف زمني للاتفاقية وتحديد جهة التقاضي، مفضلاً محكمة العدل الدولية أو التحكيم الدولي، إضافة إلى التركيز على استدامة إمدادات المياه كهدف أساسي للعراق.
وتتزامن هذه التطورات مع استمرار انخفاض مستويات المياه في نهري دجلة والفرات وتراجع الإطلاقات القادمة من تركيا، ما تسبب بتعرية أجزاء واسعة من مجرى دجلة في بغداد وعدد من المحافظات، في وقت يرى فيه خبراء أن معالجة الأزمة تتطلب حلولاً داخلية وخارجية متوازية تشمل تحسين البنى التحتية المائية والتفاوض على حصص عادلة وفق القوانين الدولية.










