الموصل / سيف الدين العبيدي
في وسط سوق الخشابين، ومنذ خمسين عاماً، يواصل الموصلي ريان نبود، البالغ من العمر 63 عاماً، عمله في صناعة المهد، وهي مهنة ورثها عن جده ووالده، وتخرّج على أيديهم عدد من التلاميذ الذين أصبحوا أصحاب محال في السوق.
نبود، وهو مسيحي الديانة، يعمل معه 12 شاباً موصلياً مسلماً، إلى جانب ابنه الذي عاد معه إلى سوق النجارين في الموصل عام 2018، حيث افتتح ورشته في سوق يبلغ عمره 300 عام، وأعاد الشباب للعمل معه بعد نزوحه إلى أربيل لمدة خمس سنوات.
ويعمل في الورشة عمال قدماء وآخرون جدد.
يقول نبود في حديثه لـ«المدى» إن أصعب شعور راوده كان عند عودته إلى الموصل دون أن يمتلك أي شيء، بعد أن استولى تنظيم داعش على معمله بما فيه من معدات ومكائن. وأضاف أنه عاد بماكنة واحدة فقط وبورشة صغيرة، إلى أن تمكّن عام 2022 من تأسيس أكبر ورشة للنجارة في الموصل.
وعن التصاميم التي يصنعها، أوضح نبود أن لكل محافظة تصميماً خاصاً بالمهد، فمهد الموصل مثلاً يكون بقياس 85 سنتيمتراً ومنخفضاً أكثر، وهو أكبر بقليل من مهد أربيل الذي يبلغ قياسه 78 سنتيمتراً. وأشار إلى أن الطلب على المهد ازداد أكثر من السابق، خصوصاً في أربيل، بسبب رخص الأيدي العاملة في الموصل، إضافة إلى المتانة العالية للمهد المصنوع من خشب «السفندار». وبيّن أن الإنتاجية ارتفعت بفضل المكائن الحديثة، على خلاف الماضي حين كان العمل يدوياً ويستغرق وقتاً طويلاً. وأكد أن عمود المهد هو أصعب قطعة في التصنيع لأنها تحتاج إلى «الجرخ»، ويتقن صنعها هو وشاب واحد فقط في الورشة، لافتاً إلى أن تعلم المهنة يعتمد على رغبة وذكاء الشخص، ولا يستغرق أقل من خمس سنوات لضبط العمل بشكل جيد.
من جهته، يقول محمد وليد، أحد العاملين، في حديثه لـ«المدى» إن والده كان نجاراً لكنه استشهد في معارك التحرير، وكان لديهم معمل هُدم بالكامل. وأضاف أنه تعلّم النجارة من والده منذ صغره، وبدأ قبل خمس سنوات العمل مع نبود على أصعب ماكنة في الورشة، معرباً عن سعادته بما يقوم به وطموحه لافتتاح ورشته الخاصة مستقبلاً وإعادة بناء معمل والده الذي دُمّر.
وكان سوق الخشابين في الموصل يرفد العراق بكافة أنواع الخشب، وهو سوق تراثي قديم يحتفظ بطابعه الخاص وله بصمته في الجانب الاقتصادي. تأسس قبل ثلاثة قرون قرب نهر دجلة، إذ كانت الأخشاب تصل من مناطق شمال العراق وتركيا عبر القوارب التي ترسو قرب الجسر القديم، لذلك اتخذ السوق مكانه في الجانب الأيمن من المدينة، ثم انتقل عام 1972 إلى الجهة المقابلة في الجانب الأيسر، أيضاً على ضفاف النهر، بقرار من الدولة آنذاك.










