TOP

جريدة المدى > سينما > رواية (الغريب) لالبير كامو في نسخة سينمائية آسرة جديدة

رواية (الغريب) لالبير كامو في نسخة سينمائية آسرة جديدة

نشر في: 20 نوفمبر, 2025: 12:01 ص

ترجمة :عدوية الهلالي
في الجزائر، وفي أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، سنكون برفقة هذا الموظف المتواضع لدى السلطة الاستعمارية الفرنسية، الذي يؤدي دوره بنجامين فوازان في فيلم (الغريب ) المقتبس من الرواية الشهيرة بنفس الاسم للكاتب البير كامو ..ويستحق المخرج فرانسوا أوزون الثناء على جرأته، بل وشجاعته، في تناول هذا الصرح الأدبي الفرنسي، الذي يُعتبر غير قابل للتكييف للسينما، والذي واجه حتى فيسكونتي نفسه صعوبة في تكييفه عام ١٩٦٧
مع طاقم تمثيلي لا تشوبه شائبة، يضم بيير لوتين، وديني لافان، وسوان أرلو، وهاجر بوزاويت، سنُحب فيلم «الغريب» بفضل إيقاعه المتغير وانعكاساته على المجتمع المعاصر، بالإضافة إلى التصوير السينمائي والإضاءة الرائعة في أجواء طنجة المغربية حيث يقدم فرانسوا أوزون اقتباسًا أمينًا وعميقًا لرواية ألبير كامو. وهذا الفيلم الروائي هو الرابع والعشرون للمخرج، وهو بلا شك أكثر أعماله طموحًا ويعرض الفيلم المُشارك في مسابقة مهرجان البندقية السينمائي، في دور العرض حاليا .
في الجزائر،عام 1938، يعلم مورسو (بنجامين فوازان)، موظف شاب، بوفاة والدته عبر برقية. وبعد دفنها من دون أن يُظهر أي انفعال، يقضي يومه على الشاطئ، حيث يلتقي مصادفةً بماري (ريبيكا ماردير)، زميلته السابقة فيذهبان إلى السينما ، ثم يقضيان الليلة معًا. وتعود حياة مورسو إلى مجراها الطبيعي، دون أي اضطرابات كبيرة، على الرغم من وفاة والدته وظهور ماري على الساحة. فلا يكسر رتابة حياته الروتينية إلا نباح كلبه وصراخ جاره المسن، سلامانو (ديني لافانت). ويستمر الحال على هذا المنوال حتى تودي به متاعب ريموند (بيير لوتين)، جاره الآخر والقواد سيئ السمعة، إلى مأساة. فبعد أن قبل عرض زواج ماري على مضض خلال غداء على شاطئ البحر مع ريموند وأصدقائه، أطلق مورسو، وهو على الشاطئ تحت شمس حارقة، مسدسًا على "العربي"، الذي جاء انتقامًا لأخت صديقه التي أساء ريموند معاملتها. يقول مورسو: "أدركت أنني حطمت توازن ذلك اليوم، ذلك الصمت الاستثنائي لشاطئ كنت أستمتع فيه. فأطلقت أربع رصاصات على جسد خامد، وتسللت الرصاصات إلى داخله دون أن تترك أثرًا. وكان الأمر أشبه بأربع طرقات سريعة على باب المصيبة".
منذ وفاة والدته، مرورًا بعلاقته الغرامية مع ماري، وحتى بعد أن أنهى حياة رجلٍ لم يكن يعرفه دون قصد، ولم يكن لديه أي سبب شخصي للاستياء منه، وحتى أمام قضاته في محكمة الجنايات، ظل مورسو ثابتًا، كما لو أن لا شيء في هذا العالم له أي معنى. ففي هذه الرواية الأولى، يبدأ كامو تأملًا في العبث، الذي نظّر له لاحقًا وطوّره في كتب أخرى، مثل أسطورة سيزيف وكاليغولا. ويسعى فرانسوا أوزون جاهدًا لتجسيد فكرة تجسيد عبثية العالم وغرور البشرية، من خلال شخصية واحدة، في محاولة إيجاد المعنى والأخلاق فيما لا معنى له. ويعبر كامو عن هذه الفكرة من خلال سرد تأملي من خلال صوت مورسو المتكلم،إذ يروي الفيلم الأحداث التي ميزت حياته، من إعلان وفاة والدته إلى وفاته، وكيف عاشها. وفي الفيلم، يختار أوزون كاميرا لا تكاد تفارق مورسو ،الذي يجري تصويره من جميع الزوايا بالأبيض والأسود الصارخين، ليُضفي، من خلال حضوره المُشرق، جوهرًا على هذه الشخصية المُتفرّجة، التي تُشبه على الورق فكرةً أو سؤالًا أكثر من كونها إنسانًا.
وبعيدًا عن أداء الممثل، يُجسّد المخرج هذا الشعور بالعبث والفراغ من خلال فترات الصمت، وموسيقى خفيفة أو معدومة، وإيقاع بطيء، وإضاءة مُتباينة، وديكورات بسيطة، ولقطات معاكسة تعكس عدم الفهم الذي يشعر به مُحيطو مورسو والمجتمع بشكل عام. تقول له ماري: "أنت غريب". وتضيف: "أنت لست كالآخرين". كما يُبرز الإخراج، بالصورة والفعل دون حوار، حسية شخصية مورسو، التي تستمتع بالحياة في اللحظة الراهنة، بالأحاسيس اكثر منها بالتأمل.
في هذا الفيلم الروائي الطويل الجديد، يتناول مخرج فيلمي "صيف 85" و"جريمتي" أثرًا أدبيًا فرنسيًا بارزًا، نُشر عام 1942، وتُرجم إلى 68 لغة، ويُعتبر ثالث أكثر الروايات الفرنسية قراءةً في العالم بعد "الأمير الصغير" لسانت إكزوبيري و"عشرون ألف فرسخ تحت البحر" لجول فيرن. ولإخراج هذا الفيلم الطموح، اختار فرانسوا أوزون طاقمًا مرموقًا ومعروفًا.
وتعد رواية "الغريب"، أول رواية للكاتب الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام ١٩٥٧، والتي حُوِّلت إلى السينما مرة واحدة فقط، من تأليف لوتشينو فيسكونتي عام ١٩٦٧، بطولة مارسيلو ماستروياني وآنا كارينا،لتُغرقنا في أعماق نفسية رجل ،إذ يخوض مورسو تحديات الحياة بانعزال، رافضًا "اللعب" بالكذب بشأن مشاعره أو الامتثال لتوقعات المجتمع..
وأمام الموت، أدرك مورسو علاقته بالعالم وأكدها إذ يقول وهو ينتظر الاعدام : "كما لو أن هذا الغضب العظيم قد طهرني من الشر، وجردني من الأمل، قبل هذه الليلة المثقلة بالعلامات والنجوم، انفتحت لأول مرة على لامبالاة العالم الرقيقة. وبشعوري به كما لو كان يشبهني تمامًا، في النهاية، شعرت أنني كنت سعيدًا، وأنني ما زلت كذلك".
ويرسم المخرج ببراعة، من خلال لقطات أرشيفية في البداية، ثم في الديكورات والحوار، صورة لبلد وشعب تحت الحكم الاستعماري. وفي مقابلة مع فرانسوا أوزون، في مهرجان "من السيناريو إلى الشاشة" في مونتيليمار، حيث عُرض فيلمه لأول مرة، قال: "عند إعادة قراءة الكتاب، شعرت أن كامو كان على دراية بالوضع المتفجر في الجزائر، وأن هذا الكتاب ربما يكون أحد أعراضه، حتى لو أنكر ذلك لاحقًا". وهكذا، يستولي على رواية كامو من هذا المنظور، وهو أحد التفسيرات الممكنة للقصة التي تخيلها الكاتب المناهض بشدة للاستعمار: لامبالاة مورسو كرمز للامبالاة الجماعية للمستعمرين تجاه الشعوب التي يستعبدونها.
ومثل كامو، يواجهنا أوزون بالعبث، دون أي تعليق، قبل أن يُقدّم للمشاهد، من خلال الحوار والمونولوج الختامي، مفاتيح لفهم خبايا هذه القصة. هذا الاقتباس الأمين للغاية، وترجمته شبه الحرفية إلى الشاشة، يعني أن المرء يشعر، وخاصة في الجزء الأول من الفيلم، بجوّ الخمول والملل واللامبالاة الذي يسود بطله. لكن هذا بلا شك هو الثمن الذي يجب دفعه لنقله إلى الشاشة وتمكيننا من فهم البُعد الفلسفي والكونيّ لهذه الرواية الهائلة. وهكذا يقدم فرانسوا أوزون، من خلال الحفاظ على هذا النهج ، مع تقديم منظور مستقل للسياق التاريخي، نسخة سينمائية آسرة ومستنيرة من فيلم "الغريب".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

محمود هدايت: في السينما الشاعرية لا توجد صور قطّ.. بل أزمنة

"الست" عن حياة أم كلثوم محور حديث رواد مواقع التواصل الاجتماعي قبل عرضه

رحلة إلى عوالم البحر الأحمر السينمائي

مقالات ذات صلة

سينما

"الست" عن حياة أم كلثوم محور حديث رواد مواقع التواصل الاجتماعي قبل عرضه

متابعة: المدى لم يلبث فريق عمل الفيلم المصري "الست" أنْ عرَض الإعلان الترويجي للفيلم الذي يجسّد حياة "كوكب الشرق"، أم كلثوم، التي تقوم بدور شخصيتها الفنانة المصرية منى زكي، حتى ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram