رزاق عداي
في كتاب الخبير النفطي المعروف " ابراهيم علاوي " ، ( البترول العراقي والتحرر الوطني ) يذكر ان الالمان، لهذا السبب او ذاك ، هم اول من توصلوا الى الحجم الهائل من الثروة النفطية ، المخزونة في التربة العراقية ، في فترة النهوض الراسمالي الكبير في الاقتصاد الالماني في مطلع القرن العشرين ، وللاْدراك المبكر لاهمية النفط كمصدر اساسي للطاقة في المستقبل ، بادروا الى انشاء سكة حديد بغداد - برلين في السنوات التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الاولى ، ولكن المشروع تعرض للاحباط ، نتيجة لهزيمتهم في الحرب العالمية الاولى ، ولافتضاح مشروعهم هذا من قبل بريطانيا ، فتحول مشروع استثمار النفط العراقي بنسبة عالية نحو الشركات البريطانية ، واقل منه الى شركات فرنسية ، حتى ان بريطانيا قاتلت بضراوة دبلماسياً , عندما كان العراق تحت انتدابها ، في قضية عائدية لواء الموصل الى العراق لما عرضت القضية على طاولة عصبة الامم ، ولكي لا يذهب نفط الموصل الى تركيا ،، ولذلك سيطرة بريطانيا على النفط العراقي بشكل مطلق تقريبا ، من خلال شركة النفط البريطانية المعروفة bbc ، هذا عندما كانت بريطانيا تسمى العظمى ، وفي فترة كونها المركز الاقوى في النظام الراسمالي العالمي .
بعد الحرب العالمية الثانية تغيرت الموازيين الدولية ، تراجعت بريطانيا ، وتقدمت امريكا لتكون القطب الاكبر للمعسكر الرااْسمالي ، وتزايدت اهمية النفط كثيرا وبات الشريان الحيوي للحياة الاقتصادية للغرب ، وعلى ذلك تحملت امريكا مسؤ ولية تاْمين هذا الثروة وحماية مصادر انتاجها ، في فترة لم يكن انتاجها المحلي ليسد الحاجة المحلية المتزايدة للطاقة ، لذلك وقفت ضد كل اجراء من شانه ان يحرر هذه الثروة ويستغلها وطنيا ويجعلها تصب لصالح منتيجيها ، كتاْميم كل عمليات الانتاج النفطي وتسويقه ، وناصبت العداء لكل المؤسسات الوطنية والدولية التي من شاْنها ان تسيطر وتنظم اسعار النفط في العالم كمنظمتي اوبك ، واوابك ، وكلنا يتذكر ما تعرض له الاقتصاد العالمي من شلل ، وما اصاب الغرب من خوف وهلع عندما شرعت الدول العربية المنتجة للنفط بايقاف ضخ النفط للاسواق العالمية بعد المعارك الاسرائيلية -العربية بما سمي معارك تشرين 1973 ، فسارعت امريكا من خلال الاستراتيجي ( هنري كسنجر ) وزير خارجيتها الاسبق ، الى تاْسيس منظمة" الطاقة العالمية " المضادة في نشاطها الى منظمة اوبك ، فاوعز الى انشاء خزانات عملاقة لتجميع الخزين الاستراتيجي ، وضخه بشكل مفاجيْ في اسواق النفط العالمية لاحداث صدمة هبوط كبيرة في مستوى الاسعار والتاْثير على المعروض النفطي ، وبمرور الوقت اصبحت امريكا هي المقررة لاسعار النفط وتذبذبها المستمر من خلال مخزونها الاستراتيجي العملاق .
بالنسبة للنفط العراقي لا تسطيع امريكا ان تخفي انظارها واطماعها نحوه منذ زمن بعيد ، ورغم ان الشركات الصينية باتت مستثمرة لنسبة عالية منه في السنوات الاخيرة ، ولكن امريكا تستطيع بشتى الوسائل ان تقلص من رقعة سيطرة الصين ، وهذا ما لمسناه بالفترة الاخيرة من دخول اكبر الشركات للاستثمارية النفطية الامريكية في ساحة نفط العراق ، ومستقبلا ومن خلال التسهيلات التي قدمها العراق لها سيكون النفط العراقي بكافة مراحله الاستكشافية والاخراجية وربما حتى التسويق تحت الاشراف الامريكي ، ذلك لان ترامب ظل يحلم ويؤمن باقل الاسعار للنفط ، من خلال زيادة الانتاج والعرض العالمي !!!
عقوبات الخزانة الامريكية على الشركات الروسية العاملة في مجال النفط في العراق في الفترة الاخيرة ، التي شملت شركتي " لوك اويل " التي تعمل في حقل القرنة -٢ في البصرة ، وشركة " روسنفت" العاملة في كردستان ، وقعت تداعياتها السلبية المباشرة على العراق ، فحقل قرنة -٢ من الحقول العملاقة عالميا ، والذي توقفت عملياته في الايام الاخيرة ، ويبلغ انتاجه اليومي ( ٤٨٠ ) الف برميل يوميا ، ١٠ ./. من الناتج النفطي الكلي ، وتبلغ الخسائر جراء التوقف اكثر من مليار دولار شهريا ، اذ لا يمكن لشركة ( سومو ) حسم التسويات المالية بالدولار مع الشركة الروسية .
هذا ما يمثل التداعيات الاولى للسياسات الامريكية في ظل النزاعات الدولية الراهنة التي تشمل عقوبات الشركات الروسية في الاونة الاخيرة ، وسوف تتبعها الشركات الصينية ، التي تمثل ثلثي الشركات العالمية العاملة في الحقل النفطي العراقي ( التراخيص ) ، وهذا بالتالي يعبر عن فشل كبير في مجال سياسة الاستثمار النفطي العراقي ، الذي تمثل في ابعاد والغاء كل جهد وطني ، والتوقف عن تطوير البنية التحتية لهذا الجانب الحيوي للصناعة الوطنية النفطية ، والاعتماد على العقود ، التي يطلق عليها بجولات التراخيص المشوبة بالفساد الكبير ، علما ان العراق ومنذ العهد الجمهوري الاول كان في طليعة الدول المنتجة للنفط ، التي تمتلك كادرا وطنيا على مستوى عال مشهود بكفاءته ، وبعد ذلك تأسست شركة النفط الوطنية في سنوات السبعينات من القرن الماضي التي لعبت دورا كبيرا في توسيع رقعة الاستثمارات ابتداءا من الاستكشافات وحتى التسويق ، وكان اول قانون نفطي عراقي إبان حكم الزعيم " عبد الكريم قاسم " هو قرار رقم ( ٨٠ ) الذي كان مضمونه يسهم في السيطرة النفطية والسماح لاكبر جهد وطني للمساهمة في هذا الجانب الحيوي في الاقتصاد الوطني العراقي ، اما الركون الى الشركات الاجنبية في تشغيل عمليات توسيع الرقع النفطية فقد كان من تاْويلات الطبقة السياسية الي جاءت بعد 2003 ، لاخضاع هذا الحقل لاكبر عمليات فساد شهدها العراق .










