TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الاحتفاءٌ بحبّ الحكمة ومسؤولية التفكير

الاحتفاءٌ بحبّ الحكمة ومسؤولية التفكير

نشر في: 26 نوفمبر, 2025: 12:02 ص

يوسف حمه صالح

الإحتفاء السنوي بيوم الفلسفة يُعَدّ مناسبة عالمية لا للاحتفال بتاريخ الأفكار فحسب، بل لإستذكار القيمة العميقة التي تملكها الحكمة في تشكيل مصائر الأفراد والمجتمعات. فالفلسفة، منذ بداياتها الأولى، لم تكن ترفًا معرفيًا، بل كانت دائمًا جهدًا إنسانيًا في فهم الذات والعالم، وتحرير العقل من أسر العادة والسطحية.
يقول سقراط إن “الحياة غير المفحوصة لا تستحق أن تُعاش”، وهو قولٌ يلخّص المهمة الكبرى للفلسفة: إعادة الإنسان إلى نفسه، وفتح أبواب التساؤل بوصفه موقفًا وجوديًا قبل أن يكون منهجًا أكاديميًا. هنا يلتقي علم النفس مع الفلسفة، فكلاهما يسعى إلى فهم الدوافع العميقة، وتفكيك الوهم، وتنمية القدرة على الوعي بالذات.
في يوم الفلسفة، نتذكّر أن حبّ الحكمة ليس مجرد ميل ثقافي، بل مسؤولية أخلاقية في زمن تتكاثر فيه الضوضاء ويقلّ فيه التأمل. إن التفكير الفلسفي يزوّد الإنسان بقدرة نادرة على رؤية ما وراء الظواهر، وفهم الشبكة المعقّدة التي تربط بين المعاني، وتحرير العقل من “الجاهز” و“المسلّم” الذي قد يحجب الحقيقة أو يشوّهها.
كما أنّ الفلسفة تمنح الأكاديمي – وبالأخص المتخصص في العلوم الإنسانية – طاقة نقدية تمكّنه من كشف البُنى الخفية للخطاب و الكشف عن المرجعية الفلسفية التي انطلقت منها المنظورات الاجتماعية و النفسية ، وملاحظة أثر السلطة، واللغة، والمجتمع في تشكيل السلوك الإنساني. إنها تذكير دائم بأن العقل لا يعمل في فراغ، وأن الحكمة ليست معرفةً فقط، بل هي شجاعة: شجاعة الاعتراف، والمراجعة، والمساءلة، وإعادة بناء المعنى كلّما اقتضت الضرورة ، شجاعة الموقف و الجرأة في قول الحقيقة .
وفي الوقت الذي تتسارع فيه التكنولوجيا ويمتد الذكاء الاصطناعي في كل مجالات الحياة، تصبح الحاجة إلى الفلسفة أشدّ إلحاحًا. فالتقدّم بلا حكمة قد يتحول إلى تهديد، بينما التقدّم المحروس بالوعي يمكن أن يصبح جسرًا نحو إنسانية أكثر عمقًا وتوازنًا.
إن يوم الفلسفة هو مناسبة لنقول إن الحكمة ليست تراثًا من الماضي، بل مشروعًا للحاضر والمستقبل؛ مشروعًا يتجدد مع كل جيل وكل عقل وكل سؤال صادق. إنها دعوة هادئة للإنسان كي لا يعيش على هامش ذاته، بل في مركزها… حيث يلتقي الفكر بالمعنى، والحرّيّة بالمسؤولية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram