TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > ميسان.. اطلاق النار في مجالس العزاء يضعها في قلب الأزمة الأمنية

ميسان.. اطلاق النار في مجالس العزاء يضعها في قلب الأزمة الأمنية

نشر في: 30 نوفمبر, 2025: 12:03 ص

 ميسان / مهدي الساعدي

تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لأحد مجالس العزاء لشيخ من عشائر محافظة ميسان، حيث شهد المجلس إطلاق نار كثيف من مختلف أنواع الأسلحة، ما أثار استهجاناً واسعاً بين الأوساط المختلفة نتيجة الاستخدام المفرط للسلاح في محافظة تصدّرت الأخبار خلال الأيام الماضية بسبب أحداث أمنية ساخنة شهدتها.

يحتفظ المجتمع الجنوبي والعشائري في ميسان بالعديد من التقاليد الشعبية والفولكلورية التي تنتمي إلى عمق المجتمع، إلى درجة اختلاطها ببعض المفاهيم الدينية، ومن بينها «العراضة» التي غالباً ما تختلط مع التشييع الجنائزي الذي يُعد سنة نبوية. وتعني العراضة في المفهوم الجنوبي توديع جثمان المتوفى أو مواساة أهله وعشيرته من قبل عشائر أخرى، وغالباً ما تحمل رمزية تفاخر عبر شعراء مختصين بإلقاء الشعر وترديد الأهازيج المسماة محلياً «الهوسات»، ويُطلق عليهم أبناء ميسان «مهوسجية». ويرى المهتمون بالشأن الجنوبي أن العراضة أصبحت اليوم استعراضاً أكثر من كونها مواساة.
وفي هذا الصدد، قال المتابع للشأن المحلي في ميسان عماد ماجد لصحيفة «المدى» إن «الكثير من العادات والتقاليد الشعبية والفولكلورية الجنوبية تغيّرت، وبدأت تزحف نحو العنف يوماً بعد آخر، ومنها العراضة التي تحولت من طريقة جماعية جميلة لتمثيل العشيرة في تقديم المواساة، إلى عمليات استعراض لأنواع الأسلحة وكثرة العتاد».
وأضاف أن «هذا التحول ولّد استهجاناً لدى المتابعين في بقية المحافظات، بسبب عدم احترام القانون والتجاوز على الأعراف القانونية، خصوصاً في ظل تصاعد العنف المسلح».
الانتقادات التي طالت الاستخدام المفرط للسلاح في مجلس عزاء شيخ عشيرة في قضاء الكحلاء، انطلقت من داخل محافظة ميسان أولاً، رغم كونها حالة عامة تشهدها أغلب المحافظات الجنوبية. وفي هذا السياق، قال الأكاديمي صباح نوري لصحيفة «المدى» إن «أبناء ميسان كانوا أوّل من انتقد هذه الظاهرة، ورفضها أغلب أبناء المحافظة الذين يجمعون على نبذ العنف، خصوصاً بعد الحوادث المتلاحقة التي شهدتها ميسان. وما نقرأه على مواقع التواصل يؤكد ذلك، فإطلاق النار في التشييع والعراضة ليس حالة خاصة بالمحافظة، بل حالة عامة في المجتمع الجنوبي باعتبارها رمزاً للقوة». وأضاف أن «الميسانيين اليوم يتأسفون على تحوّل صفة محافظتهم من مدينة المضايف والكرم إلى مدينة المشاكل، نتيجة أفعال غير مسؤولة تهدد أرواح أبنائها وتزعزع أمنها».
وأشار رجال عشائر إلى أن هذه الممارسات لا تمثل عشائر المحافظة. وفي هذا الشأن قال حميد ناصر، أحد رجال العشائر، لصحيفة «المدى» إن «الحادثة لا يمكن تعميمها على عموم عشائر ميسان، التي تضم أكثر من مليون نسمة وعدداً كبيراً من الأقضية والنواحي والعشائر الكبيرة والأسر العريقة. وعلى الرغم من وجود بعض السلبيات كما في باقي المحافظات، فإن أبناء ميسان كانوا أول من وقف بوجه هذه الحالة وانتقدوها بشدة كونها تعكس أثراً سلبياً».
وأكد أن «خير دليل هو مطالبة رجال دين القضاء بإنهاء مجلس العزاء، واستجابة ذوي المتوفى لذلك».
وتناقلت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي شكراً من رجل الدين جاسم الحمراني لعائلة الفقيد لاستجابتهم لمطلبه، وتدوينة نُسبت إليه جاء فيها: «هذه الظاهرة ليست حضارية ولا تُظهر الوجه الحسن لعشائرنا الكريمة، فضلاً على أنها محرمة شرعاً، وأجدد شكري لعائلة الفقيد، وأسأل الله أن يسكنه فسيح جناته».
أوضح مراقبون للوضع الأمني في ميسان أن ما حصل يمثل حلقة جديدة في سلسلة الانحدار الأمني، لأنه جاء في فترة تصاعدت فيها أعمال العنف والقتل. وفي هذا السياق، قال محمد سلمان لصحيفة «المدى» إن «إطلاق النار الكثيف في مجلس عزاء أحد شيوخ العشائر تزامن مع تصاعد النقاش حول الوضع الأمني، خصوصاً بعد حادثة مقتل مدير كهرباء ناحية السلام، ومقتل شخصين في ناحية العزير بسبب سقوط سلاح خلال تشييع أحد الأشخاص». وبيّن أن «هذه الحوادث جاءت بعد أيام قليلة من حادثة قضاء علي الغربي التي راح ضحيتها سبعة أشخاص وجرح آخرين نتيجة خلاف عشائري، ما ولّد حالة امتعاض كبيرة تجاه الوضع الأمني».
وحظي تدهور الوضع الأمني في ميسان باهتمام صحافي واسع، حيث تناولت الصحف أسباب وصول المحافظة إلى هذا المستوى. ونقلت صحيفة «المدى» في أحد تقاريرها الصحفية أن «عودة العنف العشائري في ميسان، الذي خلّف ضحايا ومصابين، أعاد المحافظة إلى مربع عدم الاستقرار الأمني، ولاسيما بعد العملية الأمنية الشهيرة التي جرت بإشراف وتنفيذ مباشر من وزير الداخلية».
وأضاف التقرير أن «تفاقم الوضع الأمني يُعد إحدى أبرز المحطات بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، وربما يتكرر مستقبلاً نتيجة فشل عمليات حصر السلاح بيد الدولة واستمرار النزاعات العشائرية».
امتد صدى حادثة إطلاق النار في قضاء الكحلاء بشكل واسع، وتابعتها وسائل إعلام عدة، بعضها تناولها بشكل ساخر، إلا أنّ الموقف الحازم جاء من أبناء المحافظة أنفسهم، بدءاً من شيوخ العشائر الذين أعلنوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقاطعتهم جميع المناسبات التي يُستخدم فيها السلاح أو تُمارس خلالها مظاهر الاستعراض، حفاظاً على سلامة المواطنين واحتراماً لحرمة المتوفى. وسبق ذلك إجراءات حكومية، أبرزها ترؤس محافظ ميسان اجتماعاً أمنياً طارئاً في قضاء الكحلاء بحضور قيادات أمنية واستخبارية لمتابعة الخروقات المتكررة.
وبين المكتب الإعلامي للمحافظ في بيان تابعته صحيفة «المدى» أن «المحافظ وجه بتنفيذ خطة أمنية عاجلة لضبط الأمن والاستقرار، ومحاسبة المخالفين بما في ذلك مطلقو العيارات النارية والمقصّرون في أداء واجباتهم، مؤكداً ضرورة التصدي بحزم لمثيري النزاعات العشائرية، ومصادرة الأسلحة غير المرخصة، والقضاء على المظاهر المسلحة في المناسبات العامة، وفرض هيبة الدولة من خلال تطبيق أقصى العقوبات القانونية بحق المخالفين».

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

مقالات ذات صلة

الجلسة الأولى للبرلمان: الرئاسة والنائب الأول في قلب الخلاف

الجلسة الأولى للبرلمان: الرئاسة والنائب الأول في قلب الخلاف

بغداد/ تميم الحسن تتجه البلاد – على الأرجح – نحو جلسة برلمانية في نهاية الشهر الحالي من دون حسم أيٍّ من الرئاسات الثلاث، في مشهد يعيد إلى الأذهان انسداد عام 2022 حين دخلت العملية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram