TOP

جريدة المدى > عام > "سالاميكس" و"الغراب الذي أحبني": رواية تاميلية واخرى سوادنية تتشاركان سرد مآسي الهجرة

"سالاميكس" و"الغراب الذي أحبني": رواية تاميلية واخرى سوادنية تتشاركان سرد مآسي الهجرة

نشر في: 30 نوفمبر, 2025: 12:02 ص

ترجمة : عدوية الهلالي

 

تتشارك روايتا "سلاماليكس" و"الغراب الذي أحبني"، الروايتان الجديدتان للكاتبين التاميلي أنطونيثاسان جيسوثاسان والكاتب السوداني عبد العزيز بركة ساكن، في موضوع مشترك وهو المنفى. tفي مواجهة التحدي نفسه المتمثل في سرد حياة محطمة، ممزقة إلى آلاف القطع السخيفة، يلجأ كلاهما إلى الإبداع الروائي، مما يُزعزع التسلسل الزمني وتماسك السرد.
يُشكّل كتاب "سلاماليكس" ثنائيًا مع كتاب أنطونيثاسان جيسوثاسان السابق، "الخرشنة الحمراء"، وهي رواية هلوسة عن العنف والسجن والحرب الاهلية ، ويبدو أن "سلاماليكس" تنطلق من هناك: من العزلة والخوف الدائم من اللجوء فهي تُعبّر عن حالة المهاجر، الذي يبذل طاقات هائلة من قوة إرادته لمجرد البقاء، وبلغة نابضة بالحياة وحادة، مع حس فكاهة ساخر. وغالبًا ما تنحرف السخرية الصريحة إلى المأساة. وكلمة "سالاماليكس" هي ما يهمس به السكان المحليون عندما يحاول بطل الرواية جيباناندان التحدث إليهم بلغتهم. إنه هذا الرجل المحمل بغربته، لا يزال يفتقر إلى الأوراق اللازمة، رغم أن ابنه، المولود في فرنسا، قد بلغ سن الرشد ومات.
وإذا اضطر البطل لسرد قصة حياته مرتين - في تايلاند، ثم في فرنسا - فليس ذلك للمتعة، بل للحصول على اللجوء السياسي. وفي المرتين (وفي غيرهما)، يُطلب منه إثبات، وأقوال يستحيل تقديمها. فقصصه، مهما بدت بائسة، لا تكفي. وهنا يكمن تحدي الكتاب: فإلى جانب السرد البسيط للأحداث، يجب على أنطونيثاسان جيسوثاسان أن يجد صيغةً تجعلنا نشعر بما عاناه بطله لدرجة أن نصدقه. لا سيما وأن رحلته قريبة من رحلة المؤلف وآلاف التاميل السريلانكيين. وقد نجح في ذلك، فلابد أن نصدقه. فلمجرد أن يُستمع إليه (ولكن لا يُسمع ايضا)، يقطع جيباناندان معصميه. وفي قصته، تتوالى الفظائع واحدة تلو الأخرى. من جميع الفصائل: الجيش السريلانكي، ونمور التاميل، وقوات حفظ السلام الهندية، والميليشيا المتحالفة معها، الجيش الوطني التاميل. لكن الأحداث تُعرض دائمًا في سلسلة من الأفعال المنفصلة عن أسبابها. فيظهر جنود، وتصل مروحية أو طائرة: يموت أحد أفراد عائلة جيباناندان، ويُجنّد هو نفسه قسرًا. ومع فقدان الأرواح، يتحطم النظام الاجتماعي إذ يقتل ويغتصب الجنود الذين جاؤوا للحفاظ على السلام بقدر أبطال الحرب الأهلية.ويتغلغل الدين الهندوسي بعمق في القصة، لأن عائلة البطل تنتمي إلى طبقة من المنجمين، لكن الحرب، التي تدمر إمكانية ممارسة هذه المهنة بشكل صحيح، تؤدي إلى مزيد من فقدان المعنى والإذلال. وبعد طردهم من قريتهم، فقدت عائلة البطل أوراقها، وبالتالي هويتها، وهي حقيقة ستظل تطارد جيباناندان لسنوات.
العار إذن هو محور القصة، عار الاضطرار إلى تحمل المشقة، عار ما يجب فعله للهجرة بنجاح: "لا يفكر اللاجئون الذين يتوقفون هنا إلا في أمر واحد: الوصول إلى وجهتهم المنشودة. ولتحقيق هذا الهدف، هم على استعداد للتخلي عن كل شيء: أجسادهم، هويتهم، الحقيقة، كرامتهم، شرفهم، وربما...حياتهم؟"
بألوانها الصارخة، أحمر الدم والإذلال، أصفر الشهادات المؤقتة، أخضر الأدغال والساري الاحتفالي، أسود الحداد، أصابع القدم المتجمدة في غابات أوروبا الوسطى، ترقص سلاماليكس على خيط السرد لتحكي عن المنفى والحرب. ومثل النيجيري تشيغوزي أوبيوما في روايتي "صلاة الطيور" و"الطريق إلى الريف"، يُعوّض أنتونيثاسان جيسوثاسان حزن ما يُروى بفرح الإبداع السردي. ففي هذه الرواية المبهرة، تفرض الكلمات نفسها على اليأس.
أما عبد العزيز بركة ساكن فيعتمد أسلوبًا ظاهريًا أخف من الحكاية، مستخدمًا ألوانًا أقل جرأة ومشاعر أقل جرأة. فعلى الرغم من أن شخصياته الرئيسية سودانية، إلا أنه لا يستحضر الحرب - كما فعل في "مسيح دارفور" (2012). لكنه في جوهره، يروي نفس قصة خيسوثاسان، "الوحيد الموجود"، وهي قصيدة غنائية مكسورة عن الغريب الذي لا مكان له، قصة المعدم المحروم من كل شيء.
ففي رواية ( الغراب الذي احبني ) يروي نوري قصة صديقه آدم إنجيليز. بعد أن عبر كلاهما البلقان عبر "طريق النمل"، مدفوعين بحلم آدم بالوصول إلى إنجلترا وأن يصبح أستاذًا للّسانيات هناك. وعند وصولهما إلى كاليه، يواجهان خوف آدم من المخاطرة بحياته بين عجلات شاحنة، أو على متن زورق، أو حتى في الجو، إذ يحاول آدم ومهاجر آخر، إبراهيم النيل، في حلقة مأساوية كوميدية، الوصول إلى إنجلترا بالمنطاد فيترك صديقه نوري خلفه ..وتبدأ الرواية عندما يجد نوري آدم يتسوّل أمام محطة قطار غراتس. ولأنه تركه في كاليه، فهي عودة إلى حيث انتهى طريق النمل. علاوة على ذلك، آدم، المدمن بشكل واضح على الكوكايين، يريد العودة إلى السودان بطريقة عكسية، مع أنه لو أبلغ السلطات عن نفسه، لكان من الممكن إعادته جوًا.
غالبًا ما تكون رواية "الغراب الذي أحبني" هزلية، لكنها أيضًا، وللمفارقة، أكثر حزنًا من "مسيح دارفور" و"أميرة زنجبار" (2020)، حيث سحقت حتمية التاريخ، الحرب أو العبودية، الشخصيات.وهنا أيضًا، ولكن ببطءٍ أكبر، وبشكلٍ خفي ،تُرسّخ العبثية التي تُميّز حياة المهاجرين حيث يروي عبد العزيز بركة ساكن ببراعة عملية التجريد البطيء من الإنسانية التي تغلبت في النهاية على آدم "إنجليز"، الذي حلم بإنجلترا، كالغربان "المتمردة والحكيمة" في قصيدة بو.هو الذي سلك طريق النمل في اتجاه لا يتبعه أحد، كعلامة على حياة تائهة.
"القصة الوحيدة في العالم"، التي أُعيد تفسيرها في "سلاماليكس" و"الغراب الذي أحبني"، أبطالها هم معذبو الأرض، الذين سحقهم عنف الحرب وطبيعتها التعسفية، ثم الهجرة. في نثر تحريضي لدى أنطونيثاسان جيسوثاسان، وروحاني لدى عبد العزيز بركة ساكن، يتم سرد هذه القصة في روايتين عظيمتين كوسيلة لتجنب محو أبطالهما، المهاجرين مثل كثيرين غيرهم.
ترتجف قصة آدم، وهي تُكافح لتتكشف حول بطلٍ هشٍّ ومتناقض، على وشك التلاشي، وهو ما سينتهي به المطاف. تكمن قوة عبد العزيز بركة ساكن كروائي في تكييف قصته مع شخصياته الهامشية، المهددة رغم طاقتها وروح الدعابة لديها. يركز على ما يبقى مؤكدًا: الصداقة بين الرجلين، المولودين في الطفولة؛ وخجل نوري وذنبه لتخليه عن آدم، مع أن آدم حمله على طريق النمل. خجل المهاجر، الداعم في أغلب الأحيان، الذي تجعله حاجته أحيانًا عاجزًا عن اللطف أو الكرم - وهو عار نجده في سلاماليكس. تدفع الصداقة نوري إلى البحث عن صديقه، ثم العودة إلى شخصيته لفهمه، في صورة دافئة، نوع من القبر المجنون، مثل تلك التي رسمها بوهوميل هرابال لصديقه فلاديمير بودنيك في "البربري الرقيق" (1973). يتمتع آدم أيضًا بقدرة قوية على إيقاظ المشاعر في الآخرين: عاطفة سكان الغابة، وحب زهرة، الجارة التعيسة المتزوجة في الخيمة. نعتقد للحظة أن الرواية سوف تتبع المسار الرابليزي الذي سلكه جانجو (2009)، لكن عالم المهاجرين ليس متجذراً بما فيه الكفاية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بين إرث ما بعد الدراما وعودة السرد "مسرح أوروبا معقلا ونموذجا"

موسيقى الاحد: موتسارت الاعجوبة

من منسيات النقد الأدبي في العراق

طقوس فارسية .. علامة فارقة في الأدب الإيراني

صلاح عباس: على مدى تاريخ الحقب الصدامية لم يشكل فن الحرب ظاهرة مميزة مثلما موجود في العالم

مقالات ذات صلة

الفلسفة ركيزة اساسية للذكاء الإصطناعي
عام

الفلسفة ركيزة اساسية للذكاء الإصطناعي

أنتوني غريلينغ* ، بريان بول** ترجمة: لطفية الدليمي أعلنت شركة OpenAI مؤخرًا أنّها تتوقّع مَقْدَمَ «الذكاء الفائق Superintelligence" - أي ذكاء اصطناعي يفوق القدرات البشرية - خلال هذا العقد ( العقد الثالث من القرن...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram