بغداد/ تميم الحسن
تضع حادثة قصف حقل الغاز في السليمانية، المعروف بـ”كورمور”، أربعة من أبرز المرشحين لتشكيل الحكومة المقبلة تحت اختبار مبكر.
وبحسب مراقبين، قد يجد “المرشحون الأربعة” أنفسهم مضطرين — أو من مصلحتهم السياسية — إلى كشف الجهات المتورطة في الهجوم هذه المرة.
الهجوم الأخير على الحقل، الذي أدى إلى انقطاع واسع للتيار الكهربائي في مناطق من إقليم كردستان ومحيطه، ليس الأول من نوعه؛ إذ سبقته تسعة اعتداءات مماثلة.
وفي كل مرة، يتم تشكيل لجنة حكومية للتحقيق — كما حدث بعد الهجوم الأخير — لكن النتائج تبقى طي الكتمان، ولا تُكشف هوية المسؤولين.
ويوم الخميس الماضي، وجّه القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني، بتشكيل لجنة عليا وأخرى فنية للتحقيق في الهجوم الذي استهدف حقل كورمور الغازي في قضاء جمجمال بالسليمانية.
ووفق المعلومات الرسمية، وقع الهجوم عند الساعة 11:30 ليل الأربعاء، متسبباً في حريق ضخم في أحد المستودعات تمت السيطرة عليه بحلول التاسعة من صباح اليوم التالي.
ويمثل حقل كورمور العمود الفقري لبرنامج حكومة إقليم كردستان لإنتاج كهرباء على مدار الساعة، ليس لمدن الإقليم فحسب، بل أيضاً للمحافظات المجاورة.
غير أن الهجوم أحدث انتكاسة حادة، إذ أكد المتحدث باسم وزارة كهرباء الإقليم، أوميد أحمد، أن “الاستهداف أدى إلى فقدان نحو 80% من الطاقة المنتجة”.
هوية المنفذين
وتقول مصادر مطلعة لـ(المدى) إن “المشكلة في هذا الهجوم لا تتعلق بتكراره فحسب، بل بقرار كشف هوية الفاعلين”، مشيرة إلى أن الجهات المنفذة “معروفة” لدى الحكومة، وهو ما يردده أيضاً مسؤولون كرد.
وتعيد المصادر إلى الأذهان تصريحات كانت قد أدلت بها لـ(المدى) قبل تسعة أشهر، بعد هجوم سابق، تحدثت فيها عن “تورط فصائل مسلّحة وطهران وربما أطراف أخرى”.
لكنّ المشهد يختلف هذه المرة، إذ يتزامن الهجوم مع سباق تسمية رئيس الوزراء المقبل، بينما تضم لجنة التحقيق ثلاثة أسماء مطروحة بقوة لرئاسة الحكومة: وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، رئيس جهاز المخابرات، ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي. أما المرشح الرابع، فهو القائد العام نفسه، محمد شياع السوداني.
وأعلنت الحكومة الجمعة أن نتائج التحقيق ستُكشف خلال 72 ساعة. وفي السياق نفسه، دانت واشنطن الهجوم، حيث قال المبعوث الرئاسي الأميركي مارك سافايا إن لديه “أوامر مباشرة من الرئيس دونالد ترامب بشأن العراق”.
وكتب سافايا على منصة “إكس” أنه تلقى تلك الأوامر خلال لقائه ترامب بمناسبة “عيد الشكر”، مضيفاً: “لا مكان لمثل هذه الجماعات المسلحة في العراق”، في إشارة إلى هجوم “كورمور” الأخير الذي قال إنه نُفذ بـ”أجندات خارجية معادية”.
وكانت تقديرات سابقة قد رجّحت أن الطائرة المسيّرة التي استهدفت الحقل في شباط الماضي انطلقت من منطقة بشير في كركوك ونُفذت من قبل “ميليشيات خارجة عن القانون”، بحسب بيان جهاز مكافحة الإرهاب في كردستان، مع اتهامات غير مباشرة بأن إيران تقف وراء الهجوم بسبب خطط العراق للتخلي عن الغاز الإيراني خلال ثلاث سنوات.
وفي ذلك الوقت، كان السوداني قد أعلن النجاح في خفض حرق الغاز المصاحب بنسبة 70%، بينما كانت الحكومة قد حدّدت ثلاث سنوات لإنهاء الاعتماد على الغاز الإيراني في تشغيل محطات الكهرباء.
وبعد هجوم شباط، كانت إيران قد أوقفت توريد الغاز بالكامل لأكثر من شهرين، ما أدى إلى فقدان 5.5 غيغاواط من الطاقة الكهربائية الوطنية، رغم أن القطع كان يفترض أن يستمر 15 يوماً فقط لأغراض الصيانة.
ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه؛ فبعد ساعات من الهجوم الأخير، أعلنت وزارة الكهرباء العراقية أنها تلقت إشعاراً من الجانب الإيراني بوقف صادرات الغاز لأسبوع بذريعة “أعمال الصيانة”.
وتصدر إيران في أوقات الذروة ما يصل إلى 50 مليون متر مكعب يومياً، وهو ما يكفي لتشغيل نصف المحطات الغازية في البلاد.
ولا تستبعد مصادر سياسية أن تكون للهجوم خلفيات تتعلق بـ”تقاطعات مصالح” بين إيران وقطر، التي تنافس شركات إماراتية في قطاع الغاز. وتشغّل حقل كورمور مجموعة “بيرل” التي تضم “دانة غاز” و”نفط الهلال” الإماراتيتين، وقد طالبت بضمانات للعودة إلى العمل، وفق تقارير كردية.
وتعد منطقة بشير — التي انطلقت منها الهجمات السابقة — من النقاط الحساسة أمنياً، وتشهد وجود فصائل متنافسة، بعضها موالٍ لإيران، بحسب تقارير غربية.
وفي تموز 2024، حُلّ أحد تشكيلات تلك الفصائل ودُمج مع أخرى، بعد اعتقال 11 عنصراً اُتهموا بالضلوع في الهجمات على الحقل.
وفي نيسان 2024، أعلن السوداني خلال وجوده في الرياض توصله إلى “خيوط مهمة” بشأن منفذي الهجمات، وأبلغ حلفاءه في “ائتلاف إدارة الدولة” بأن الحكومة “قريبة من اعتقال المهاجمين”، في أول إشارة رسمية إلى تقدم ملموس في التحقيقات.
تشكيل لجان مرة أخرى!
الهجمات على الحقل ليست جديدة؛ فالسوداني كان قد شكّل مطلع العام الماضي لجنة للتحقيق في هجوم صاروخي هو الثامن خلال ثلاثة أعوام. وأسفر هجوم نيسان 2024 عن مقتل أربعة عمال يمنيين وإصابة ثلاثة آخرين.
ووصف وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري الهجوم الأخير بأنه “عمل تخريبي نُفذته فصائل ميليشياوية بصواريخ غراد انطلقت من محور طوزخورماتو”، مضيفاً أن الحادثة “تؤكد أن الحكومة لا تملك السيطرة الكاملة على تلك الجماعات”، ومعتبراً أن أمام السوداني “فرصة ذهبية لفرض سيطرته ومعاقبة المذنبين وتعزيز فرصه لولاية ثانية”.
في المقابل، أعربت وزارة الداخلية في إقليم كردستان عن “اليأس” من تشكيل لجنة جديدة، مشيرة إلى أن الجهات المنفذة “معلومة لدى رئيس الحكومة الاتحادية”، استناداً إلى نتائج تحقيق سابق تشكّل في تموز 2025، أكد التقرير النهائي له — بحسب الوزارة — تحديد الجهة المسؤولة بوضوح، والجهة التي استخدمت الطائرات المسيّرة في الهجوم.
أزمة تشكيل الحكومة
قال إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي، إن استهداف حقل كورمور جاء لتحقيق أهداف متعددة، من بينها هدف سياسي يرتبط مباشرة بالمعادلة السياسية القادمة، ليس فقط على مستوى اختيار رئيس الوزراء، بل على مستوى مجمل الخارطة السياسية الاتحادية.
ويرى الشمري في حديث لـ(المدى) أن توقيت الهجوم — الذي جاء بعد إعلان نتائج الانتخابات وبدء الحراك نحو أربيل لاستكمال تسمية الرئاسات — يمثل مؤشراً واضحاً على أن التفاهمات المتعلقة بشكل الحكومة المقبلة وشخص رئيس الوزراء دفعت باتجاه تنفيذ الاستهداف، في محاولة لإحياء الضغط على أربيل. و”هو ضغط سبق أن شهدته المحافظة في عامي 2021 و2022، عندما تعرضت لهجمات مماثلة يُعتقد أن الجهات نفسها تقف خلفها، وفي التوقيت ذاته تقريباً”.
وأضاف أن “البعد السياسي للهجوم يتصل بمحاولة منع أربيل أو الحزب الديمقراطي الكردستاني من الانفراد بقرار سياسي لا يحظى بقبول كردي داخلي أو عراقي عام. فالتفاهمات الخاصة بتشكيل الحكومة الحالية تتسم بدرجة عالية من الحساسية والمصيرية على المستويين الداخلي والإقليمي، ما يجعل أي تغيير أو تقدم في التحالفات دافعاً محتملاً وراء الاستهداف لإجبار أربيل على إعادة حساباتها”.
وأشار الشمري إلى أن حجم الهجوم الأخير والأضرار الناجمة عنه قد يكون له تأثير مباشر على طبيعة الأزمة السياسية، بما فيها أزمة اختيار رئيس الوزراء، ما قد “يدفع نحو تسمية الجهة المتورطة أو التلميح لها بشكل أوضح”. مضيفاً: “فالإدانة الأميركية الحادة، سواء من وزارة الخارجية أو من المبعوث الرئاسي مارك سافايا، إضافة إلى موقف الاتحاد الأوروبي، كلها عناصر تضغط باتجاه تبني صيغة جديدة تُظهر ملامح الجهة المنفذة”.
ولفت الشمري — وهو أستاذ السياسات الستراتيجية والدولية في جامعة بغداد — إلى أن أربيل، وفق ما قاله هوشيار زيباري، قد قدمت بالفعل ملفاً كاملاً يتضمن تحقيقات تشير إلى الجهات المسؤولة، كما أن مستشار الأمن القومي أكد أن حكومة السوداني “تعرف المنفذين”. وبرأيه، فإن الاستمرار في المناورة أو إخفاء الحقائق في حادثة “كورمور” قد يفتح الباب أمام مزيد من الهجمات، ما سيؤدي إلى تعقيد الوضع السياسي والأمني، خصوصاً في ظل الضغوط الداخلية والخارجية المرتبطة بتشكيل الحكومة المقبلة.
واختتم الشمري بالقول إن الكشف عن هوية المنفذين قد يتحول إلى أداة لـ”تصفية حسابات شخصية” أكثر مما هو خطوة في إطار تحقيق معلن، لكن مع ذلك، فإن احتمالات الكشف أو التلميح بشكل أكبر تبدو واردة، مع ما قد يترتب على ذلك من تداعيات وسيناريوهات جديدة.










