سعد سلوم
في إطار تحليل المشهد الانتخابي للأقليات في العراق، نشرتُ في صحيفة المدى سلسلة مقالات تناولت تحليل تقييم المشاركة السياسية للأقليات طوال عشرين عاما، وخصصت مقالا عن الإيزيديين وآخر عن المسيحيين. وفي هذا المقال، أخص بالتحليل الأقلية الشبكية، مسلطًا الضوء على تجربتها السياسية في سهل نينوى وتفاعلاتها مع المؤسسات الرسمية والأطراف المحلية والإقليمية.
بدأ الحراك السياسي للأقلية الشبكية بعد عام 2003 بتأسيس تجمع الشبك الديمقراطي في أيار 2003، بهدف تثبيت الهوية الشبكية وتمثيلهم سياسيًا وصياغة سردية شبكية في مواجهة عقود طويلة من سياسات التطابق مع الهوية العربية أو الاستسلام للصور النمطية التي قولبتهم في مرتبة أدنى من حيث المواطنة.
طرح التجمع نفسه كتيار قومي مستقل قادر على خوض تفاوض سياسي مع القوى الكبرى الكردية أو الشيعية على نحو خاص. شكل هذا التأسيس نقطة انطلاق لظهور مشاركة شبكية منظمة في الانتخابات المختلفة 2005-2025، واعتمدت هذه المشاركة على التوازن بين الحفاظ على الهوية المستقلة والتحالف الاستراتيجي مع القوى السياسية الكبرى عند الحاجة.
في انتخابات عام 2005، تمثل التمثيل الشبكي عبر المقاعد التعويضية على مستوى العراق، حيث خصص القانون 45 مقعدًا تعويضيًا يمكن للقوائم الحصول على مقعد ضمنها إذا لم تحقق القاسم الانتخابي في المحافظة. حصل حينها القيادي الشبكي الراحل (حنين القدو) على مقعد ضمن هذه المقاعد بعد أن جمع الائتلاف العراقي الموحد أصواتًا كافية على المستوى الوطني. ومع تعديل القانون لعام 2009، تم تخصيص مقعد كوتا للشبك في نينوى ضمن المقاعد المخصصة للأقليات، ما عزز التمثيل المباشر للأقلية وجعلها أقل اعتمادًا على المقاعد التعويضية الوطنية.
تطوّرت المنافسة السياسية داخل المجتمع الشبكي، مع بروز تيار أحرار الشبك الذي خاض انتخابات عام 2010 وفي الانتخابات المحلية لعام 2013، حصل التيار على مقعد كوتا ممثّلًا بـ غزوان حامد، قبل أن يُسجَّل رسميًا كحزب في عام 2017، معتمدًا تحالفًا استراتيجيًا مع الحزب الديمقراطي الكردستاني.
في المقابل، تكرّر حضور عدد من الشخصيات الشبكية البارزة في سباق الفوز بمقاعد الكوتا وخارجها. من فوز النائب محمد جمشيد عام 2010 مرورا بفوز سالم جمعة بمقعد الكوتا عام 2014 ممثلًا لـ مجلس أحرار الشبك وفي عام 2018، انتقل المقعد إلى قصي عباس (الذي كان الفائز الأول بكوتا الشبك في مجلس محافظة نينوى لعام 2009)، بالتوازي مع فوز الراحل حنين القدو بمقعد خارج الكوتا مرشحا عن تجمع الشبك الديمقراطي ضمن تحالف الفتح، والذي شغله من عام 2018 حتى وفاته عام 2020. وبعد وفاته، تولّى محمد إبراهيم شغل المقعد الاحتياطي حتى عام 2021. أما في انتخابات عام 2025، فقد حصد وعد القدو مقعد الكوتا، في حين فاز قصي عباس بمقعد خارج الكوتا عبر تحالفه مع قائمة بدر.
شهدت الانتخابات المحلية والبرلمانية تغييرات واضحة في عدد المرشحين والأصوات، ما يعكس تطور التنظيم الداخلي للشبك ووعيه السياسي. فقد كان عدد المرشحين اثنين في 2014، وارتفع إلى خمسة في 2018، ووصل إلى ثمانية في 2021 قبل أن يتراجع إلى أربعة في 2025. على صعيد الأصوات، بلغ عددها 3375 صوتًا في 2014، وارتفع إلى 7588 في 2018، ثم شهد طفرة كبيرة في 2021 لتصل إلى 39516 صوتًا، قبل أن يتراجع في 2025 إلى 17147 صوتًا. هذه التغيرات توضح زيادة الطموح السياسي للشبك وقدرتهم على تعبئة الناخبين، بينما يشير الانخفاض في 2025 إلى هشاشة المشاركة وأهمية التنظيم المستدام.
لكن هذه المشاركة لم تكن خالية من التحديات. فقد كشف التنافس الداخلي بين المرشحين، خاصة ضمن مقعد الكوتا، عن حجم الانقسامات الداخلية وتأثيرها على النتائج الانتخابية. في انتخابات 2018، عزى المرشح الخاسر غزوان حامد خسارته إلى انتشار السلاح في سهل نينوى، والضغط على الناخبين والسيطرة على المراكز الانتخابية، ما يعكس تعقيد المشهد الانتخابي في منطقة ذات تداخل عربي-كردي مع وجود المسيحيين.
وفي انتخابات 2021، أدت المنافسة بين المرشحين الثمانية إلى تشتت أصوات الشبك، وقد حصل مرشحا الكوتا (قصي عباس) و (وعد القدو) على نحو 35 ألف صوت مجتمعين، وهي أصوات كانت كافية للفوز إذا ترشحا ضمن قوائم واحدة، ما أبرز أن الكوتا، رغم هدفها حماية الأقلية، يمكن أن تصبح أداة لإضعاف التمثيل الفعلي عند عدم توحيد المرشحين.
كما أن تجربة الشبك في الكوتا تعكس نمطا مشابها لتجارب الأقليات الأخرى في العراق، مثل الكوتا المسيحية والإيزيدية، التي واجهت تدخلات من أحزاب متنفذة أو صعود قوى مسلحة، ما أثر على حدود تمثيلها الحقيقي. بالنسبة للشبك، يتعقد المشهد أكثر بسبب الانقسام الداخلي بين القوى الشبكية نفسها، بعضها قريب من بغداد وأخرى من أربيل أو من قوى مسلحة، وهو ما جعل الكوتا ساحة لتداخل المصالح الإقليمية والمحلية، وتحديدًا في منطقة حساسة سياسيا وأمنيا مثل سهل نينوى.
بناءً على ذلك، يظهر التحليل أن المشاركة السياسية للشبك تتشكل من تفاعل ثلاثي: الإطار القانوني الذي يضمن مقعد الكوتا، التنظيم الداخلي للأقلية، والتحديات الإقليمية والمحلية التي تحدد فعالية التمثيل. كما أن هذه التجربة تسلط الضوء على أهمية بناء مؤسسات مدنية قادرة على حماية حقوق الأقليات، وتقليل التشتت والتنافس الداخلي، لضمان أن تساهم المشاركة الانتخابية للشبك في تعزيز موقعهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي ضمن نينوى والعراق بشكل عام.
تقع على عاتق النائبين الممثلين للشبك، سواء النائب الحاصل على مقعد الكوتا (وعد القدو) أو الفائز بمقعد خارج الكوتا (قصي عباس)، مسؤولية العمل المشترك في إطار أجندة استراتيجية موحّدة تعكس أولويات المجتمع الشبكي. فالنخب والمثقفون الشبك يواجهون مزيجًا معقّدًا من التحديات الوجودية والسياسية، الأمر الذي يستدعي بلورة برنامج عمل متماسك يعزّز الشرعية، ويقوّي الأمن، ويدعم الاستقرار في سهل نينوى.
تركز الأجندة الاستراتيجية للشبك في المرحلة المقبلة على ثماني أولويات رئيسية مترابطة تهدف إلى تعزيز الوحدة السياسية، حماية الحقوق، وضمان الاستقرار الداخلي والخارجي:
1-بناء الشرعية وتعزيز التمثيل السياسي : تعزيز حضور الشبك سياسيًا من خلال توحيد الجهود للضغط من أجل اعتراف دستوري صريح بالشبك كأقلية قومية ضمن إطار المادة 125 من الدستور العراقي، وإعادة هيكلة قانون الكوتا وآلياتها الانتخابية لضمان حماية الصوت الشبكي وإنهاء مظاهر التنافس الداخلي التي تضعف التمثيل الحقيقي داخل المؤسسات الرسمية.
2-إنتاج وثيقة التوافق الهوياتي الشبكي: إطلاق مسار مؤسسي عبر عقد مؤتمر داخلي شامل لتبني رؤية هوياتية موحّدة، سواء بهوية مستقلة أو ارتباط بأحد المكونات الكبرى، لإنهاء الانقسام الداخلي الذي يشتت الجهد السياسي ويضعف وحدة القرار، مع استكمال المسار الذي بدأت محاولاته خلال مرحلة احتلال داعش وما تلاها برعاية مؤسسة مسارات من خلال جلساته في بغداد وأربيل وسهل نينوى.
3-تنظيم ملف السلاح والأمن: تطوير مقاربة أدماج القوى الممسكة بالأرض ضمن المنظومة الأمنية الرسمية للدولة على نحو يتحول فيه ملف "العسكرة" من مصدر توتر إلى عملية إصلاح أمني شامل تعزز الاستقرار، تدعم شرعية النخب داخليًا وخارجيًا، وتوفر الحماية الذاتية التي يتطلع لها المجتمع الشبكي، وتحد من أي اتهامات مرتبطة بالتغيير الديموغرافي أو التوظيف الخارجي قد تستخدم في أي خطاب يحد من حقوق ومطالب الشبك المشروعة.
4-إدارة العلاقات الداخلية والخارجية على نحو حيادي: اعتماد مبدأ الحياد الإيجابي في التعامل مع بغداد وأربيل والأطراف الإقليمية، لضمان حماية مصالح المجتمع الشبكي والحفاظ على موقعه السياسي، وتجنب الانزلاق في صراعات تهدد الاستقرار. ويُترجم هذا المبدأ عبر وثيقة سياسية موحّدة (عقيدة الحياد الإيجابي للشبك) تلتزم بالعمل ضمن الدستور العراقي، على نحو يحرر الشبك من أي ضغوطات خارجية (دولية أو أقليمية)، مع مواصلة الضغط السياسي والدبلوماسي لإنهاء التدخل الخارجي في مناطق التماس.
5-الحوار والتعايش مع المكونات المجاورة: إطلاق حوار شامل وبلورة ميثاق تعايش مع المكونات المجاورة، لا سيما المسيحيين في سهل نينوى، لمعالجة ملفات الأراضي ووقف الاتهامات بالتغيير الديموغرافي ومواجهة خطاب الكراهية. ويشمل ذلك تنفيذ خطة عاجلة للتنمية والبنية التحتية في القرى والمناطق الشبكية لتقليل النزوح والتوترات الديموغرافية.
6-توحيد الموقف بشأن الحدود الإدارية: صياغة موقف شبكي موحّد وواضح تجاه مشاريع إعادة ترسيم الحدود الإدارية، بما في ذلك إنشاء النواحي، لضمان عدم عزل المكون أو تذويبه داخل أغلبيات أخرى.
7-برنامج قانوني واجتماعي لإعادة الاعتبار: إطلاق برنامج متكامل لمعالجة إرث التهجير وتصحيح الهوية القومية، وضمان إعادة الاعتبار للنسب الشبكي الأصيل، واستعادة حقوق المهجّرين في الأرض والممتلكات، وضبط السجلات الرسمية لتعكس الهوية الحقيقية، وتعزيز الانتماء الثقافي والاجتماعي للمجتمع.
8- تعزيز الوحدة الثقافية والاجتماعية: العمل على ترسيخ الانتماء الثقافي والاجتماعي داخل المجتمع الشبكي وفي محيطه الأوسع، من خلال إبراز خصوصية الهوية الشبكية والاحتفاء بها سنوياً عبر "يوم الثقافة الشبكية". ويسهم ذلك في تقديم صورة أصيلة عن المكوّن، وتعزيز تماسكه الداخلي، وتأكيد حضوره كشريك فاعل ومستقر في الدولة والمجتمع المحلي.










