ترجمة: عدوية الهلالي
أمريكا على حافة الهاوية، كما يراها الكاتبان جيسمين وارد في روايتها "سنكون عاصفة" الصادرة عن دار بيلفون للنشر، وآدم راب في روايته "على مائدة الذئاب"،حيث يسبران أغوار جراح البلاد ببراعة.
"كانت يد أمي أول سلاحٍ أمسكتُ به". تقول أنييس راوية رواية جيسمين وارد القوية "سنكون عاصفة" وهي إبنة حنونة وامرأة ملهمة . ففي كل صباح، تتعلم الفتاة المراهقة من والدتها فنّ القتال الذي توارثته عن جدّها، وهو محاربٌ ملكيٌّ من داهومي. ولكن ما إن تشرق الشمس، حتى يعودوا إلى منزل "هذا الرجل الذي يدّعي أنه يملكنا". لأن أنيس عبدةٌ وابنة عبد.
في الولايات المتحدة، يصبح عنوان الرواية "دعونا ننزل". والتي تقول عنها جيسمين وارد، الحائزة على جائزة الكتاب الوطني مرتين : "أقرأ الكثير من الشعر لأطلع على جميع إمكانيات اللغة". وأحب العناوين ذات الأفعال القوية، التي تُشكّل دعوةً للقارئ. وعندما أعدتُ قراءة "جحيم دانتي"، لفت انتباهي هذا السطر. لذا أقترح أن أتبع أنييس في نزولها إلى الجحيم، وهو ما يتوافق مع واقع تاريخي، لأن حياة المستعبدين كانت أسوأ في دلتا المسيسيبي، حيث كانت توجد مزارع قصب السكر، منها في فرجينيا أو كارولاينا الشمالية.
ها نحن ذا في موطنها الأصلي، المسيسيبي، في بداية القرن التاسع عشر، حيث كان الناس يُعاملون كالماشية، مُفصولين عن عائلاتهم ومقيدين بالسلاسل في مسيرة لا نهاية لها عبر المستنقع. "الأسنان ترتخي"،و "العظام ترتعش". إنه موضوعٌ بالغ الأهمية لا يزال بعض معارفي ينكرون حقيقته وخطورته حتى اليوم". إنها قضية سياسية، فقد طلب دونالد ترامب للتو من متاحف مؤسسة سميثسونيان (جميعها تقع في واشنطن) التوقف عن التركيز على ما يسميه "الجوانب السلبية للعبودية".
وتأخذنا رواية "سنكون عاصفة " في رحلة مزدوجة: انحدار نحو الرعب، وصعود نحو الحرية الروحية لبطلتها. وهنا تُصرّ جيسمين وارد قائلة : "كنت أعلم أنني لا أستطيع الاكتفاء بالكتابة عن التعذيب والرعب. لأنني نشأتُ في عائلة ومنطقة تُدركان أن العالم لا يقتصر على واقعه المادي. وجميع أفراد عائلتي، بمن فيهم أنا، يؤمنون بأنها كانت على صلة بعالم غير مرئي، كالأحلام النبوية على سبيل المثال".
طوال الرواية، تتفاعل أنييس مع أرواح وقحة، وأحيانًا قاسية، من "تقليد الفودو الذي لا يزال يُمارس في بنين، حيث الحياة الآخرة ليست بسيطة ولا خيرة على الإطلاق"، كما توضح الروائية. ففي مقطعٍ رئيسي، يلتقي أحد هذه المخلوقات بأنييس، التي تبحث، خائفة، عن شيءٍ يُهدئها: "ليس لديّ شيء، سوى قدميّ المفتوحتين، وجلدي الذي إعتاد على الحبل، ودمي الذي يصبغ الرمال. ليس لديّ شيءٌ سوى نفسي". وهكذا وبواسطة أسلوب جيسمين وارد الشاعري، يُصبح هذا العدم ذا قيمة: جسدٌ مُتألم، وروحٌ حرة.
أما الرواية الثانية ( على مائدة الذئاب ) للكاتب آدم راب وهي أول رواية له مترجمة الى الفرنسية بعد نشره خمسة عشر رواية في الولايات المتحدة أغلبها موجهة للأطفال فبطلها ثمل بالصدمة ومتعطش للدماء ..ففي عام ٢٠١١، وبعد أربعة عشر عامًا من وفاة والدته، تلقى آدم راب صندوق أحذية صغيرًا أرسلته له إحدى عماته.كان يحتوي، من بين أشياء أخرى، على خريطة مغلفة من سجن ستيتفيل، وهو المكان الذي أُعدم فيه جون واين جاسي، الذي ألهم شخصية المهرج آكل الأطفال الشهيرة لستيفن كينغ في فيلم "إت" لتعذيبه واغتصابه وقتله للشباب، في عام ١٩٩٤، ليصبح أحد رموز أمريكا الثملة بالصدمة والمتعطشة للدماء. وعند الاستفسار، كانت والدة آدم راب في الخدمة ذلك اليوم.
يقول الكاتب آدم راب : "اكتشفتُ أنها ربما التقت بجون واين جاسي في لحظاته الأخيرة أثناء عمله ممرضًا في السجن. لقد غمرتني هذه الفكرة"، كان راب - الرجل الرياضي الضخم - يلعب كرة السلة حتى دفعته إصابة إلى أن يصبح كاتبًا مسرحيًا وروائيا .
بناءً على هذه الخريطة المُغلّفة، نسج راب ملحمة أمريكية عظيمة، تبدأ في ولاية نيويورك عام ١٩٥١ وتنتهي بعد ما يقرب من ستين عامًا. تدور أحداثها حول ميرا، البالغة من العمر ١٣ عامًا في بداية الرواية، والتي تلتقي بشاب أشقر وسيم ، ويظهر انه ملاك الموت،لأن الرجل قاتل متسلسل. لذا تهرب منه فلديها إخوة وأخوات، ووالدان متدينان، يعملان بجد. ويوضح آدم راب: "عائلة لاركن هي النموذج الأمثل لأمريكا ما بعد الحرب، بمنزلها، ومرآبها، وسيارتها. لكنها خدعة" ، إذ يسري السم في عروق هذه العائلة. على سبيل المثال ، أليك، أحد إخوة ميرا، خادم المذبح، سينتهي به الأمر إلى تكرار الفظائع التي تعرض لها في صمت. وهنا نتابع مصائر أليك، الغريب الذي تكتنفه غموضات عميقة، وتتفاقم خطورته من فصل إلى آخر؛ وفيونا، التي اعتنقت روح العصر الجديد منذ أواخر الستينيات حتى انغمست فيه؛ وليكسي، امرأة برجوازية مستقبلية من الضواحي. وترفض والدتهم أن ترى في مصير أطفالها علامة على أمريكا التي تآكلت بفعل الرأسمالية القاتلة وعلى فشل الحلم الأمريكي، وانتصار كابوس بلا قواعد ولا أخلاق.
يؤكد آدم راب : الولايات المتحدة بلدٌ قائمٌ على الحرية، ولكنه قائمٌ على السلب والعبودية والعنف. ولا مفرّ من أن يبرز هذا التاريخ مرارًا وتكرارًا،"مندهشًا من عدد القتلة المتسلسلين المُسجَّلين عبر المحيط الأطلسي ، ويتابع :"لقد واجهنا جميعًا، نحن الأمريكيين، واحدًا منهم، حتى دون أن ندري").. ومن كل الظلم والمآسي والفضائح التي لا تزال أمريكا تُنتجها. ومن حلمٍ يتحول إلى رعب، يُبدع راب لوحةً رائعة ذات قوة سردية وسياسية مؤثرة،حيث تُطاردنا شخصياتها، وتُذهلنا سرعتها وثراؤها.. صدرت روايته ( على مائدة الذئاب) عن دار سويل للنشر .
