تعديلات مزاجية عرقلت الاتفاق وعطلت عمل الشركة الاستشارية البريطانية
بغداد/ تميم الحسن
يواجه ما يُعرف بـ "الاتفاق التاريخي" الذي أعاد تدفّق نفط إقليم كردستان بعد توقف دام أكثر من عامين، خطر الانهيار مجددًا. وبحسب مصادر مطلعة، فإن مسؤولين عراقيين يعرقلون – لأسباب غير واضحة – استمرارية الاتفاق عبر "وضع العصي في دولابه"، ما أدى إلى تجميد التفاهمات الفنية التي كانت قائمة.
وبحسب التقديرات، لم يتبقَّ أمام بغداد سوى أيام قليلة قبل أن يعود خط أنابيب جيهان التركي إلى الإغلاق، الأمر الذي سيكبّد العراق خسائر يومية تصل إلى 11 مليون دولار، فضلاً عن احتمال عودة نشاط تهريب النفط.
وكانت وزارة النفط العراقية قد أعلنت في مطلع تشرين الأول الماضي استئناف تدفّق النفط الخام من إقليم كردستان إلى تركيا لأول مرة منذ عامين ونصف، بعد كسر حالة الجمود عبر اتفاق مؤقت.
وجاء ذلك عقب توصل بغداد وأربيل في أيلول الماضي، إلى اتفاق وُصف بـ"التاريخي" مع ثماني شركات نفطية دولية لاستئناف الصادرات عبر خط أنابيب كركوك – جيهان.
لكن مصادر خاصة كشفت لـ(المدى) أن الاتفاق مهدَّد بالتوقف مرة أخرى، بسبب ما وصفته بـ "عراقيل مفتعلة" يضعها مسؤولون في وزارة النفط، يُعتقد أن بعضهم قريب من فصائل سياسية مسلحة مرتبطة بإيران.
خلفية الاتفاق
وتروي تلك المصادر- طلبت عدم الكشف عن هويتها- الخطواتَ الكاملة لإبرام الاتفاق الذي جرى مع الشركات الأجنبية العاملة في مجال النفط.
وتؤكد المصادر المطلعة أنّ إعادة الضخ كانت تستهدف "وقف تهريب النفط إلى إيران"، و"ضمان رواتب موظفي الإقليم"، و "إنعاش الاقتصاد والاستثمار في العراق".
وكان خط كركوك – جيهان قد توقف منذ عام 2023 بعد قرار محكمة تحكيم دولية ألزم تركيا بدفع 1.5 مليار دولار لبغداد بسبب "صادرات غير مصرح بها" من نفط الإقليم بين 2014 و2018.
وتقول المصادر إن وجهات النظر بين بغداد وأربيل وأنقرة والشركات الأجنبية كانت متضاربة، وإن التوصل إلى "نقطة ثقة" استغرق وقتًا، قبل الاتفاق على صيغة مؤقتة لثلاثة أشهر تمنح الشركات " 16 دولارًا عن كل برميل منتج"، على أن تقوم جهة استشارية دولية بمراجعة الكلفة خلال المدة نفسها.
وكان العراق قد خسر نحو 25 مليار دولار منذ توقف الضخ، بحسب وزير الخارجية فؤاد حسين. ولتمهيد الطريق نحو اتفاق جديد، صوّت البرلمان في شباط 2025 على تعديل المادة 12 من قانون الموازنة لضبط كلف إنتاج نفط الإقليم بالاستعانة بجهات استشارية.
وقال عضو لجنة النفط في البرلمان المنتهية ولايته، عدنان الجابري لـ(المدى)، إن "البرلمان قام بما عليه وصوّت على تعديل قانون الموازنة، الذي يكرّس الاستعانة بشركات استشارية لإتمام الاتفاق".
وشمل تعديل المادة 12 فقرتين: الأولى: تحديد كلف إنتاج ونقل نفط الإقليم وفق تقييم "هيئة استشارية"، والثانية: منح وزارة النفط صلاحية اختيار الجهة الاستشارية في حال فشل بغداد وأربيل في الاتفاق.
وفي مؤتمر صحفي في أيلول الماضي، أعلن وزير النفط حيان عبد الغني التوصل إلى اتفاق لتسليم 190 ألف برميل يومياً إلى "سومو"، إضافة إلى 50 ألف برميل للاستهلاك المحلي في الإقليم.
قبل ذلك بفترة قصيرة كانت الأطراف الرئيسية في الإتفاق والوسيطة، قد استقرت على اختيار شركة "وود ماكنزي" البريطانية لتكون المستشار الفني الذي يحدد الكلف بدقة، تمهيدًا لتحويل الاتفاق المؤقت إلى اتفاق دائم.
عراقيل داخلية تهدد بانهيار الاتفاق
وتقول مصادرنا إن شركات النفط كانت قد ادّعت أن كلفة الاستخراج تتجاوز 16 دولاراً للبرميل، الأمر الذي دفع المفاوضين إلى اللجوء لشركة "وود ماكنزي" لتقييم الكلفة بشكل مستقل، وهو ما وافقت عليه وزارة النفط العراقية.
وفي أيلول الماضي، نشر محمد شياع السوداني، رئيس حكومة تصريف الأعمال، تدوينة على منصة "إكس" قال فيها: "توصلنا اليوم إلى اتفاق تاريخي تتسلّم بموجبه وزارة النفط الاتحادية النفط الخام المنتج في حقول إقليم كردستان، وتتولى تصديره عبر الأنبوب العراقي – التركي. هذا الاتفاق يضمن التوزيع العادل للثروة، وتنويع منافذ التصدير، وتشجيع الاستثمار".
واختتم السوداني تدوينته بالقول: "إنجاز انتظرناه 18 عاماً".
وبحسب المصادر المطلعة، فإن الاتفاق ينص على أن عمل الشركة الاستشارية يعدّ "ركناً أساسياً في استكمال التفاهم"، على أن تعمل لمدة ثلاثة أشهر، وبعد إنجاز تقييمها يتم تجديد الاتفاق وفق النتائج التي تقدمها.
لكن المصادر تقول إن أطرافًا في الوزارة عرقلت التعاقد مع الشركة الاستشارية، رغم أن الاتفاق يتطلب انتهاء أعمالها بحلول 31 كانون الاول 2025. وتضيف أن "بعض هؤلاء المسؤولين حاولوا إضافة بنود جديدة تُلزم الجهة الاستشارية بالكشف عن خلفيات وجنسيات الشركات الأجنبية العاملة في الإقليم، وهي معلومات خارج نطاق الاتفاق"ولا علاقة لها بتحديد كلف الإنتاج".
إنتعاش التهريب
وترجّح المصادر أن الجهات التي وصفتها بـ"من يضعون العصي في دولاب الاتفاقية" قد تدفع نحو توقف الضخ مجددًا، الأمر الذي سيتيح ــ وفق تقديرها ــ فرصة ثمينة لشبكات التهريب التي تنتظر الحصول على النفط بأسعار منخفضة.
وتشير المصادر إلى أن الأطراف التي تعرقل الاتفاق تستند إلى كون الحكومة في وضع "تصريف أعمال".
وبحسب معلومات تداولتها أوساط سياسية، فإن الشخصيات التي تعطل تنفيذ الاتفاق مرتبطة بأحزاب مقرّبة من إيران وتملك أجنحة مسلحة.
وتؤكد المصادر أن هذه الجهات ألغت عدة اجتماعات رسمية بشأن إكمال الاتفاق، ولم توافق على التعاقد مع "وود ماكنزي" إلا قبل أيام قليلة، اواخر تشرين الثاني الماضي، أي بعد تأخير شهرين كاملين، ما يجعل من المستحيل تقريبًا إنجاز مهمة الشركة خلال المهلة المحددة.
وفقًا للجنة النفط والغاز النيابية، لا تتوفر معلومات واضحة عن عمل الجهة الاستشارية. كما يقول الخبير الأقتصادي نبيل المرسومي لـ(المدى) إنه لا توجد أي بيانات منشورة عن تقدم الشركة، مؤكدًا أن الاتفاق الحالي "مؤقت لثلاثة أشهر وسيتوقف نهاية العام إذا لم يُنجز التقييم".
ويضيف المرسومي أن تقدير 16 دولارًا للبرميل "منخفض جدًا"، مشيرًا إلى أن كلف استخراج النفط في بعض الحقول العراقية، مثل حقل بدرة في واسط، تصل إلى 37 دولارًا، مقدرًا أن تكون الكلف الحقيقية في كردستان بين 30 و33 دولارًا للبرميل.










