TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > منصة أم ماكينة أموال؟.. العراق يواجه طوفان الهدايا الرقمية وسط تحذيرات من غسل الأموال

منصة أم ماكينة أموال؟.. العراق يواجه طوفان الهدايا الرقمية وسط تحذيرات من غسل الأموال

نشر في: 4 ديسمبر, 2025: 01:00 ص

 المدى/محمد العبيدي

يعود ملف الاقتصاد الرقمي في العراق إلى الواجهة مجدداً بعد قرار البنك المركزي تشديد الرقابة على أموال المؤثرين ومتابعة تدفقاتهم المالية، في خطوة وُصفت بأنها الأكثر صرامة منذ ظهور موجة المحتوى المدفوع والبثوث المباشرة التي تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى سوق غير منظم يضخ مبالغ كبيرة خارج الإطار الضريبي والرقابي.
ويأتي القرار وسط تنامٍ واضح في حجم التحويلات المرتبطة بالبثوث والهدايا الرقمية وصفحات الإعلانات، وما رافقه من شكاوى مصرفية عن عدم تطابق تلك المداخيل مع مصادر الدخل المعلنة لأصحاب الحسابات.
وبحسب بيانات وتقارير، فإن عدداً من المصارف أبلغت الجهات الرقابية بوجود تدفقات مالية "غير منسجمة" مع طبيعة نشاط بعض المؤثرين، سواء من حيث حجم المبالغ أو من حيث الجهات المرسلة، وهو ما دفع البنك المركزي إلى إدراج هذه الفئة ضمن "الفئات عالية المخاطر" التي تتطلب إجراءات تدقيق موسّعة، تشمل تتبع مصادر الأموال وتسجيل عقود الإعلانات والربط بين الحسابات المصرفية والصفحات الرقمية.

توجيهات للمصارف
ويشير مضمون التعليمات الجديدة إلى أن البنك المركزي يريد الحد من ظاهرة اتساع السوق الموازية داخل منصات التواصل، وذلك من خلال إلزام المصارف بمراقبة عدد من المؤشرات؛ أبرزها تضخم الدخل مقارنة بالنشاط الفعلي، أو استخدام حسابات متعددة لغايات التمويه، أو تلقي تحويلات من جهات أجنبية غير مرتبطة بعمل الصفحة، إلى جانب مراقبة التحركات المالية السريعة التي لا تستند إلى نشاط واضح.
ويأتي التشديد الجديد في وقت شهد فيه العراق موجة واسعة من المبادرات الرقمية والتبرعات الإلكترونية، كان أبرزها ما عُرف بـ"الغرفة الزجاجية"، وهي مبادرة نجحت في جمع مبالغ كبيرة خلال أيام قليلة، في مؤشر على حجم الاقتصاد المرتبط بالبث المباشر، ونمو بيئة مالية لا تزال خارج السيطرة التنظيمية.
كما ترافق القرار مع محاولات حكومية سابقة لإدخال المؤثرين ضمن نظام مالي واضح، عبر تسجيل المحتوى الإعلاني ضمن هيئة الإعلام والاتصالات، وتحديد رسوم سنوية تعتمد على عدد المتابعين، إلا أن عمليات الاستحصال والتنفيذ واجهت عقبات عديدة، ما أبقى الجزء الأكبر من نشاط المؤثرين خارج النظام الرسمي.

أنماط ثراء غير حقيقية
وفي هذا السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي عبد السلام حسن أن القرار يمثل خطوة "مهمة" في اتجاه ضبط الاقتصاد الرقمي.
وقال حسن لـ(المدى) إن "البنك المركزي أصاب في تشخيصه عندما أشار إلى أن عدداً من مشاهير السوشيال ميديا يظهرون أنماطاً من الثراء والإنفاق لا تنسجم مع مصادر دخلهم المعلنة"، مبيناً أن "ضبط هذا النوع من التحويلات والإيرادات أصبح ضرورة لحماية النظام المالي ومنع دخول أموال مجهولة المصدر إلى الدورة الاقتصادية". وأوضح أن "انتشار المحتوى الذي يروّج لحياة الرفاهية والثراء خلال فترة قصيرة خلق بيئة غير صحية بين الشباب"، مؤكداً أن "ادعاءات تحقيق ملايين خلال سنة أو سنتين هي أوهام لا تستند إلى أي منطق اقتصادي".
وفي الاتجاه ذاته، يلفت خبراء اتصالات إلى أن الرقابة على التحويلات الرقمية تصطدم بضعف البنية التقنية لدى عدد كبير من المصارف، إضافة إلى غياب التكامل بين الجهات الحكومية المعنية بمتابعة الأنشطة الإلكترونية.

رموز وهدايا
ويحذّر متخصصون من أن آليات الهدايا الرقمية، خصوصاً في منصة "تيك توك"، باتت منفذاً واسعاً لتداول مبالغ كبيرة لا تمر عبر النظام المصرفي، إذ يتم شراء رموز رقمية بقيم مرتفعة وإرسالها خلال ثوان، ثم تحويلها إلى مبالغ مالية عبر وسطاء. وفي هذا الإطار، يحذّر الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش من خطورة تضخم هذا النوع من الأموال.
وقال حنتوش لـ(المدى) إن "نظام الهدايا في تيك توك يعتمد شراء رموز رقمية بأسعار قد تصل إلى مئات الدولارات، تُرسل أثناء البث المباشر ليعاد تحويلها إلى مبالغ مالية عبر مكاتب مرتبطة بالمنصة"، موضحاً أن "تضخم أرباح بعض المؤثرين يثير شبهة دخول أموال غير شرعية عبر هذه القنوات".
وبيّن أن "بعض البثوث تشهد تدفق عشرات الهدايا مرتفعة القيمة خلال ثوان، وهو ما يمكن بعض المستخدمين من الحصول على آلاف الدولارات بلا جهد، مقابل محتوى لا يقدم قيمة حقيقية". وأضاف أن "هذه الظاهرة بدأت تُلقي بظلالها على السوق المحلي بعد أن أسهمت استعراضات بعض المشاهير في رفع أسعار العقارات والسلع وخلق قيم اقتصادية غير واقعية"، لافتاً إلى أن "الخطوة الأخيرة للبنك المركزي تحمل بعداً وقائياً مهماً يجب تطويره عبر السماح للمؤثرين باستلام الأموال ضمن النظام المصرفي ثم إخضاعها للتدقيق". شهد العراق خلال السنوات الخمس الأخيرة توسعاً ضخماً في اقتصاد المحتوى الرقمي، مدفوعاً بانتشار الهواتف الذكية وتغير أنماط الاستهلاك الإعلامي، وظهور منصات عالمية مثل "تيك توك" و"إنستغرام" و"يوتيوب" كمساحات بديلة للإعلان والترفيه والدخل السريع. هذه التحولات لم تكن معزولة عن أزمة سوق العمل، فالنسبة العالية من البطالة بين الشباب دفعت أعداداً كبيرة منهم إلى البحث عن مصادر دخل جديدة، كانت أبرزها صناعة المحتوى والبث المباشر. وبمرور الوقت نشأ ما يشبه "اقتصاداً موازياً" تعمل فيه آلاف الحسابات دون أي غطاء قانوني أو ضريبي، وبعوائد مالية تفوق في بعض الحالات مداخيل قطاعات اقتصادية تقليدية.

بدايات الظاهرة
ظهرت الهدايا الرقمية كأداة دعم بسيطة للمحتوى، لكنها سرعان ما تحولت إلى شبكة مالية معقدة تجمع بين المنصة والمشاهد والوسيط والمصرف. ومنذ 2019 بدأت موجة البث المباشر تنتشر في العراق، لكنها بلغت ذروتها في 2021 مع إدخال نظام Coins الذي يسمح بتحويل الهدايا إلى أرباح مباشرة. وهكذا أصبحت دقائق قليلة من البث كفيلة بمنح بعض المؤثرين دخلاً يكاد يضاهي رواتب موظفين حكوميين طوال عام كامل.
ورغم أن المنصات توفر نظاماً واضحاً للدفع عالميًا، إلا أن التحويل المباشر للعراق يواجه عقبات بسبب ضعف البنية المصرفية وعدم ترخيص بعض أنظمة الدفع الإلكترونية. هذا دفع المستخدمين إلى التعامل مع وسطاء يستلمون الأموال نقداً أو عبر حسابات خارجية، ما فتح الباب واسعاً أمام شبهات غسل الأموال.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

مقالات ذات صلة

الجلسة الأولى للبرلمان: الرئاسة والنائب الأول في قلب الخلاف

الجلسة الأولى للبرلمان: الرئاسة والنائب الأول في قلب الخلاف

بغداد/ تميم الحسن تتجه البلاد – على الأرجح – نحو جلسة برلمانية في نهاية الشهر الحالي من دون حسم أيٍّ من الرئاسات الثلاث، في مشهد يعيد إلى الأذهان انسداد عام 2022 حين دخلت العملية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram