TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > معامل المثنى احتجاجات عمالية وتحذيرات من تفاقم البطالة

معامل المثنى احتجاجات عمالية وتحذيرات من تفاقم البطالة

نشر في: 7 ديسمبر, 2025: 12:01 ص

 المثنى / كريم ستار

على أطراف محافظة المثنى تمتد معامل كانت يوماً في واجهة الإنتاج الصناعي في العراق، قبل أن تنزاح تدريجياً إلى الهامش تحت وطأة الإهمال وغياب التخطيط وتوقف التمويل وتقادم المكائن. هذه المصانع، التي شكّلت لعقود أحد أعمدة الاقتصاد المحلي ومصدراً رئيسياً لفرص العمل، تعيش اليوم واقعاً مختلفاً تماماً؛ فهي شبه متوقفة، وتتحول منشآتها شيئاً فشيئاً إلى هياكل إسمنتية صامتة لا تُسمع فيها إلا أصوات العمال المحتجين المطالبين بفرص عمل حقيقية تعيد لهذه المعامل دورها المفقود.
ورغم أن المثنى تُعدّ من المحافظات التي تمتلك قاعدة صناعية واسعة قياساً إلى طبيعة موقعها وحدودها السكانية، إلا أن معظم مصانعها الحكومية تعاني اليوم من توقف شبه كامل. وتشمل هذه المصانع معامل إنتاج الإسفلت والطابوق والسكّر والمواد الإنشائية، إضافة إلى منشآت صناعية أخرى كانت ترفد السوق المحلي بإنتاج مستقر، قبل أن تتراجع أمام موجات الاستيراد وضعف الدعم الحكومي. ومع مرور الوقت، أصبح تعطل هذه المعامل واحداً من أبرز أسباب البطالة المتنامية في المحافظة، خصوصاً بين فئة الشباب.
وعلى مدى الأشهر الماضية، نظّم العشرات من عمال هذه المصانع وقفات احتجاجية متكررة للمطالبة بإعادة تشغيل معاملهم المتوقفة، وتوفير درجات وظيفية لهم أو عقود تشغيلية دائمة. ويؤكد العمال أن معامل المثنى قادرة فعلاً على العودة إلى الإنتاج إذا توفرت الإرادة الحكومية وتم اعتماد خطة إصلاح حقيقية تعيد لهذه المنشآت دورها الصناعي في دعم الاقتصاد المحلي وخلق فرص العمل.
ويقول أحد العمال المحتجين، محمد كاظم: «المعامل ليست مجرد مبانٍ، بل هي قصة حياة لعائلات كاملة كانت تعتمد في دخلها على ما تنتجه هذه المصانع. توقفها بهذا الشكل جعل آلاف الأسر بلا مصدر رزق ثابت».
ويضيف أن «المطالب ليست تعجيزية، بل بسيطة وتتمثل بإعادة تشغيل المصانع، وتحويل العمال إلى عقود دائمة، وتوفير المواد الأولية والطاقة الكهربائية، وحماية المنتج الوطني حتى يتمكن من المنافسة».
من جهته يؤكد مسؤولون محليون أن توقف المعامل لم يكن حدثاً مفاجئاً، بل نتيجة تراكمات بدأت منذ التسعينيات واستمرت حتى السنوات الأخيرة بسبب محدودية الدعم الحكومي وغياب البيئة الاقتصادية الجاذبة للاستثمار الصناعي.
مدير التخطيط في المثنى، قابل حمود، يوضح أن «توقف المعامل والمنشآت الصناعية له انعكاسات سلبية مباشرة على مستوى التشغيل والأيدي العاملة، فهو يخلق مزيداً من البطالة ويضرب واحدة من أهم الركائز الاقتصادية للمحافظة».
ويبيّن أن «إعادة المصانع إلى العمل مرة أخرى تحتاج إلى عدة عناصر متداخلة، أبرزها توفير طاقة كهربائية مستمرة ومستقرة، وهي أساس العمل الصناعي، بالإضافة إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة وتطوير المكائن القديمة التي أصبحت غير قادرة على مجاراة خطوط الإنتاج المعاصرة». كما يشدد على ضرورة «حماية المنتج المحلي الذي تنتجه هذه المصانع من المنافسة غير العادلة للسلع المستوردة، ودعم البنية الصناعية للقطاع الصناعي بشكل كامل حتى يتمكن من النهوض من جديد».
في المقابل، يرى اقتصاديون أن إعادة الحياة إلى معامل المثنى يمكن أن تُحدث فرقاً ملموساً في سوق العمل، وتنعش الحركة التجارية في المحافظة، وتخفف الضغط عن القطاع الحكومي الذي لم يعد قادراً على استيعاب المزيد من التعيينات. ويؤكد الخبير الاقتصادي علي الهطلاني أن «المصانع المتوقفة في المثنى ليست مشاريع خاسرة بطبيعتها، بل ضحية لغياب التخطيط والرؤية الصناعية طويلة الأمد». ويضيف أن «هناك فرصاً حقيقية لإعادة تشغيلها من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص، وتوفير حوافز استثمارية، وتشجيع المستثمرين المحليين والأجانب على إعادة تأهيل خطوط الإنتاج، خصوصاً في معامل مواد البناء التي يحتاجها السوق العراقي بكثافة».
ويشير أيضاً إلى أن معالجة ملف الصناعة في المثنى يحتاج إلى ثلاث خطوات رئيسية: الأولى توفير الطاقة الكهربائية المستقرة، والثانية حماية المنتج المحلي من الإغراق السلعي، والثالثة تحديث البنية التحتية الصناعية وتزويدها بخطوط إنتاج متطورة تتناسب مع معايير الجودة العالمية.
ومع استمرار المطالبات، يبقى باب الأمل مفتوحاً. العمال يؤكدون تمسكهم بحقوقهم، والمسؤولون يتحدثون عن خطط، والخبراء يقدمون حلولاً، لكن التنفيذ لا يزال معلّقاً بقرارات مركزية تنتظر الضوء الأخضر.
وبين الاحتجاجات المتواصلة والوعود المتكررة، تبقى معامل المثنى شاهداً على فجوة كبيرة بين ماضٍ صناعي مزدهر وحاضر يبحث عن فرصة لإعادة التشغيل والعودة إلى الحياة الاقتصادية من جديد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

الفصائلُ تُصعِّد ضد السوداني وتهدد حياة موظفين بعد

الفصائلُ تُصعِّد ضد السوداني وتهدد حياة موظفين بعد "خطأ الوقائع"

بغداد/ تميم الحسن تحوّلت ما عُرف بـ"فضيحة الوقائع" إلى منصة للهجوم على رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد شياع السوداني، وإلى ذريعةٍ متداولةٍ لمنعه من الترشح لولاية ثانية. واعتبرت فصائلُ مسلّحة وقوى سياسية - بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram