سلام حربه
تقدم أي بلد يقاس بأداء سلطاته التشريعية والتنفيذية والقانونية يقابلها السلوك العصري المتحضر لأبناء الشعب كانعكاس لهذا الأداء. تعتبر العملية الديمقراطية من أهم مرتكزات الدول المتقدمة لأنها توفر في النهاية العدالة الاجتماعية وتضع الكفاءة والمهنية في المؤسسات الحكومية وتحافظ على التداول السلمي للسلطة. الديمقراطية ليست كلمة مجردة وتختصر بأن ينتخب المواطن هذا الشخص أو ذاك بل هي منظومة راقية من القيم والقوانين الدستورية والبنى العلمية والمنظمات المدنية والثقافية التي تسهل وتساعد المواطن أن يدلي بصوته دون ترغيب أو ترهيب ليجلس من ينتخبة تحت قبة برلمان تشريعي يستطيع أن يوصل صوت المواطنين وطلباتهم وآرائهم في صياغة القوانين وبناء شكل الدولة.
وهنا السؤال المهم : هل بالامكان أن نسمي ما حصل من انتخابات في العراق منذ عام 2005 ولغاية عام 2025 ولستِ دورات بأنها ممارسة ديمقراطية وان نظام الحكم في العراق نظام ديمقراطي..؟
المتتبع لكل الدورات الانتخابية التي حصلت يخرج بنتيجة مفادها أن كل ما جرى يفتقد الى الشروط الديمقراطية المعروفة لأن العراقي لم يترب على هكذا قيمة اجتماعية أخلاقية ولم يمارس هذا الحق منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وليومنا هذا. وحتى الدستور قد صوت عليه العراقيون رغم أنه ملغوم من أوله الى آخره بالنصوص والمواد القانونية المأزومة التي فصلتها الأحزاب والكيانات الطائفية والعرقية على مقاسها وذهب العراقي لاقراره وهو لم يقرأ ما كُتب فيه من مواد تخص حاضره ومستقبله بل دُفع من قبل المؤسسات الدينية والأحزاب الطائفية والعرقية للموافقة عليه رغم وجود نصوص تدمر حياته الى الأبد لأن تغيير بعض نصوصه غير ممكن لا الآن ولا في المستقبل. المواطن لم يمارس هذا الحق الدستوري في السابق وذهب الى صناديق الاقتراع في الدورات الأولى بفتاوي المؤسسات الدينية ما دفع المواطنين، نسبة 20 بالمئة منهم، أن يعطوا أصواتهم الى الأحزاب الدينية والتحالفات السياسية الطائفية والعرقية التي لديها ميلشيات ومكاتب اقتصادية لتهيمن، بغفلة المواطن وتزوير العملية الانتخابية، على السلطة السياسية وتتحكم بكل المؤسسات السياسية والاقتصادية في ظل نظام محاصصة طائفية وعرقية لتقاسم السلطة كالكعكة بينهم، اذ ليس لديها في برامجها السياسية وأنظمتها الداخلية أية أفكار وخطط لبناء دولة عصرية لأنها أحزاب ظهرت بالصدفة أوجدتها أجندات غريبة لتخريب البلد تتلقى التوجيهات من هذا البلد المجاور أو من ذاك الجهاز المخابراتي المشبوه وأصبح المواطن في النهاية تابعا لا حول ولا قوة تحاصره أزمات المعيشة وتفاقم البطالة وقصور حاد في الخدمات وتخريب ممنهج في الأنظمة الصحية والتعليمية والقانونية والثقافية ومحاصر بالارهاب من قاعدة وداعش والقتل المجاني على الهوية ليجد المواطن نفسه بلا صوت ، يرى كل شيء يتهاوى أمامه، أمنياته، أحلامه، قيمه المدنية، ووعيه الاجتماعي الذي بدأ بالتراجع للنقص الحاد في المشاريع الثقافية والأدبية والفنية وتدهور التعليم، هو مشغول كيف يبقى سالما قادرا أن يسد رمقه ورمق عائلته ويرى بأم عينه تفكك النسيج المجتمعي والعائلي في أعلى درجاته وبدل أن يتسلح المواطن بالعلم ومنطقه الجدلي تم غزو عقله بالأوهام والخرافات من خلال ما تبثه القنوات الفضائية التي تمتلكها الأحزاب الحاكمة وما يتحدث به القائمون على المنابر الدينية من تسويق لماض أصفر يقتل عند المواطن كل رغبة في الحياة كونها دار فناء وهناك السعادة الحقيقية في الدار الآخرة وتم التجاوز على حقوقه الشخصية ما جمد رغبة المواطن في التغيير وشلت الروح الثورية لديه وارتضى السكون والتقوقع النفسي وكأنه دمية بيد المسؤولين يحركونها أنى شاءوا، يدفعونه في كل جولة انتخابية أن يدلي بصوته لهم مقابل مبالغ مالية بسيطة لأنهم يعلمون أن جيبه فارغ على الدوام بسبب نظامهم الاقتصادي الريعي الذي يعتمد على بيع النفط وتوقف كل القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية والخدمية . وتفشي الفساد في كل مفاصل الدولة لدرجة أصبح ثقافة عامة لا تستطيع كل المؤسسات الرقابية أن تقضي عليه وخلق لدى الكتل السياسية والأحزاب امبراطوريات مالية وهياكل عسكرية تفوق ما تملكه الدولة من امكانيات وقدرات وتشكل تهديد دائم لها.
هل بامكاننا أن نسمي تدوير نفس الوجوه السياسية منذ عام 2005 وحتى بعد عشرين عاما بأن هذه عملية ديمقراطية..؟ العراق اليوم يدور في حلقة مفرغة وكل يوم يمر يزداد واقع المواطن تدهورا في كل المقاييس الانسانية وتراجعا حادا في اختياراته وقناعاته وتخليه عن أفكاره السابقة في حين تزداد الكتل السياسية ثراءً وتغولا وتمسك بيد من حديد كل الحلقات التنفيذية والتشريعية والقانونية ويقينها راسخ أن تشديد الحصار على المواطن سيجعل من المجتمع قطيعا يسهل قياده وهي من تحدد ثمنه وقد رصدت له مليارات الدولارات، ما يدمي القلب أن يصل سعر صوت المواطن، وهو سعره كانسان في نظر الكتل الفاسدة، في الانتخابات الأخيرة قد تراجع الى خمسين أو مئة ألف دينار وهذا ما صرح به أعضاء الكتل المتنافسة التي تدعي القوة والاقتدار والماينطوها والمايضيعوها وهم الأمة والعزم والسيادة وغيرهم. مثل هذه الانتخابات تزيد من الهوة بين المواطن وسياسيي الصدفة العملاء الماسكين بخناقه، هذا التنكيل والانهيارات والمآسي ( الديمقراطية ) ليست الى ما لا نهاية وقد يقف التغيير عند الأبواب. سينتفض المواطن يوما، عند حصول أية هزة سياسية أو اقتصادية، لينتقم لشرفه وكرامته ووجوده وسيكون رد فعله عنيفا ضد هذه الكيانات السياسية التي أذلته ودفعت به نحو الحضيض، ستجد أن لا حامي لها وستكون نهايتها كارثية لم تخطر في بالها يوما وأبشع من نهاية كل الدكتاتوريات لأن مثل هذه الديمقراطية المزيفة لا تقل دماراً من أعتى الدكتاتوريات التي ظهرت في تاريخ المجتمعات..










