طالب عبد العزيز
منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله. هناك أكثرُ من رهط انتخابي؛ تتناطحُ الرؤوس على إدارته بأدوات ظاهرها ديمقراطي، وباطنها خداع وتآمرٌ- فهم يعملون بآليات السياسة العراقية لا بآليات الثقافة والادب- في صراع دائر منذ سنوات بلغ في بعض أحاينه حدَّ التشاتم والمواجهة، إذْ كلُّ فريق يرى في نفسه الاهلية والقدرة، التي لا يراها في غيره، فاستعمل بعضُهم عكازاً حزبياً قديماً، ووقف غيرُه مستعينا بسابقته وماضيه الادبي، وحاول أكثر من واحد التصدي لهذين، ملوّحاً بورقة الراديكالية التي ستقصي الأول والثاني، وهكذا ركض معهم أتباعهم، كلٌّ ينال من آخره المختلف، غير مبال بما تؤول اليه ثقافة المدينة، وما يرشح عن ذلك من فرقة وتناحر، لكنَّ النتائج تنتهي دائما بصعود رؤوس الأقطاب الثلاثة؛ فيتشكل مجلسٌ أبعد ما يكون عن المجانسة والوئام، مجلس لا صبغة له، فهم خصومٌ اجتمعوا على طاولة واحدة ليظلوا خصوماً.
قد يقول أحدُنا بأنَّ حال الثقافة والادب والصحافة والفن لا يختلف عن حال السياسة في العراق، من تآمر واقصاء ونبذ للآخر، وهذه لعبة الديمقراطية، وهو محقٌّ؛ لكننا نقول بأنَّ الثقافة في بعض توصيفاتها تختلف عن السياسة، فهي نتاج حضاري، وبناء اجتماعي، وإعلاء من شأن قيم الذوق والجمال، وهي صوت وإن كان خافتاً؛ غايته نبيلة كبرى تعمل على ترميم ما يتصدع في الروح الإنسانية، التي أثخنتها فؤوس السياسيين، وهي المُعَوّلُ عليها في حركة التغيير.. وما يحدث اليوم في الثقافة العراقية من تخريب أمرٌ جلل مريع، لا يمكن تركه بلا ردع، يكفي ما أنتجته أساليب السياسة من تخريب في النفس العراقية، والكلُّ يرى أنْ على الثقافة ورجالها مهمة الانتشال، مع يقيننا بأنَّ المتصارعين أبعد ما يكونوا عن المهمة هذه مع الأسف.
يتحمل أعضاء المجلس السابقون منذ سقوط النظام الى اليوم مسؤولية حشر أدعياء الادب في عضوية الاتحاد، من خلال الزيادة غير الطبيعية في عدد أعضائه، ويؤسفنا القول بأنَّ الامر لا يقتصر على إتحاد الادباء في البصرة؛ أبداً، فحال المركز العام والمدن الأخرى لا يسرُّ ايضاً. هذه الأعداد الكبيرة، التي تسمّى زوراً (أدباء) هي التي تقف وراء صعود المجالس المتصارعة وغير المنسجمة وتلكؤ الثقافة العراقية. المجانية في منح الهويات تعرقل كل حركة اصلاح ثقافية،لأنَّ المئات من الادباء(الفضائيين) يعملون على تغيير نتائج كلِّ انتخابات لصالح من جاؤوا بهم، وبما ينتج عن ذلك من احتراب وتقاطع بين الهيئات. لا يضيف هؤلاء الى الثقافة شيئاً، فهم خارج التوصيف في الادب، وهم موظفون عند من اقترحهم(أدباء) وظيفتهم قلب نتائج المعادلات الانتخابية، يأتون يوم الاقتراع، ليمنحوا أصواتهم إلى الذي منحهم الصفة لا غير، وهم تابعون، وموالون مقادون، لا يحملون من الادب إلا الهوية، ولا يعنيهم من أمر الادب والثقافة أبعد من الورقة التي يضعونها في الصندوق. نقولها صادقين بأنَّ أيَّ إحصاء لأسماء الادباء الفاعلين في المدينة لن يبلغ الثلاثين أديباً في أبعد الأحوال، فيما العدد يتجاوز هذا الى المئات، وسيأتي اليوم الذي يتسيد فيه هؤلاء الاشباح المشهدَ الثقافي بسبب ترفّع الادباء الحقيقيين عن خوص ممارسة انتخابية لم تعد مجدية.









