TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كلاكيت: مهرجان البحر الاحمر فسيفساء تتجاور فيها التجارب

كلاكيت: مهرجان البحر الاحمر فسيفساء تتجاور فيها التجارب

نشر في: 11 ديسمبر, 2025: 12:03 ص

 علاء المفرجي

في دورته الخامسة، يتخذ مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي شعار «في حب السينما» منهجًا له، في سعيه لإبراز هذا الشغف الكبير والقيمة العليا التي تعكسها كل تفصيلة وكل خطوة من خطواته بوصفه منصةً عربيةً كبيرة تحتضنُ التجاربَ السينمائية الأكثر تأثيرًا في العالم. ينعكسُ هذا الشعار في اختيارات الأفلام والفعاليات، وفي الحراك الذي يصنعه المهرجان داخل فضاءٍ يفتحُ المجال لتلاقي المبدعين من أنحاء العالم. وفي مدينة جدة التاريخية، حيث تتجاور الذاكرة مع صخب الحاضر، يقدِّم المهرجان دورةً مفعمةً بوهج الحضور العالمي والعروض الخاصة والحوارات التي تكشف نبض الصناعة اليوم، محتفيًا بالسينما كفنٍ قادرٍ على التقاط تحولات العالم وانشغالاته.
ومن بين ملامح هذه الدورة، يكشفُ المهرجان عن مبادرة «منطقة الجماهير»، وهي مساحة تُفتح للمرة الأولى لتقريب الجمهور من نجومهم عبر لقاءاتٍ مباشرةٍ على السجادة الحمراء، لتُضفي بُعدًا اجتماعيًا خاصًا على الاحتفال السينمائي، مؤكدةً على الدور المتنامي للجمهور في تشكيل الذائقة السينمائية وفي إعادة تعريف مكانة السينما في المشهد الثقافي.
أما البرنامجُ الفني فهو بستانٌ عامرٌ بقطوفٍ متنوعةٍ نرى بشائرها في اختيارات المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة التي تضم 16 فيلمًا من العالم العربي وآسيا وأفريقيا، يتنافسون على جوائز اليُسر. تتنوع هذه الأعمال بين الروائي والوثائقي وأفلام التحريك، بما يعكس رغبة المهرجان في توسيع مفهوم المسابقة واحتضان مقاربات سينمائية مختلفة. ومن بين أبرز الأفلام العربية المشاركة، فيلم «هجرة» للمخرجة السعودية شهد أمين، الترشيح السعودي الرسمي للأوسكار، والذي يتناول حكاية ثلاث أجيال من النساء في رحلة بين الطائف ومكة. كما يَحضر الفيلم اللبناني «نجوم الأمل والألم» لسيريل عريس، وهو دراما تمتد على عقود تربط بين الماضي والحاضر في بيروت. ويأتي فيلم «اللي باقي منك» للمخرجة الفلسطينية الأميركية شيرين دعيبس ليقدّم سردية إنسانية ترتبط بقضايا فلسطينية معاصرة، مؤكدًا حرصَ المهرجان على إتاحة مساحة لأفلام تُبنى على التجربة الفردية والجمعية. ولا تقتصر المسابقة على الروائي فقط، بل تضم أفلامًا تجريبية وتحريكًا ووثائقيات، في إشارة واضحة إلى دعم المهرجان لخيارات فنية متنوعة وتأكيده أن السينما لغة مفتوحة لا تحدّها صيغة واحدة.
ويمتد هذا التنوع إلى برنامج «السينما السعودية الجديدة» قسم الأفلام الطويلة، حيث يحرص المهرجان على تقديم تجارب محلية تعبّر عن اتساع المشهد السعودي وفرادته. تتنافس في هذا القسم خمسة وثائقيات تتباين موضوعاتها بين الرياضي والروحاني والمغامرة والفنون. يأتي فيلم «نور» لعمر المقري ليوثّق رحلةَ اللاعب السعودي محمد نور، من البدايات المتواضعة إلى التحوّل إلى رمزٍ رياضيّ. وفي فيلم «المد البشري» لدايفيد وارد، يمضي العمل في مسارٍ روحاني يصحب المشاهدين عبر التجربة الجماعية للحج، ملتقطًا إنسانية هذا الطقس وما يجمّعه من تنوع بشري. أما فيلم «سبع قمم» لأمير الشناوي، فيتبع مغامرًا سعوديًا يحاول تسلّق أعلى قمم العالم، كاشفًا عن مغامرة فردية تتجاوز المألوف. ويأتي فيلم «رأيت رسم الرمال» لعبدالله الحمدي كمزيج بين الواقع والتوثيق والمتخيّل، بينما يتجه فيلم «دوائر الحياة» لخالد الدسيماني إلى تتبع رحلة الفنانين السعوديين في المسافة بين الذاكرة والحلم، ملتقطًا التفاصيل الصغيرة التي لا نراها عادة إلا حين يعيدها الفيلم إلينا بهدوء ووضوح. تشترك هذه الوثائقيات في محاولة القبض على المعنى في بلدٍ يتحرك بسرعة، لكنه يسعى في الوقت نفسه للإنصات لصوته الداخلي.
يقدّم برنامج «السينما السعودية الجديدة للأفلام القصيرة» صورةً بانوراميةً لمشهدٍ سعوديٍّ شاب ينمو عبر التجريب والبحث. تبدو فيه السينما القصيرة مساحةً مفتوحةً لاختبار الأفكار قبل أن تتحوّل إلى مشاريع أكبر. 21 فيلمًا يشكّلون مختبرًا واسعًا تتعدّد فيه اللغات والأساليب. تظهر أفلام التحريك مثل «السمكة الذهبية» و«وجبة منتصف الليل» لتجسيد خيالٍ قادرٍ على قول ما لا تقوله الصورة المباشرة، فيما تعمل أفلامٌ روائيةٌ مثل «شرشورة» و«نقيض» على تفكيك العلاقات الإنسانية اليومية في قوالب مكثّفة. وتأتي أفلام وثائقية مثل «دينامو السوق» و«سارح» لتضيء شخصيات تعيش في الهامش لكنها تحمل حكايات تستحق أن تُروى. وفي الجانب التجريبي، يتقدّم فيلم «كاتب متسلسل» الذي يعيد النظر في شكل الحكاية وحدودها، مؤكدًا أن السينما ليست قالبًا ثابتًا بل إمكانيةً مفتوحة.
وفي سياقٍ متّصل، يحضر هذا العام برنامج «المواهب الصاعدة» الذي يقدّم فرصةً لصناع أفلام تتراوح أعمارهم بين 10 و16 عامًا للظهور على منصة احترافية. يجمع البرنامج بين ورش تطوير النص، ومحاضرات في بناء الهوية الإخراجية، وتدريبات على إدارة الإنتاج، ويتيح عرض مشاريعهم أمام منتجين دوليين. يُعرض في هذا القسم نحو 12 فيلمًا، من بينها «آخر تسجيل»، «جذور بين بحور»، «أحمد في جوي»، و«رجل من خشبة المسرح». وإذا دلّت هذه التجارب على شيء فهي بلا شك إشارات واضحة لجيلٍ يتعلّم السينما كما يتعلّم لغته الأولى: بثقة وإخلاص ورغبة في التعبير.
كما يقدّم المهرجان هذا العام باقة منتقاة من أبرز إنتاجات السينما العربية الحديثة ضمن برنامج «روائع عربية» تجمع بين التجربة المستقلة والصناعة التجارية. تتصدّره عدد من الأصوات النسائية من بينهن المخرجة آن ماري جاسر وفيلمها «فلسطين 36» الذي يستعيد لحظةً فاعلةً من تاريخ النكبة ويُعيد النظر في ذاكرة الوطن، و«المجهولة» للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، وهو إثارة بوليسية تؤرّق الصور النمطية عن المرأة والعنف، و فيلم «جوازة ولا جنازة» أول الأعمال الروائية الطويلة للمخرجة أميرة دياب، يصنّف ضمن الكوميديا السوداء، ويجمع في بطولته نخبةً من الممثلين مثل نيللي كريم وشريف سلامة ولبلبة، إلى جانب الفيلم السعودي «مسألة حياة أو موت» للمخرج أنس باطهف الذي يفتح نافذةً جديدةً على سردٍ رومانسيٍّ معاصرٍ داخل جدة، وفيلم «رهين» للمخرج أمين الأخنش، وهو تجربة كوميدية ساخرة من الهوامش الاجتماعية. بهذه المجموعة، يسعى القسم إلى التقاط نبض السينما العربية من مختلف الاتجاهات، مقدّمًا مأخوذات فنية تدفع الصراع بين الحداثة والهوية إلى مساحة العرض.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

 علي حسين دائما ما يطرح على جنابي الضعيف سؤال : هل هو مع النظام السياسي الجديد، أم جنابك تحن الى الماضي ؟ ودائما ما اجد نفسي اردد : أنا مع العراقيين بجميع اطيافهم...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان البحر الاحمر فسيفساء تتجاور فيها التجارب

 علاء المفرجي في دورته الخامسة، يتخذ مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي شعار «في حب السينما» منهجًا له، في سعيه لإبراز هذا الشغف الكبير والقيمة العليا التي تعكسها كل تفصيلة وكل خطوة من خطواته...
علاء المفرجي

لمناسبة يومها العالمي.. اللغة العربية.. جمال وبلاغة وبيان

د. قاسم حسين صالح مفارقة تنفرد بها الأمة العربية، هي ان الأدب العربي بدأ بالشعر أولا ثم النثر، وبه اختلفت عن الأمم التي عاصرتها: اليونانية، الفارسية، الرومانية، الهندية، والصينية.. ما يعني ان الشعر كان...
د.قاسم حسين صالح

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

جورج منصور في عالمٍ يتسارع فيه كلُّ شيء، ويكاد الإنسان أن ينسى نفسه تحت وطأة الضجيج الرقمي والركض اليومي، يظلُّ (معرض العراق الدولي للكتاب)، بنسخته السادسة، واحداً من آخر القلاع التي تذكّرنا بأن المعرفة...
جورج منصور
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram