بغداد/ تميم الحسن
للمرة الأولى منذ قرابة شهر، يتلقى "الإطار التنسيقي" قائمة شبه نهائية بأسماء المرشحين لمنصب رئيس الحكومة المقبلة.
ورغم هذا التطور، لا تزال الافتراضات بشأن موعد حسم مرشح رئاسة الوزراء غامضة، مع ترجيحات بأن يمتد النقاش لأسابيع وربما لأشهر إضافية.
وتشير المعطيات السياسية إلى أن الشروط التي يطرحها "الإطار" مقابل قبول أي مرشح لرئاسة الحكومة تشكّل العقبة الأبرز أمام استكمال التفاهمات داخل البيت الشيعي، في ظل تباين واضح حول صلاحيات ومجال حركة رئيس الوزراء الجديد.
وكان "الإطار التنسيقي" قد أعلن الشهر الماضي نفسه الكتلة الأكبر في البرلمان بـ170 نائباً، عقب انضمام كتلة "الإعمار والتنمية" التي يقودها رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد شياع السوداني، والتي حازت أعلى عدد من الأصوات بواقع 46 مقعداً.
ومنذ أواخر تشرين الثاني، دخل التحالف الشيعي في جولات مفاوضات مكثفة لتشكيل الحكومة الجديدة، وسط أحاديث عن منافسة محتدمة بين السوداني ونوري المالكي، زعيم "دولة القانون"، على منصب رئيس الوزراء.
جلسة الإطار الأخيرة: تطور لافت بلا حسم
وعن أجواء المفاوضات، كشف مصدر سياسي رفيع أن "الإطار التنسيقي" تسلّم، في اجتماعه الأخير، قائمة شبه نهائية بأسماء المرشحين لمنصب رئيس الوزراء، وذلك للمرة الأولى منذ انتهاء الانتخابات. ورغم امتناعه عن ذكر عدد المرشحين أو هوياتهم، أشار المصدر إلى أن القائمة تضم "ما لا يقل عن 3 أسماء"، جاءت بعد تصفية أولية شملت أكثر من 15 مرشحًا كانت لجنة تشكيل الحكومة قد تلقّتها سابقًا.
وأوضح المصدر أن عملية التقليص ما تزال مستمرة بانتظار اختيار اسم واحد فقط، مؤكداً أن ملف رئاسة الوزراء "لم يُحسم بعد".
وفي السياق، ذكرت الدائرة الإعلامية للإطار أن الاجتماع الدوري المرقم (253)، والذي عُقد في مكتب رئيس تحالف "النهج الوطني" عبد الحسين الموسوي، يوم الاثنين الماضي، خُصّص لبحث آخر تطورات المشهد الوطني ومناقشة البنود المدرجة على جدول الأعمال.
وخلال الاجتماع، قدّم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إحاطة حول المستجدات الأمنية والسياسية، مع التشديد على ضرورة استمرار التنسيق بين القوى السياسية لتعزيز الاستقرار ودعم متطلبات المرحلة المقبلة.
وأشار بيان الإطار إلى أن الجلسة شهدت "تطورًا مهمًا" في مناقشة آلية اختيار مرشح رئاسة الوزراء الجديد، عبر مراجعة الاتصالات الجارية مع القوى الوطنية وداخل الإطار نفسه، والاتفاق على مواعيد محددة لاستكمال إجراءات الحسم. كما رحّب قادة الإطار بالخطوات التي "تعزّز العمل المشترك وتوحد المواقف في مواجهة التحديات القائمة".
وبحسب اتصالات أجرتها "المدى" في وقت سابق مع شخصيات مطلعة على مسار التفاوض داخل التحالف الشيعي، فإن الإطار يبحث عن شخصية قادرة على الحفاظ على القرار السياسي داخل البيت الشيعي، مع مراعاة المتطلبات الأميركية لإدارة المرحلة المقبلة.
وتشير تقديرات مراقبين إلى أن الإطار بدأ يبطئ وتيرة تحركاته بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن.
وتوقّع نائب سابق مطلع على أجواء المفاوضات أن يكون رئيس الوزراء المقبل من بين قيادات الصف الأول، مشيراً إلى أن المنافسة تتركز حول "اسم واحد من بين عشرة أسماء مطروحة"، تشمل نوري المالكي، ومحمد شياع السوداني، وحميد الشطري، فيما استبعد الاتجاه نحو "مرشح تسوية".
وكانت اللجنة الخاصة التي شكّلها الإطار الشهر الماضي قد تسلّمت قائمة تضم 15 مرشحًا، بعد مقابلة نحو 40 متقدماً، تعمل حالياً على تصفيتها لتكون أمام ثلاثة أسماء فقط: المرشح "السوبر"، المرشح الاحتياطي الأول، المرشح الاحتياطي الثاني.
متى يُكشف عن اسم رئيس الوزراء؟
يقول عامر الفايز، رئيس حركة تصميم والقيادي في "الإطار التنسيقي"، إن الجلسة الأولى للبرلمان المقبل قد تُعقد وقد حُسم خلالها اسم رئيس الحكومة، لكن احتمال تأخر الإعلان ما يزال قائماً.
ويوضح في حديث لـ(المدى) أن الإطار "قادر على حسم اختياره خلال شهر أو أقل"، إلا أن عملية تشكيل الحكومة قد تمتد فترة أطول بسبب الحاجة إلى انتخاب رئيسي الجمهورية والبرلمان أولاً.
ويوم الثلاثاء الماضي، رجّحت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن تُصادق المحكمة الاتحادية على النتائج خلال اليومين المقبلين، عقب استكمال جميع الإجراءات القانونية.
لكن الفايز – وهو نائب سابق وعضو في البرلمان الجديد عن البصرة – يتوقع أن تستغرق المحكمة الاتحادية عدة أيام للتصديق على النتائج النهائية للانتخابات، قبل التئام البرلمان في جلسته الأولى.
وبموجب الدستور، على البرلمان عقد جلسته الأولى خلال 15 يومًا من المصادقة، برئاسة أكبر الأعضاء سناً، لانتخاب رئيس المجلس. أما انتخاب رئيس الجمهورية فله مهلة 30 يومًا، لكن التجربة العراقية تشير إلى أن هذه السقوف الزمنية غالبًا ما تتجاوزها الخلافات السياسية.
وبعد انتخاب الرئيس، يكلف الأخير مرشح "الكتلة الأكبر" بتشكيل الحكومة خلال 15 يومًا، على أن يقدّم المكلف تشكيلته خلال 30 يومًا.
ويكشف الفايز أن قبول "الإطار" لمرشح رئاسة الوزراء مرتبط بجملة من الشروط التي وضعها التحالف الشيعي، موضحًا أن اللجنة الخاصة باختيار المرشح "ستراعي أن يكون قويًا، نزيهًا، مهنيًا، لا يرأس حزبًا، ولا يشارك أو يدعم أي قائمة انتخابية".
وتقول مصادر مطلعة إن شروط "الإطار" جرى تعديلها بعد أزمة "الوقائع العراقية" التي صنّفت جماعات مثل "حزب الله" اللبناني و"الحوثيين" في اليمن على لوائح الإرهاب، إضافة إلى تداعيات ما عُرف بـ"نوبل ترامب".
هذه التطورات دفعت التحالف لإعادة صياغة اشتراطاته، بحيث يُلزم رئيس الوزراء المقبل بالتشاور المسبق مع "الإطار" في القرارات السياسية الداخلية والخارجية، في محاولة لضمان السيطرة على توجهات الحكومة، بحسب بعض القراءات.
وفي مقابلة تلفزيونية حديثة، شدّد رئيس الحكومة المنتهية ولايتها محمد شياع السوداني على رفض فكرة استقدام "موظف" لرئاسة الوزراء، معتبراً أن ذلك سيقود إلى "حكومة ضعيفة لا تصمد أمام التحديات".
وجاء هذا التصريح في خضم انتقادات حادة وجهتها فصائل مسلحة وقوى سياسية، بعضها مباشر وبعضها بتلميحات، ضد ما وصفته بـ"خطأ الوقائع" و"نوبل ترامب"، معتبرة الأمر "خيانة" ونهاية لمشروع السوداني السياسي.
وكان ائتلاف السوداني "الإعمار والتنمية" قد أعلن الأسبوع الماضي ترشيح زعيمه لمنصب رئيس الحكومة المقبلة، مستندًا إلى "نجاح التجربة" خلال رئاسته للحكومة، وإلى كون الائتلاف يمثل الكتلة الأكبر داخل الإطار التنسيقي والأكثر عددًا في البرلمان.
التفاهمات ليست سهلة… ولا "فيتو" على الفصائل!
على الرغم من التعقيدات المحيطة بالمشهد الشيعي والشروط التي يضعها "الإطار التنسيقي" لقبول مرشح رئاسة الوزراء، يؤكد عامر الفايز أن مسار التفاهمات داخل التحالف "ليس معقدًا، لكنه في الوقت نفسه ليس سهلاً".
ويشير الفايز، القيادي في الإطار، إلى أن رئيس الحكومة المقبل سيحظى بتوافق قوى الإطار، موضحًا أنه "لا توجد حتى الآن آلية تصويت رسمية" داخل التحالف لحسم الاختيار.
كما نفى الفايز وجود أي تحفظات أو "فيتو" على ترشيح شخصيات تمتلك أجنحة مسلحة أو قريبة من الفصائل لمنصب رئيس الوزراء، خلافًا لما يتردد في الأوساط السياسية وما تلمح إليه رسائل أميركية في هذا الشأن، مؤكداً أن "الجميع يمكنه الترشح، لكن القرار النهائي يبقى بيد الإطار التنسيقي".
وخلال الأسبوع الماضي، تحدث وزير الخارجية فؤاد حسين عن الرغبة الأميركية في "عدم إشراك الفصائل في الحكومة المقبلة"، وهو موقف سبق أن عبّر عنه قبل أسابيع.
وفي نهاية تشرين الثاني، صرّح المبعوث الرئاسي الأميركي إلى العراق، مارك سافايا، بأن البلاد تقف "عند مفترق طرق: إما حصر السلاح أو العودة إلى دوامة التعقيد".









