ترجمة/ المدى
فرضت المملكة المتحدة عقوبات على أربعة من كبار قادة قوات الدعم السريع شبه العسكرية في السودان، من بينهم نائب القائد عبد الرحيم حمدان دقلو، متهمةً إياهم بتدبير عمليات قتل جماعي، وعنف جنسي منهجي، وهجمات متعمدة على المدنيين خلال الهجوم الذي شنّته قوات الدعم السريع لأشهر على مدينة الفاشر.
وتصعّد هذه الخطوة الضغوط الدولية على أحد أكثر الشخصيات نفوذاً في هرم قيادة قوات الدعم السريع، وتمثل المرة الثالثة التي يُفرض فيها الحظر على عبد الرحيم دقلو، بعد إدراجه سابقاً على قوائم العقوبات الأميركية وغيرها من الحكومات الغربية.
وتأتي العقوبات أيضاً بعد أقل من شهر على إدراج الاتحاد الأوروبي لعبد الرحيم على القائمة السوداء بسبب دوره في حملة دارفور، حيث قال إنه «لعب دوراً محورياً في حملة قوات الدعم السريع في دارفور».
عبد الرحيم، وهو شقيق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف باسم «حميدتي»، يخضع بالفعل لعقوبات أميركية، إلى جانب حميدتي وشقيقهما الأصغر الغوني دقلو، بسبب أدوارهم في توجيه عمليات قوات الدعم السريع والإشراف على شبكات مليشياوية متورطة في فظائع في أنحاء دارفور.
وقالت الحكومة البريطانية: "توجد أسباب معقولة للاشتباه في أن [عبد الرحيم] متورط أو كان متورطاً في عمليات قتل جماعي للمدنيين، وعمليات إعدام ذات طابع عرقي، وعنف جنسي منهجي بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، وعمليات خطف مقابل فدية، واعتقالات تعسفية، وهجمات على المرافق الصحية والعاملين في المجال الإنساني".
وتأتي العقوبات البريطانية بعد أقل من شهرين على سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور وآخر معقل عسكري رئيسي للجيش السوداني في الإقليم. سقطت المدينة في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2025، منهيةً حصاراً دام 18 شهراً، وأدى إلى انهيار الفرقة السادسة مشاة التابعة للقوات المسلحة السودانية، التي صمدت تحت تطويق شديد وهجمات متكررة من قوات الدعم السريع.
وفي الأيام التي أحاطت بسقوط المدينة، قُتل آلاف المدنيين والجنود والمقاتلين السابقين على طرق الفرار، وداخل المستشفيات، وعلى أطراف الفاشر. وتُظهر صور الأقمار الصناعية التي راجعها «سودان وور مونيتور»، إلى جانب شهادات ناجين ومقاطع فيديو صوّرها مقاتلو قوات الدعم السريع، مشاهد لعمليات إعدام جماعية، وعمليات قتل ممنهجة للرجال الفارين، وإطلاق نار داخل المرافق الطبية، وهي أنماط من العنف شبّهها محللون إنسانيون بـ«إبادة جماعية على مستوى رواندا».
وصل عبد الرحيم إلى الفاشر بعد يومين من سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة، ليصبح أول قائد رفيع في قوات الدعم السريع يدخلها. وقد وضعه وجوده في موقع قريب مباشرة من الفظائع التي ارتُكبت أثناء السيطرة على المدينة وبعدها. وتشير التقييمات الأولية التي أجراها «سودان وور مونيتور» ومنظمات بحثية مستقلة إلى أن عدد القتلى بلغ عدة آلاف، بينهم مدنيون وجنود جُرّدوا من سلاحهم وأُعدموا بعد استسلامهم.
وقد شكّل وصوله إلى المدينة، إلى جانب سلطته العملياتية الشاملة على وحدات قوات الدعم السريع في دارفور، أساساً مركزياً لاستنتاج الحكومات الغربية بأنه يتحمل مسؤولية قيادية عن الانتهاكات. وكان هذا الاستنتاج عاملاً رئيسياً في فرض العقوبات البريطانية الأخيرة، مضيفاً مزيداً من الضغط الدولي على قيادة قوات الدعم السريع.
وشملت العقوبات البريطانية أيضاً كلاً من جدو حمدان أحمد، وهو قائد قوات الدعم السريع في شمال دارفور، وتيجاني إبراهيم موسى محمد، وهو قائد ميداني، والفتح عبد الله إدريس (المعروف أيضاً باسم أبو لولو)، الذي ظهر في عدة مقاطع فيديو وهو يقتل أسرى غير مسلحين.
وقالت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر إن الفظائع «تترك ندوباً في ضمير العالم»، مضيفة أن لندن ستواصل ملاحقة القادة «الذين تلطخت أيديهم بالدماء»، مع توسيع المساعدات الإنسانية للمدنيين العالقين بسبب القتال.
وأضافت كوبر بقولها: «الفظائع التي تجري في السودان مروّعة إلى حد أنها تترك ندوباً في ضمير العالم. فالأدلة الساحقة على الجرائم الشنيعة — الإعدامات الجماعية، والتجويع، والاستخدام المنهجي والمقصود للاغتصاب كسلاح حرب — لا يمكن ولن تمر دون عقاب».
ومضت بالقول: «العقوبات التي فُرضت اليوم على قادة قوات الدعم السريع تستهدف مباشرةً أولئك الذين تلطخت أيديهم بالدماء، بينما ستوفر حزمة مساعداتنا المعززة دعماً منقذاً للحياة لمن يعانون. لن تغض المملكة المتحدة الطرف، وسنقف دائماً إلى جانب شعب السودان».
إلى جانب العقوبات، أعلنت المملكة المتحدة عن تقديم 21 مليون جنيه إسترليني إضافية كمساعدات طارئة للمجتمعات المتضررة من الحرب، لترتفع مساهمتها الإجمالية هذا العام إلى 146 مليون جنيه إسترليني. وستدعم حزمة المساعدات توزيع الغذاء، والرعاية الطبية، وخدمات الحماية، ولا سيما للنساء والأطفال الذين فرّوا من المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع.
وفي تطور لاحق، أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش هجوماً بطائرة مسيّرة استهدف إقليم كردفان الجنوبي في السودان السبت، أسفر عن مقتل ستة أفراد من قوات حفظ السلام البنغالية وإصابة ثمانية آخرين بجراح.
ونبّه، في بيان أصدره السبت، إلى أن «الهجمات التي تستهدف قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة قد ترقى إلى جرائم حرب بموجب القانون الدولي».
وذكّر غوتيريش جميع أطراف النزاع في السودان بالتزامهم حماية موظفي الأمم المتحدة والمدنيين، وقال إن الهجمات التي استهدفت قوات حفظ السلام في جنوب كردفان اليوم «غير مبررة، ولا بد من محاسبة المسؤولين عنها».
وكرر الأمين العام دعوته للأطراف المتحاربة للاتفاق على وقف فوري للأعمال العدائية واستئناف المحادثات للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار «وعملية سياسية شاملة وجامعة ومملوكة للسودانيين».
وبحسب وكالات الأمم المتحدة، يحتاج أكثر من 30 مليون سوداني حالياً إلى مساعدات إنسانية، فيما نزح نحو 12 مليون شخص. وقالت لندن إنها تستعد لاتخاذ إجراءات إضافية، بما في ذلك فرض عقوبات أخرى، في إطار سعيها إلى تحقيق المساءلة عن الجرائم المرتكبة في الفاشر وضمان الامتثال الأوسع للقانون الإنساني الدولي في أنحاء السودان.
واندلعت الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023، عندما تحولت التوترات المتصاعدة بين الجيش والمجموعة شبه العسكرية إلى صراع مفتوح. وقد أسفرت الحرب عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، وتشريد ما يقرب من 13 مليوناً، ودفع بعض المناطق إلى حافة المجاعة.
عن صحف ووكالات عالمية









