ترجمة المدى
اعترف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه سيضطر إلى تقديم تنازلات مؤلمة في محادثات السلام الجارية، بما في ذلك التخلي عن طموحات أوكرانيا بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتنازل عن بعض الأراضي لروسيا، وذلك مع انطلاق الاجتماعات مع المبعوثين الأميركيين في برلين في 14 كانون الأول/ديسمبر.
وقد وُجِّهت دعوة في اللحظة الأخيرة إلى المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب جاريد كوشنر، للحضور إلى برلين للقاء الزعيم الأوكراني، في ظل بدء تبلور حل تفاوضي محتمل. وتتزايد حالة التفاؤل بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع تركيز المحادثات على قضايا الأمن والأراضي، إلا أن الفجوة بين موقفي الجانبين لا تزال كبيرة. واستمرت الجلسة الأولى في برلين خلال عطلة نهاية الأسبوع لأكثر من خمس ساعات، وكانت شديدة الكثافة، حيث جرى تناول جميع القضايا الجوهرية، وكانت المناقشات حول السيطرة على الأراضي الأكثر توترًا، وفقًا لتقارير خرجت من الاجتماع. ومن المقرر عقد جلسة ثانية في 15 كانون الأول/ديسمبر.
الوقت يضغط على المفاوضات. فقد أوضح الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه يفضّل إغلاق الصفقة قبل عطلة أعياد الميلاد، وهدد بالانسحاب الكامل إذا تعذر التوصل إلى اتفاق. وفي الوقت الذي تحقق فيه القوات المسلحة الروسية أسرع تقدم لها في ساحة المعركة منذ بداية الحرب، وتترنح أوكرانيا على حافة انهيار اقتصادي كلي، يرغب بوتين أيضًا في إنهاء الاتفاق سريعًا، لكنه قال في الوقت نفسه إنه لا يمانع مواصلة القتال على أمل تحقيق نصر عسكري في وقت ما مطلع عام 2026.
ويراقب الكرملين المحادثات عن كثب، وقد قال بالفعل إنه من المرجح أن يرفض جميع المقترحات القادمة من أوكرانيا وأوروبا، إذ تتركز المناقشات في برلين حاليًا على النسخة الأوروبية من خطة السلام، وليس النسخة الروسية التي جرى التوصل إليها في موسكو في بداية الشهر.
ورفض يوري أوشاكوف، مستشار بوتين للسياسة الخارجية، أي مقترحات مدعومة من الاتحاد الأوروبي، واصفًا إياها بأنها «غير مرجح أن تكون بنّاءة»، وحذّر البيت الأبيض من أن الكرملين ستكون لديه «اعتراضات حادة» إذا وافق المبعوثون الأميركيون على أي مقترحات أوروبية. وقال أوشاكوف لوسائل الإعلام المحلية: «ليس الأمر وكأن هناك شيئًا جيدًا سيخرج من هناك». وحتى الآن، أظهر بوتين عزوفًا شديدًا عن تقديم أي تنازلات بشأن مطالبه الراسخة تجاه أوكرانيا.
ردم الفجوة بين الخطط
تتمثل إحدى مهام ويتكوف وكوشنر في ردم الفجوة بين الخطط المختلفة. فبعد اجتماع موسكو في 3 كانون الأول/ديسمبر، غادرا ومعهما خطة سلام من 27 نقطة (27PPP)، وهي نسخة مخففة قليلًا من خطة السلام الأصلية ذات الـ28 نقطة (28PPP) التي صاغها ويتكوف ورئيس صندوق الثروة السيادي الروسي كيريل دميترييف. أما النقطة الوحيدة التي حُذفت، فكانت – بحسب التقارير – الدعوة إلى عفو عام عن جميع مزاعم جرائم الحرب.
لكن في برلين، وصل زيلينسكي ومعه خطة سلام من 20 نقطة (20PPP) أعدها بالتعاون مع شركائه الأوروبيين فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة في 11 كانون الأول/ديسمبر.
ويبدو أن جزءًا من المحادثات يتمحور حول محاولة توحيد النسختين. وقال زيلينسكي في 14 كانون الأول/ديسمبر إنه لم يتلقَّ أي رد من واشنطن بشأن التعديلات التي أُدخلت على خطة الـ20 نقطة، لكنه أضاف: «أتلقى جميع الإشارات وسأكون مستعدًا للحوار الذي سيبدأ اليوم».
وفي الأسبوع الماضي، وضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ثقله خلف خطة الـ27 نقطة التي خرجت من اجتماع موسكو، وهاجم زيلينسكي علنًا بسبب عدم قراءته للخطة، قائلًا: «الجميع يحب الخطة – كل فريقه – باستثناء زيلينسكي».
وبينما تقترب النسختان من بعضهما البعض، أشار الكرملين إلى أن النسخة الأوروبية من الخطة غير مقبولة إلى حد كبير بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ومع ذلك، ومع تقدم المحادثات، يبدو أن تفاصيل النقاط الثانوية في القوائم أصبحت أقل أهمية، حيث تتركز المفاوضات على حل القضيتين الرئيسيتين: السيادة على الأراضي، وضمانات الأمن.
وقال زيلينسكي في طريقه إلى القمة: «قمة برلين مهمة. نحن نلتقي مع الأميركيين والأوروبيين على حد سواء… وهذه الاجتماعات تُعقد اليوم وغدًا في برلين».
تنازلات
وصل زيلينسكي إلى برلين وهو مستعد لتقديم تنازلات. وخلال الأسبوع الماضي، ثم في حديث مع صحافيين عبر قناته على تلغرام، أشار إلى استعداده للتنازل في عدة نقاط. واشتملت التنازلات على استعداد أوكرانيا للتخلي عن طموحاتها بالانضمام إلى حلف الناتو إذا حصلت على ضمانات أمنية ثنائية بما فيه الكفاية من شركائها، وكذلك استعداد زيلينسكي للتنازل عن بعض الأراضي لروسيا إذا جرى إقرار ذلك عبر استفتاء.
وقال زيلينسكي للصحافيين: «الأهم هو أن تكون الخطة عادلة قدر الإمكان، وقبل كل شيء بالنسبة لأوكرانيا، لأن روسيا هي التي بدأت الحرب».
وهاتان النقطتان تمثلان في الواقع عودة إلى اتفاقات مبكرة سبق التوصل إليها مع روسيا.
وقال زيلينسكي في دردشة عبر واتساب مع الصحافيين: «نحن نتحدث عن ضمانات أمنية ثنائية بين أوكرانيا والولايات المتحدة – أي ضمانات شبيهة بالمادة الخامسة… وكذلك ضمانات أمنية من شركائنا الأوروبيين ومن دول أخرى مثل كندا واليابان وغيرها. وهذا بحد ذاته تنازل من جانبنا».
والمثير للدهشة أن إدارة ترامب عرضت بالفعل ضمانات أمنية حقيقية شبيهة بالمادة الخامسة، تشمل التزامًا عسكريًا، كجزء من المفاوضات الجارية مع الكرملين. في المقابل، لا تزال دول الاتحاد الأوروبي أكثر ترددًا بكثير في الالتزام بتقديم دعم عسكري لأوكرانيا إذا أعادت روسيا غزوها بعد تثبيت وقف إطلاق النار.
وقد تلقت فكرة الاتفاقات الثنائية الأوروبية دفعة من رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني التي حضرت المحادثات. وكانت ميلوني داعمة علنية لمثل هذه الاتفاقات الأمنية، بعدما اقترحت الفكرة نفسها في قمة البيت الأبيض في 18 آب/أغسطس، إلا أن الفكرة لم تلقَ تأييدًا من القادة الأوروبيين الآخرين الحاضرين.
ويعمل زيلينسكي على تهيئة الرأي العام الأوكراني لتنازلات غير سارة، ومن شبه المؤكد أن تشمل المفاوضات التنازل عن بعض الأراضي، وهو أمر محظور بموجب الدستور الأوكراني. وخلال مساعٍ لإنهاء الحرب بحلول نهاية عام 2024، اقترح زيلينسكي إجراء استفتاء للحصول على تفويض بالتنازل عن بعض الأراضي كجزء من أي مفاوضات مع روسيا، وأعاد طرح فكرة الاستفتاء الأسبوع الماضي لأول مرة منذ عام. وقال زيلينسكي: «خطة السلام بالتأكيد لن تكون خطة يحبها الجميع. هناك العديد من التنازلات في نسخة أو أخرى من الخطة».
ويستضيف المستشار الألماني فريدريش ميرتس المحادثات في برلين، لكنه لعب دورًا محدودًا فقط في النقاشات، ما يسلط الضوء على دور الاتحاد الأوروبي كمراقب إلى حد كبير في محادثات السلام التي يقودها البيت الأبيض، والذي يسهل أول اتصال غير مباشر بين كييف والكرملين.
عن صحف ووكالات عالمية









