متابعة / المدى
سلّط برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الضوء على تنامي ظاهرة العنف الميسّر تكنولوجيًا بحق النساء حول العالم، بما في ذلك في العراق، مشيرًا إلى أن هذا النوع من العنف بات يُمارس عبر الهواتف الذكية والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وطال نحو 85% من النساء عالميًا، فيما تأثرت به قرابة 35% منهن بشكل مباشر.
وقال البرنامج الأممي، في تقريره، إن العالم يستذكر منذ عقود أهمية الحد من ظاهرة العنف ضد النساء والفتيات، ويعمل على تطوير آليات ومناهج الحماية والوقاية استنادًا إلى مئات، إن لم يكن آلاف، الدراسات والبحوث والتقارير التي تناولت أشكال هذا العنف وجذوره، فضلًا عن الجهود الوطنية والدولية في وضع الاستراتيجيات وتطوير السياسات.
غير أن التقرير أعرب عن أسفه لأن العنف ضد النساء والفتيات ما يزال يعيد إنتاج نفسه، ويزداد بشاعة وقسوة، مع تداخل أدواته في الحيزين الخاص والعام، مستهدفًا مختلف شرائح النساء، إذ لم تنجُ منه الفتيات الصغيرات، ولا النساء ذوات الإعاقة، ولا حتى المسنات، ليمتد إلى ما هو أبعد من الواقع المادي ويغزو الفضاء الرقمي، حيث تُوظَّف التكنولوجيا في تيسير هذا العنف إلى مستويات مقلقة قد تصل إلى حد القتل غير المعلن.
وأوضح التقرير أن التكنولوجيا تسهّل العنف ضد النساء من خلال ما تتيحه من أدوات وأساليب، ما يضع المجتمعات أمام جوانب معقّدة ومبهمة لهذه الظاهرة، ويستدعي الحاجة إلى فهم معمّق ودراسة أثر التكنولوجيا السلبي مقارنة بإيجابياتها العديدة.
وأشار التقرير إلى أن جهود برنامج الأمم المتحدة الإنمائي متواصلة منذ سنوات، عبر دراسة آليات وأطر عمل تهدف إلى الحد من ظاهرة العنف واستئصال جذوره من خلال برامجه ومشاريعه المختلفة، مؤكدًا أهمية عدم تبنّي النماذج الجاهزة أو الأحكام المسبقة في فهم الظاهرة بمعزل عن السياق المحلي، والتركيز على دراسة أبعادها المتعددة، وتطوير نهج واقعية قائمة على الأدلة.
وبيّن التقرير أن البرنامج الأممي نظّم في بغداد، قبل أيام، حوارًا جمع 17 ناشطة عراقية يعملن منذ سنوات بشكل يومي مع النساء والفتيات، ويقدّمن جهودًا وحلولًا بديلة تسهم في حماية النساء والفتيات في المدن الكبيرة والقرى الصغيرة.
وفي هذا السياق، نقل التقرير أن الدكتورة عامرة البلداوي قدّمت عرضًا عن الكلف الاقتصادية لظاهرة العنف ضد النساء، بما في ذلك العنف الميسّر تكنولوجيًا في العراق، فيما عرضت المحامية إيمان عبد الرحمن تجربتها في إدماج منظور الحماية ضمن برامج التمكين الاقتصادي للنساء العائدات من مخيمات النزوح، وقدّمت الأستاذة علياء الأنصاري مداخلة عن أهمية تكامل آليات الحماية الرسمية وغير الرسمية لضحايا العنف من النساء والفتيات، بينما تناولت الدكتورة بثينة المهداوي أهمية رصد وتوثيق حالات العنف.
وأضاف التقرير أن العامل المشترك في مداخلات المشاركات ونقاشاتهن تمثّل في التركيز على العنف الميسّر تكنولوجيًا ضد النساء، بوصفه فعلًا عنيفًا يُرتكب أو يُحرّض عليه باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بما في ذلك الهواتف الذكية والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني، مؤكدًا أن هذا الشكل من العنف يُعد من أكثر الانتهاكات انتشارًا في العالم المعاصر، لما يخلّفه من إساءة رقمية وتداعيات اجتماعية ونفسية خطيرة.
وبحسب التقرير، فقد تعرّضت 38% من النساء عالميًا لأشكال من العنف الميسّر تكنولوجيًا، في حين شهدت 85% من النساء هذا النوع من العنف. وأوضح أن تقريرًا صادرًا عام 2021 عن وحدة الاستخبارات الاقتصادية أفاد بأن الفترة بين عامي 2019 و2020 شهدت تعرّض أو مشاهدة 85% من النساء حول العالم للعنف عبر الإنترنت، فيما أكدت 38% منهن تأثّرهن المباشر به.
وأشار التقرير إلى أن النساء في جميع القارات تأثرن بهذه الظاهرة، حيث سُجّلت أعلى المعدلات في الشرق الأوسط بنسبة 98%، تلتها أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي بنسبة 91%، ثم أفريقيا بنسبة 90%، فيما جاءت آسيا والمحيط الهادئ بنسبة 88%، وأميركا الشمالية بنسبة 76%، وأوروبا بنسبة 74%.
وأوضح التقرير أن الفتيات يواجهن خطرًا مضاعفًا، إذ يتعرّضن لأشكال من العنف الرقمي في سن مبكرة، وغالبًا ما يترددن في الإفصاح عنه خوفًا من اللوم أو العقاب، ولا سيما في ظل محدودية الوعي الرقمي وضعف المعرفة بوجود بيئات مؤسسية ومجتمعية داعمة لحماية النساء والفتيات، إن وُجدت.
وتابع التقرير أن أشكال العنف الميسّر تكنولوجيًا تتخذ صورًا متعددة، ولا تقتصر على السخرية أو الإهانة أو نشر الشائعات المسيئة، بل تشمل الابتزاز والتتبع وانتحال الهوية، واستغلال صور الضحايا للاحتيال وتشويه السمعة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وصولًا إلى التحرش الجنسي الرقمي.
وذكر التقرير أنه في ظل تزايد نسب البطالة، وصعوبات التنافس في سوق العمل، وارتفاع معدلات الفقر، واستمرار الصراعات والحروب، وانتشار التطرف، وتفاقم آثار التغيرات المناخية وأوجه اللامساواة، لا تزال غالبية الدول تفتقر إلى نصوص قانونية واضحة وصريحة تعالج العنف الميسّر تكنولوجيًا، ما يُبقي هذا المجال دون حماية كافية، ويُضعف الثقة بفعالية النظم القانونية في التصدي لهذه الممارسات، ويمنح مجالًا أوسع للمبتزّين والمعنّفين.
ومع ذلك، أشار التقرير إلى إحراز بعض التقدم في عدد من دول أميركا اللاتينية، من خلال الاعتراف بالعنف الميسّر تكنولوجيًا كشكل مستقل من أشكال العنف، سواء بتجريمه أو بتعديل بعض القوانين لتشمل العنف الرقمي ضمن الأفعال المعاقب عليها قانونًا.
وقدّم التقرير مثالًا من العراق، مشيرًا إلى أنه في ظل الفراغ التشريعي، تبرز الحاجة إلى حلول مبتكرة، من بينها إنشاء أطر مؤسسية مؤهلة وسريعة الاستجابة، أو تأسيس منصات مختصة باستقبال البلاغات عن حالات الابتزاز، مثل منصة «أمين» في العراق.
ودعا التقرير إلى إدماج قضايا العنف الرقمي ضمن قوانين الحماية من العنف الأسري، لضمان توفير حماية شاملة، لافتًا إلى أن الجهود الوطنية لم تُفضِ حتى الآن إلى إقرار قانون الحماية من العنف الأسري، مع بداية عمل مجلس النواب المنتخب على ضوء نتائج انتخابات 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025.
وبحسب التقرير، تتوافر مجموعة من الأطر الإقليمية والدولية التي يمكن الاستفادة منها لتعزيز جهود مواجهة العنف ضد النساء في المنطقة، من بينها الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات، والإعلان العربي لمناهضة جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات، والخطة التنفيذية الإقليمية لحماية المرأة العربية في مجالات السلام والأمن (2015–2030)، إلى جانب أطر أخرى يمكن البناء عليها لتطوير مقاربات أكثر شمولية واستجابة للتحديات المتزايدة التي تفرضها البيئة الرقمية.
تقرير دولي: التكنولوجيا توسّع دائرة العنف ضد النساء عالميًا والعراقيات من أبرز ضحاياه

نشر في: 16 ديسمبر, 2025: 12:14 ص








