بغداد/ تميم الحسن
قرر "الإطار التنسيقي" تأجيل الإعلان عن مرشحه لرئاسة الحكومة إلى اللحظات الأخيرة التي تتيحها "التوقيتات الدستورية". ويعوّل التحالف الشيعي على الفترة الممتدة بين 45 يومًا وشهرين، ريثما يُنتخب رئيس الجمهورية، لاحتواء خلافاته الداخلية بدلًا من أن تتفاقم.
وخلال هذه المدة، تبدو المفاوضات وكأنها عادت إلى نقطة البداية. فبدلًا من توسيع دائرة الخيارات أو طرح أسماء جديدة، انحصر النقاش مجددًا بين مرشحين اثنين فقط للمنصب، في مؤشر على ضيق هامش التوافق داخل التحالف.
ويوم الأحد الماضي، أعلنت المحكمة الاتحادية العليا في العراق مصادقتها على النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية العامة التي جرت في 11 تشرين الثاني الماضي، من دون إدخال أي تغيير.
وعلى الفور، ذكّر مجلس القضاء الأعلى بالمدد الدستورية التي تعقب مرحلة تصديق المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات، والتي يُفترض أن تنتهي بتكليف رئيس للوزراء خلال سقف زمني أقصاه منتصف شهر شباط المقبل.
"اللفّ والدوران"
داخل "الإطار التنسيقي"، الذي يعرّف نفسه بوصفه الكتلة الأكبر بحسب ما أعلنه الشهر الماضي، يبدو أن لعبة "اللفّ والدوران" قد وصلت إلى نهايتها، وفق تعبير سياسي شيعي، في ما يتصل بترشيح رئيس الوزراء، ليجد التحالف نفسه اليوم مضطرًا للكشف عن اسم مرشحه.
يقول سياسي مطّلع، طلب عدم نشر اسمه، إن "لم يعد هناك أي فائدة من تشتيت الإعلام والجمهور عبر طرح أسماء متعددة لمرشحي رئاسة الحكومة. الحقيقة أننا أمام مرشحين اثنين فقط".
ويكشف السياسي لـ(المدى) أن المرشحين هما رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد شياع السوداني، وزعيم "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي، مؤكدًا أن "حظوظ الطرفين باتت متقاربة إلى حدّ كبير، ولم يعد أمام الإطار التنسيقي سوى التوافق على اختيار أحدهما".
وكان التحالف الشيعي قد روّج، في الأسابيع التي أعقبت إعلان نتائج الانتخابات، أنه درس ملفات نحو 40 مرشحًا للمنصب عبر لجنة "مقابلة المتقدمين"، وهي لجنة تضاربت الروايات بشأن أعضائها، وجرى الحديث في إحدى المرات عن أنها تضم ممثلًا عن مرجعية النجف.
وسرد التحالف، عبر ناطقين ومقرّبين منه، تفاصيل عن أجواء مقابلات المرشحين، مشيرين إلى أن بعضهم من فئة الشباب ويحمل "رؤى جديدة"، وأن اللجنة توصّلت إلى قائمة أولية ضمّت 15 اسمًا، ثم جرى تقليصها إلى 9، قبل أن تستقر على 3 أسماء فقط.
وفي السياق نفسه، روّجت أوساط شيعية أن بعض أطراف "الإطار التنسيقي" أرسلت قائمة مرشحين إلى النجف لاستطلاع رأي المرجع علي السيستاني، الذي قيل إنه رفض ذلك.
لكن في وقت مبكر من تلك التطورات، كانت (المدى) قد كشفت، نقلًا عن مصادر قريبة من القرار السياسي، أن طرح أسماء مثل محافظ البصرة أسعد العيداني، أو عبد الحسين عبطان، وزير الشباب الأسبق، وآخرين كمرشحين محتملين، لم يكن سوى "أسماء للحرق". وأضافت المصادر حينها أن "لجنة مقابلة المرشحين لم تكن سوى أداة لتشتيت الانتباه وكسب الوقت".
هل هذه هي النهاية؟
على الأرجح، ليست هذه نهاية القصة. فبحسب نائب سابق حضر جانبًا من التفاهمات الشيعية المتعلقة باختيار رئيس الوزراء المقبل، ما زال باب المفاجآت مفتوحًا، وقد يحمل الطريق سيناريو غير متوقّع.
ويقول النائب السابق، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ(المدى): "قد لا يتمكن الإطار التنسيقي من التوافق على محمد شياع السوداني أو نوري المالكي. عندها سنكون أمام خيار مرشح تسوية، رغم أن هذه الفرضية لا تبدو قوية حتى الآن".
ولا يستطيع النائب المطلع على المفاوضات تسمية شخصية بعينها لتولي منصب "رئيس وزراء التسوية"، لكنه يذكّر بأن هذا السيناريو تكرر أكثر من مرة في التجربة السياسية العراقية، "بل في كل المرات تقريبًا، باستثناء الولاية الثانية لنوري المالكي بين عامي 2010 و2014".
ففي الدورة الأولى، جاء المالكي نفسه مرشحَ تسوية بدلًا من إبراهيم الجعفري، ثم جرى اختيار حيدر العبادي لاحقًا لمنع المالكي من الحصول على ولاية ثالثة، قبل أن تُطرح شخصية عادل عبد المهدي بوصفها حلًا وسطًا للنزاع بين العبادي وبقية أطراف التحالف الشيعي.
وفي واحدة من أعقد اللحظات السياسية، عقب احتجاجات تشرين واستقالة حكومة عبد المهدي، قرر "البيت الشيعي" تقديم مصطفى الكاظمي لامتصاص ضغط الشارع، قبل أن تُحمّله القوى نفسها لاحقًا مسؤولية الفشل. أما محمد شياع السوداني، فجاء إلى المنصب بعد قرار انسحاب ما عُرف بـ"شيوخ الإطار" من حلبة التنافس على منصب رئيس الوزراء.
وهذه المرة أيضًا، يتوقّع النائب السابق أن ينسحب نوري المالكي ومحمد شياع السوداني من سباق التنافس إذا ما تعقّد المشهد، ليفسحا المجال أمام مرشح يظهر من خلف الأضواء، في تسوية جديدة قد تعيد إنتاج المسار ذاته.
لكن ماذا عن التوقيتات الدستورية؟
يقول السياسي القريب من القرار الشيعي إن "الإطار التنسيقي ما يزال يمتلك هامشًا زمنيًا للمناورة وإعلان اسم رئيس الوزراء"، على الرغم من أن عجلة التوقيتات الدستورية بدأت بالدوران فعليًا.
ويتوقع السياسي أن يجري تأجيل الإعلان عن اسم رئيس الوزراء إلى الساعات الأخيرة من هذه التوقيتات، أي إلى لحظة تكليف رئيس الجمهورية، وهي فترة قد تمتد لنحو شهرين. وخلال هذه المدة، يعتقد المطلع أن "الإطار التنسيقي قد يتمكن من حسم خلافاته الداخلية".
ويضيف: "ستُعقد جلسات البرلمان من دون رئيس حكومة، ولا داعي للاستعجال، فالقوى السنية لم تتوصل بعد إلى اختيار رئيس للبرلمان، كما أن القوى الكردية لم تحسم اسم رئيس الجمهورية".
وبحسب السياسي الشيعي، يخشى "الإطار التنسيقي" أن يؤدي التسرع في حسم اسم رئيس الوزراء إلى تفاقم الصراع الداخلي وتعقيد المشهد أكثر مما هو عليه الآن.
وتبدأ التوقيتات الدستورية، وفق توضيحات صادرة عن مجلس القضاء الأعلى، عقب مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على النتائج النهائية للانتخابات. وتتمثل أولى هذه الخطوات بدعوة رئيس الجمهورية الحالي عبد اللطيف رشيد البرلمان الاتحادي إلى الانعقاد خلال مدة لا تتجاوز 15 يومًا.
وعند انعقاد البرلمان خلال هذه الفترة، يتولى أكبر الأعضاء سنًا - ويُعتقد أنه عامر الفايز، القيادي في "الإطار التنسيقي" - رئاسة الجلسة الأولى، التي يُفترض أن يتم خلالها انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه بأغلبية النصف زائد واحد من مجموع أعضاء المجلس البالغ 329 نائبًا.
ووفقًا للمسار الدستوري اللاحق، يتوجب على البرلمان انتخاب رئيس الجمهورية خلال مدة 30 يومًا وبأغلبية الثلثين (220 نائبًا)، وهي المرحلة الأكثر تعقيدًا في ظل الانقسامات السياسية.
وبعد تجاوز عقدة انتخاب رئيس الجمهورية، يقوم الأخير بتكليف "الكتلة الأكبر" في البرلمان - وهي في هذه الحالة كتلة "الإطار التنسيقي" - بتسمية رئيس الوزراء خلال 15 يومًا، على أن تُمرَّر الكابينة الحكومية لاحقًا بتصويت أغلبية النصف زائد واحد.









