بغداد / محمد العبيدي
أشعلت قرارات المجلس الوزاري للاقتصاد بشأن تقليص الإنفاق وتعظيم الإيرادات حالة قلق واسعة داخل الأوساط الوظيفية والاقتصادية، في وقت تعاني فيه المالية العامة من ضغوط متصاعدة واتساع فجوة العجز، بالتوازي مع تداول أحاديث إجراءات قد تمس رواتب الموظفين والدعم الحكومي.
وتزامن ذلك مع تصريح لوزير حقوق الإنسان الأسبق محمد مهدي البياتي، اعتبر فيه أن خفض رواتب الموظفين بات "الخيار الوحيد المتبقي" لمعالجة الأزمة المالية التي يمر بها العراق، مؤكداً أن البلاد تواجه وضعاً اقتصادياً صعباً يستدعي قرارات قاسية لتجاوز المرحلة الراهنة. وأصدر المجلس الوزاري للاقتصاد، حزمة قرارات وُصفت بالأكثر حساسية منذ إقرار الموازنة، استهدفت تقليص الإنفاق الحكومي، وتعظيم الإيرادات غير النفطية، في محاولة لمعالجة الاختلالات المتراكمة في بنية المالية العامة.
وبحسب بيان المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، ناقش المجلس مخصصات ورواتب الرئاسات الثلاث، ووجّه بإجراء مراجعة عاجلة لهذا الملف، مع العمل على مساواة رواتب ومخصصات منتسبي رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب بمنتسبي رئاسة الوزراء، إلى جانب تكليف وزارة التخطيط بتحديث التقرير الخاص بتوحيد سلم الرواتب لعموم الموظفين، والأخذ بالتوصيات المقدمة بهذا الشأن. كما شملت القرارات تخفيض تخصيصات الإيفاد لموظفي الدولة بنسبة 90%، ومنعها إلا في حالات الضرورة وبموافقة الوزير المختص، فضلاً عن تخفيض نسب الإشراف والمراقبة للمشاريع الجديدة، ووضع برنامج استيرادي وطني يقتصر على السلع الأساسية، فضلاً عن قرارات أخرى.
هل يتحمل العراقيون صدمة؟
بدوره قال الخبير الاقتصادي علي دعدوش لـ(المدى) إن "توحيد سلم الرواتب يُعد أخطر وأهم بند في القرارات الأخيرة"، مبيناً أن "تنفيذ هذا الإجراء يتطلب قاعدة بيانات دقيقة وشاملة للموظفين، إلى جانب قرار سياسي شجاع يتحمل الصدمة الاجتماعية المؤقتة". وأضاف دعدوش أن "نجاح توحيد سلم الرواتب سيمثل إصلاحاً هيكلياً تاريخياً يُحسب للحكومة"، مشيراً إلى أن "إعادة النظر بدعم الحنطة تعكس اعترافاً بخروج هذا الدعم عن السيطرة، ومحاولة لربطه بسقف عقلاني يتناسب مع الواقع الاقتصادي».
وأوضح أن «إجراءات الأتمتة، والدفع الإلكتروني تمثل جوهر الإصلاح الحقيقي، كونها تسهم في تقليل التهريب، وزيادة الإيرادات غير النفطية، وتوسيع القاعدة الضريبية من دون رفع الضرائب»، لافتاً إلى أن «هذا المسار وحده قادر على مضاعفة الإيرادات غير النفطية مرتين إلى ثلاث خلال ثلاث سنوات، شريطة توافر الإرادة السياسية وكسر شبكات المصالح الخاصة».
ثقب النفقات يتسع
وتأتي هذه القرارات في ظل مؤشرات مالية تظهر حجم التحديات القائمة، إذ تشير البيانات الرسمية إلى أن الإيرادات النفطية المتحققة خلال 11 شهراً بلغت نحو 97 تريليون دينار، مع توقعات ببلوغها 105 تريليونات دينار بنهاية العام، مقابل نحو 13 تريليون دينار فقط من الإيرادات غير النفطية، في وقت تُقدّر فيه النفقات العامة بنحو 150 تريليون دينار سنوياً، تستنزف الرواتب والتقاعد والرعاية الاجتماعية قرابة 85 تريليون دينار منها.
وفي هذا الإطار، قال الباحث الاقتصادي حيدر الشيخ لـ(المدى) إن «الأرقام الحالية تكشف خللاً هيكلياً مزمناً في بنية الاقتصاد العراقي"، موضحاً أن "الاعتماد شبه الكامل على النفط، مقابل تضخم النفقات التشغيلية، يضع الموازنات أمام عجز سنوي متصاعد في ظل غياب موارد غير نفطية فاعلة».
وأضاف أن «الرواتب تمثل العبء الأكبر على المالية العامة، فيما تتوسع الالتزامات عاماً بعد آخر، ما يجعل أي صدمة في أسعار النفط عاملاً مباشراً في تعميق الأزمة».
وتعيش الأوساط الوظيفية والاقتصادية حالة ترقب إزاء مآلات هذه القرارات، في ظل الغموض الذي يحيط بالإجراءات وآلية تحقيق هذه الإصلاحات، وسط ضغوط مالية متزايدة ومخاوف من إجراءات أشد قسوة في المرحلة المقبلة.
قرارات اقتصادية قاسية تهزّ الشارع الوظيفي… الرواتب في مرمى الاحتمال

نشر في: 17 ديسمبر, 2025: 12:05 ص








